مصطفى المتوكل / تارودانت
الاربعاء 6 ماي 2015
يقول تعالى ..﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (*) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (*) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (*) يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ) سورة إبراهيم
“العبث اضاعة الوقت فيما لافائدة فيه وهزل لاخير من ورائه وتصرف طائش …واستخفاف”
و “الاسْتِخْفَافُ بِالأمْرِ : الاسْتِهَانَةُ بِهِ.. والاسْتِخْفَافُ بِالنَّاسِ : الاِسْتِهْزَاءُ بِهِمْ”
.. ان من انواع العبث ما يطال الحقوق الخاصة ..ومنه ما يستهدف الشؤون العامة ..فاذا كان الناس يميزون عند الحديث عن العبث بين المزاح وتزجية الوقت والترويح عن النفس وبين جعل البشر كائنات يتم التعسف عليها بالاستهزاء والتحقير والاساءة ارضاء لغرور وعجرفة وخلل نفسي وتربوي …فان تاثيراته السلبية لايختلف حولها عاقلان …
..فان يتعمد اي كان العبث بمشاعر الحب و بكل القيم الجميلة الدينية والانسانية المرتكزة على احترام الاخر سواء اتفقنا او اختلفنا معه وحتى ان تعادينا .. فامر لايمكن القبول بتاصيله وترسيخه في كل فضاءات حياتنا التي خلقها الله صافية ورائعة ليصبح قاعدة وعرفا يعمل به الصغار والكبار بالمسؤوليات وخارجها …اذ مثلا لايحق بمبرر الاختلاف او العداوة في السياسة وتدبير الشؤون العامة ان يتم بالعبث واللامسؤولية التسبب في تمييع العمل الجاد وتنفير الناس من الاهتمام بحاضرهم ومستقبلهم المشترك في افق تحقيق الانتصار على التخلف والفقر والجهل والمرض والبطالة والاستبداد وجعلهم سلبيين بمقاطعتهم للفعل السياسي في علاقة مع الدولة او المجتمع المدني .. انه وكما لايحق حتى في الحروب الالتجاء الى العبثية العمياء التي تتعمد ابادة المدنيين قبل المسلحين ومحو وهدم ما تركته الامم السابقة من حضارات وثراث انساني رائع .. لايحق تحت مبرر ” الانتصار ” ان تسبى النساء في كل بلدان العالم او تستباح كرامتهن ماديا ومعنويا ايا كان معتقد الفاعل و..
… ان العبث باسماع وعقول وحياة الناس ممارسة وسلوك لايمكن الا ان يصنف ضمن افسد خانة في اللامعقول ..
…فالمفترض ان العقلاء يكتسبون مهارات ترفع من درجات الفهم وحسن التصرف انطلاقا من كل التجارب التي راكمتها البشرية منذ بدء الخليقة بما في ذلك الاخطاء تعلق الامر بالافراد او المؤسسات و كل مجالات الفعل الانساني نظريا و عمليا …
…و باعتبارنا من اصحاب الدين الاسلامي الذي هو اخر الرسالات السماوية حيث نعتبر باننا .. “خير امة اخرجت للناس .” سورة ال عمران ..واننا جئنا لاخراج الناس من ظلمات الفكر والجهل والتخلف والعصبية المقيتة والجاهلية السلوكية والنفسية الى عالم من الرحمة والتاخي و التعاون والتحاب … الا يحق لنا ان نسائل انفسنا بجد عن حقيقة فهمنا للدين وللعلة في وجودنا في هذا الكون ..ثم ان نسائل انفسنا اين نحن من الاسلام الذي هو رحمة ونبيه رحمة مهداة؟ ..واين نحن من تقدم الدول الاخرى التي امتلكت اليات العلم والمعرفة والتطور وسبقتنا بعقود عديدة يصعب مجاراة سرعتهم ليس لعجز بنا او ضعف في قراتنا العقلية ..بل لاننا استعملنا العقل في السياسات العبثية والكلام اللامسؤول والصراعات الجوفاء ..فوظفنا بذلك ما كرمنا الله به في الاساءة الى مجتمعاتنا وحضارتنا وتاريخنا وكل ما هو جميل فينا …
