أعرب عبد الإله بنكيران، رئيس حكومتنا في فاتح ماي بأنه مستعد للموت في سبيل الله.
أنا بدوري مستعد للاستشهاد في سبيل الله سبحانه وتعالى، لكن شريطة ألا أكون رئيس الحكومة.
لا أشترط على الله تعالى(سبحانه عم يصفون) ولا على ملك البلاد، وعلى الوطن أن أكون رئيسا للحكومة لأصبح قائدا في فيلق الولدان المخلدين في البورصة بأسهم كبيرة، ترفع درجة حزبي مباشرة بعد إعلان عن موتي في سبيل الله.
لهذا عندما يقول عبد الإله بنكيران بأنه مستعد لذلك، فأنا لا أشعر بجدية حقا في كلامه..
فبنكيران يضع نفسه رهن إشارة قتلة لا نعرفهم، وقناصين لا نعرفهم .. يعتقد بأنهم سيأتون، وفي أياديهم دوريات (قد تكون موقعة) تحدد الساعة الرسمية لكي يقبضوا عمره في سبيل الله.
وهو يقر بأن هذا الحلم حلم طاعن في القدم، لأنه حلم راوده منذ كان صغيرا:أنا مثله، أهلت نفسي في زمن بعيد لأن أستشهد، وأن أموت على يد الجنود الطغاة..«.
وأنا مثله، كنت أروض النفس على أنني سأموت، ربما تتاح لي فرصة متابعة اغتيالي على شاشة التلفزيون، مع موسيقى تصويرية، غالبا ما تخيلتها السمفونية التاسعة لموزارت(رغم أن «با غير دريويش ولا يعرف موزارت)..
وأنا لست مثله، لأنني كنت من جيل كان يستيقظ في صباحات دجنبر ويناير ويصب المياه الباردة جدا جدا، في بيوت نكتريها، تشعر بأنها تحت الصفر في عز غشت في جهة الشرق المشتعل نظرا لفقرها .. وقتها كنا نؤمن بأن الطريق الوحيد للصمود، هي التي قدمت وصفتها رواية «الأم »لغوركي»!
لا أنصحه بأن يصدق كثيرا أحلام الطفولة والصبا..
خذ عندك عبد ربه الذي يكتب هذا العمود، طالما حلم بأن يكون راعيا ويملك مطعما، ذلك لأن جبال الرعي كانت تغري بالرومانسية، والمطعم أفق حلال لطعام وافر من بعد أن يستبد بنا الجوع، فلا أنا أصبحت راعيا (رغم مشاريع عديدة حقيقية) ولا أنا امتلكت «ريسطوران»، كما تقتضي الأحلام القديمة!
عبد الإله يعرف، ولا شك، أن الدولة القتالة، غالبا ما تخلف وعدها وتترك المشاريع معلقة بين أحلام الصبا وبين رب السماء الكريم.
تم فات الأوان، على الاستشهاد من أعلى قبة في الدولة، اللهم إذا كان يفكر أن «أبو لؤلوة المجوسي »سيعود، بسبب الحرب الجديدة بين السنة والشيعة، مباشرة بعد اغتيال عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ويباشر تحقيق حلم بنكيران، الذي لم يحقق لحد الساعة، أي حلم في البلاد يمكن أن يجر عليه القتلة.
بنكيران استشهادي، غير مهدب ( هنا يدخل الشاعر عبد الهادي السعيد) فهو لا يعرف أننا كلنا في الطابور منذ دخلنا السياسة، منا من قتلوه، و هو يعرف جيدا من قتله وكيف؟
ويعرف كيف صفق طويلا في مسجد من مساجد الأمة لأن شهيدا حقيقيا سقط بأيادي الغدر!
وكيف خرج في موكب مهيب يدعو للقتيل بأيادي الإخوة القتلة بالويل والثبور..
وكيف ربح الوسام من عتاة المخزن الذين حفظوا له القفزة في المجهول إلى أن أصبح ما هو عليه..يتمنى أن يعود القتلة(هل هم نفسهم الذين سينقلونه إلى السماوات العلى؟)
لا أصدق حقا عبد الإله – وهنا أحدثه كما أعرفه بلغة الأصدقاء-
فليست لنا مافيات شجاعة صراحة تقتل كما في كاتانيا بإيطاليا أو ميكسيكو
أو كما في مدلين في كولومبيا..
ولم يعد القتل يغري الدولة كثيرا، وعندما تلجأ إليه فهي تلجأ إلى قتل معارضيها .. بـ»السم«! بالطريقة التي تجيدها العقلية المغربية، وهم لا يموتون فعليا عادة، لأنها حسنت كثيرا من ذوقها في اختيار العقاقير القاتلة..
ولم تعلن أية جهة جهادية بأنها ستلحقه بشهدائها» في العراق أو في البوسنة!
ولسبب ما تذكرت العبارة التي سمعتها كثيرا من لدن أناس يبحثون عن مواقع متقدمة في الدولة ويعلنون :أنا أضع نفسي رهن إشارة جلالة الملك لأخدم بلدي..
من يقول ذلك يبحث عن منصب. لأنهم لا يقولون ما يفعله آخرون: المعلم في البادية
و الممرضة في وسط متحرش، والجندي في ليل الجبهة، والطبيب وسط إغراءات الطب الخاص
والصحافي الذي يكتب رأيا لا تتبعه التصفيقات
كلهم يضعون أنفسهم رهن إشارة الملك لخدمة بلادهم..
لهذا لا يقولونها.
هناك ما هو جدي للغاية في كلام من هذا القبيل:
من قبل قال رئيس الحكومة أنه مستعد للعودة إلى الشارع، ويوقظ الربيع العربي من غفوته..
واليوم يقول بأنه مستعد للذهاب إلى مقبرة الشهداء..
ولنا أن نسأل رئيس الحكومة :
أين يقع مغرب المؤسسات بين الشارع والمقبرة؟
فنحن لا نصبح رؤساء حكومات، بعد اقتراع ومسيرات رئيس حكومة المغرب، قد أصبح يعلن عن احتمال استشهاده وهو فوق منصة الحكم، فهل يمكن، أخلاقيا وقضائيا، أن نعتقل أي عضو في أية خلية يعلن بأنه مستعد لكي يستشهد، ونتهمه بالتحريض على استعمال العنف أو عدم التبليغ عن عمل إرهابي ضد النفس من طرف مجهول؟
مجرد سؤال لا يعبر عن جدية كبرى في تصديق الأحلام المتأخرة عن موعدها!
* عن جريدة الاتحاد الاشتراكي
الاثنين 4 ماي 2015