لا يمكن لمن يتتبع الحياة السياسية المغربية، إلا أن يصاب بخيبة أمل كبيرة، وهو يسجل الوضع الذي أوصل إليه رئيس الحكومة الحالي، عبد الإله بنكيران، المهمة التي يتولاها، والتي تعتبر من بين أهم ما جاء به دستور 2011، حيث مرغها في وحل صغائر الأمور، و ضعف الأداء وعدم تمثل المسؤولية الملقاة على عاتقه، والصلاحيات المخولة له، والواجب الذي عليه أن يقوم به تجاه المواطنين، والاحترام الضروري للمؤسسة التشريعية، على الخصوص.
إن مسألة إعطاء صلاحيات واسعة لرئيس الحكومة، بناءا على أغلبية تخرج من صناديق الاقتراع، كانت من أول المطالب، التي ناضلت من أجلها أجيال من المناضلين السياسيين والحقوقيين، وقد جاء الدستور الحالي، ليكرسها، وينظمها، غير أن الرياح جرت بما لا تشتهي سفينة الديمقراطية، لتضع على رأس الجهاز التنفيذي، شخصا لا علاقة له بهذا التاريخ النضالي، بل على العكس، كان هو و النفر الموالي له، دائما في الضفة الأخرى، مناهضين للأحزاب الديمقراطية، معادين للحداثة، مناصرين للدولة السلطوية، بلبوس دينية.
هذه هي الحقيقة، أو على الأصح هذه هي الورطة، التي تتخبط فيها الممارسة الديمقراطية، حيث كرس رئيس الحكومة الحالي، نموذجا سلبيا يتراوح بين العجز عن تفعيل الدستور، وتعويض ذلك بسجال تستعمل فيه مصطلحات سوقية، ضد المعارضة، هدفه تحويل الأنظار عن مكمن الخلل، وخلق تشويش لدى الرأي العام، للتهرب من مناقشة الحصيلة الحكومية، و نقل الصراع إلى مستويات أخرى، غير تلك التي تنظم بالقانون.
ويمكن القول، إن قامة بنكيران، أصغر من قامة ما خوله الدستور، لرئيس الحكومة من صلاحيات و مسؤوليات، وإدراكه لهذه الحقيقة، هو الذي يدفعه نحو البحث عن حلبة صراع شعبوي، سيربحه لا محالة، لأن مشروعه الفكري، لا يؤمن أصلا بالديمقراطية. فالممارسة السياسية بالنسبة له، ليست سوى ضرورة مفروضة عليه و على أنصاره، لأن المشروع الحقيقي، هو بناء مجتمع رجعي و دولة دينية، وهو ما يردده باستمرار، عندما يقترح على تنظيمات أصولية أخرى، الإلتحاق بما يعتبره تجربة العمل السياسي في المؤسسات الشرعية، للوصول إلى هذا الهدف، من داخل اللعبة.
ومن الممكن أن يتساءل المرء، في هذا السياق، هل فعلا يمكن لتنظيمات أصولية رجعية، أن تنجح في ممارسة اللعبة الديمقراطية؟ السؤال يفرض نفسه، لأن المعضلة كبيرة، ليس في المغرب، فقط، بل في العديد من البلدان العربية، التي أصابتها هذه الآفة. فالديمقراطية ثقافة شاملة ودستور وقوانين و تقاليد و أعراف، قبل أن تكون مجرد صناديق إقتراع، كما تريد هذه التنظيمات، التي تستعمل كل الوسائل، من أموال تم جمعها لأهداف إحسانية، ومساجد و فضاءات وجدت للعبادة، وخطاب ديماغوجي، يوظف الدين لأغراض إنتخابوية…
إن السلوك السيئ، الذي أبان عنه رئيس الحكومة، ليس إلا تجليا، لما هو أعمق، أي لخلل في المنشأ، لذلك فإن المكسب الدستوري، يتم العصف به حاليا، لأن تنفيذ النص و تفعيله، في حاجة إلى ثقافة ديمقراطية، وكفاءة شخصية، وحكمة ومروءة، ولا يسعنا ونحن نعيش العبث، إلا أن نقول، ما أكبر الفكرة، ما أصغر رئاسة بنكيران.
* عن جريدة الاتحاد الاشتراكي
الخميس 30 ابريل 2015