وضع رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، البلاد في ورطة حقيقية، وتسبب من جديد في أزمة داخل البرلمان، يجهل لحد الآن كيف يمكن حلها، خاصة وأنه بدا مصرا على افتعال المشاكل عن سبق إصرار وترصد. فماذا يريد؟ وماذا يريد أنصاره في مجلس النواب، الذين وقفوا يصفقون لرئيسهم، مهنئين، لأنه وصف معارضيه بالسفاهة؟
إن ما ارتكبه بنكيران، لم يحدث أبدا في تاريخ المغرب، من طرف أي وزير أول، سابق، باستثناء وزير الداخلية الأسبق، إدريس البصري، الذي هاجم المعارضة الاتحادية، ووصف ضحايا انتفاضة البيضاء سنة 1981، بشهداء الكوميرا.
لقد نجح بنكيران لحد الآن، في خطته، فهو أولا، لا يرغب أبدا في مناقشة سياسة الحكومة في البرلمان، والجواب عن تساؤلات المعارضة وانتقاداتها بالجدل المبني على المعطيات والأرقام، لعجزه وضعف حجته، لذلك يسعى إلى تحويل جلسات الأسئلة الشهرية إلى حلبة صراع وتراشق. وقد تهرب من الجواب عن الأسئلة التي كانت فرق المعارضة قد أعدتها، وخاصة ما يتعلق بالحوار الاجتماعي، الذي ليس لديه ما يقدم فيه.
ثانيا، يريد الإجهاز على السلطة التشريعية، وتسفيهها، وتقزيم دورها، بل تشويه صورتها أمام الرأي العام. ثالثا، يستمد فلسفته من النموذج الفاشي، أي خلط الأوراق، وتصوير السياسيين، كما لو كانوا عبارة عن سوقيين يتلاسنون في المقاهي والشوارع.
وقد انساقت وراء هذه الخطة العديد من التعليقات، حيث صورت الأمر كما لو كان تراشقا في الكلام بين رئيس الحكومة والمعارضة في البرلمان، وأن الكل سواسية، عملا بمنهج “ولاد عبد الواحد كلهم واحد”، حيث أصبح الضحية والجلاد يتقاسمان نفس المسؤولية. فهل كان على المعارضة/ الضحية، التزام الصمت ورئيس الحكومة يصفها بالسفاهة؟
الآن يحق للرأي العام أن يتساءل: إلى أين تسير الأمور؟ لقد حاولت المعارضة تصحيح الوضعية، حتى يحترم رئيس الحكومة مقامه أولا، ويحترم المعارضة والبرلمان، ونص الدستور والتقاليد الديمقراطية، ثانيا. وأمام إصرار بنكيران وتماديه في انتهاك كل هذه القواعد، لجأت المعارضة إلى المؤسسة الملكية، من أجل حث رئيس السلطة التنفيذية على الالتزام بمقتضيات دولة المؤسسات، وعدم حشر الملك، كل مرة في خطابه.
لكن يبدو أن بنكيران، بعد أن اقتنع بفشله في تدبير الشأن العام، وبعد الفضائح المتتالية للوزراء المنتمين لحزبه، لم يبق له إلا سياسة الهروب إلى الأمام، والعمل على تأزيم الوضع السياسي، عله يجد في هذا مخرجا. لذلك لن يتوقف، وسيواصل أسلوب الكلام السوقي، ليبعثر الأوراق، وينقل الصراع إلى مستويات أخرى، غير تلك التي تقتضيها دولة المؤسسات والممارسة الدستورية.
* عن جريدة الاتحاد الاشتراكي
الخميس 30 ابريل 2015