…ان مفهوم الدعوة اعم واشمل مما يعتقده بعض الغلاة سواء بتفاسيرهم او ممارساتهم او في حياتهم وعلاقاتهم مع غيرهم …ان جوهر الدعوة في الديانات السماوية وفي الاسلام خاصة لاتعني بالضرورة اختزال الدين في العبادات .. بقدر ما تعني التشبع بقيمه النبيلة والانسانية والحضارية ..لانه لامعنى لاظهار شخص ما لايمانه بعقيدة وسلوكه مناف في التفصيل او في الجملة لحقائق ما يدعيه ويدعو له …فالظلم الكبير ان يتخلل سلوك “المؤمن” وممارساته بجميع انواعها ..تجاه الاخر اساءات وتحقيرا واستهزاءا ولمزا وهمز ا ..يدخل صاحبه في متاهات لاقرار لها قد تحرق الاخضر واليابس على السواء …
… اننا لم نفهم بعد من الدين لا فلسفته ولا تربيته ولا اهدافه وهنا نخص بالذكر ما يحقق المصلحة المشتركة للناس كافة في هذا البلد وغيره من بلدان العالم اياكان معتقدهم او لغتهم او …فمن سنن الله ان جعلنا شعوبا وقبائل ودولا تختلف الواننا والسنتنا وطباعنا وثقافاتنا وانماط عيشنا …واسس على التنوع الغني المفهوم الشامل للعدالة الالهية التي تشمل الجميع ..كما تاسس على التنوع مفهوم الخير والشر الذي تعمق في شرحه وتوضيحه العلماء والفلاسفة وحتى الشعوب البدائية كل من زاويته ورؤيته..
.. ان العبث اذا تخلل اجتماعات الحكام وممثلي الشعب واذا تخلل المفاوضات والممارسات فانه ينتج شرخا عميقا على مستوى الثقة يصعب ترقيعه او اصلاحه.. لان الملاحظ العادي في كل محطات الاختلاف عبر العصور سيجد ان الاستهزاء والتحقير من طرف تجاه الاخر او من الطرفين معا لم ولن يفرز الا كوارث وازمات واحقاد تمتد لاجيال ايا كان سبب الاختلاف ارثا او ظلما او سياسة اومصلحة خاصة او قرارات حكام غير منصفة ومنحازة ….
.. انه عندما يعمد الحكام الى العبث بما هو فطري بمقتضى الخلق اي الاختلاف والتنوع في محاولات لاضعاف الاخرين المخالفين ولو كانوا ناصحين واقصائهم في اتجاه محو وجودهم المادي والمعنوي كما فعلت النازية والفاشية والهامانية والنيرونية …مع من يعتقدون انهم اعداء لهم …لايمكن ان ينتج عنه الا بروز ديكتاتوريات جديدة تلغي سابقاتها وتؤسس لنفس الفعل بمبرر القضاء على الديكتاتورية …
ان الشعب لايريد مؤسسات توظف جزءا هاما من قدراتها الكلامية للتعريف بانواع السباب والتحقير والاساءات يطال عبثها مصالح الناس واوقاتهم وامكانياتهم .. بل وتعميم ذلك على العالم كله بفضل الاقمار الصناعية ليتعرفوا على وجهنا الاخر المناقض لكل ما هو جميل والذي يهدم بوعي او بدونه بعضا من مصداقية الجميع ..ويجعل الناس يتساءلون هل نخبنا والحكام مؤهلون لادارة الوطن وفي مستوى الانتظارات والتحديات الداخلية والعالمية ..ام اننا محتاجين لاعادة التربية والتاهيل …
ونختم بقوله تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ) الأحزاب.
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «من كثر كلامه كثر سقطه».
فارحموا من في الارض يرحكم من في السماء وكفى عبثا يغفر الله لنا ولكم …