اضطرت النقابات المغربية إلى الإعلان عن مقاطعة احتفالات فاتح ماي الأممي، في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ المغرب، منذ الاستقلال. وسيحتفظ التاريخ للحكومة الحالية التي يقودها عبد الإله بنكيران بأنها أول حكومة في البلاد دفعت النقابات، ولا سيما الأكثر تمثيلية، والمخاطب الرئيسي للجهاز التنفيذي، إلى موقف جذري للرد على المواقف الليبرالية المتوحشة ضد المطالب العمالية.
وإذا كان من المحقق أن هذا القرار سيكون له ما بعده، في الدفع نحو اصطفاف داخل الحقل العمالي، بالاضافة إلى التموقع من الحكومة، فمن المؤكد كذلك، أنه قرار يستوجب أن يقرأ على ضوء الوضع الحالي.
ومن مميزات السياق الذي فرض هذا القرار هو أن الحكومة أخلت بقاعدة سياسية وأخلاقية تقتضي بعدم الدفع بالخصم، فبالأحرى الشريك، إلى مواقف اليأس من مبادراتها، وبالتالي لم تجد النقابات المستأمنة على القرار الكفاحي للطبقات الشغيلة، غير التشبث بممارسة حقها في رفض العبث ووضع النقط على الحروف، في ما يخص الحكومة التي تسعى إلى إسقاط النقابات والطبقات المأجورة من جدول الاعمال السياسي والاجتماعي الذي تريد أن تطبقه على البلاد.
وللنقابات الحق في أن تشك في أن السلوك الحكومي يهدف إلى فك ارتباطها مع الطبقات التي نذرت نفسها للدفاع عنها، عبر المساومة بالزمن والعمل على ربح الوقت ، في الآن ذاته الذي تواجهها فيه استحقاقات متعددة، وعلى رأسها الاستحقاق المعيشي اليومي، مع الزيادات المتتالية والقرارات الأحادية في القضايا المصيرية، من قبيل التقاعد والهجوم الممنهج على الحريات النقابية والتهرب العمدي من مأسسة الحوار الاجتماعي.
والنقابات تدرك أن الحكومة تسعى إلى فك ارتباطها بالطبقة الشغيلة، من خلال إظهارها بمظهر العاجز وهي على أهبة الانتخابات الخاصة بالمأجورين، ولهذا كان من واجبها أن تعري حقائق الأمور وتضع الحكومة أمام الرأي العام الدولي والوطني ، وتفضح سلوكيات الهروب والتسويف والتعالي ، في الخطاب والممارسة.
ومن ميزات السياق المرافق للقرار هو الوحدة النقابية التي تحققت في مقاطعة الاحتفالات،أو بالاصح في الاحتجاج على الحكومة وترتيباتها الباعثة على اليأس والتذمر وتخريب شروط السلم الاجتماعي.
والاتحاد الذي أدرك منذ بداية الولاية الحكومية أننا أمام توجه محافظ ونيوليبرالي ، يسعى إلى فرض الأمر الواقع وسياسة التفقير، وخدمة الرأسمال الدولي ، ضدا على التضامن والعدالة الاجتماعية وحقوق الشغيلة، أدرك بالموازاة مع ذلك، أن الحل في الوحدة النقابية، وأن القوة العاملة هي صمام الأمان في إعطاء المدلول الحقيق لمجتمع السلم والاستقرار والتوجه نحو المستقبل ، عوض الغرق في البدائل التي فرضتها قوى المحافظة والرجعية على الكثير من الدول في الجوار الاقليمي وفي الشرق المتوسط.
إننا ندق ناقوس الخطر من جراء السعي المحموم نحو خلق الفراغ، في المؤسسات عبر تبخيس العمل التشريعي، وفي الفضاء العمومي عبر الدفع نحو الحلول الجذرية للرد على الاستفراد الحكومي بالقرار الذي يهم المغاربة قاطبة.
*عن جريدة الاتحاد الاشتراكي
السبت 2 ماي 2015