عندما كانت الأجساد تتراكم، في فظاعات الصيف والشتاء تحت أطنان من الإسمنت، ووسط ركام النسيان والتجاهل في معتقل الموت بتازمامارت، كنا نعامل الضمير ونعالجه بنفس النسيان أو بالادعاء المريح بأن الأشياء في باطن الأرض لا تختلف عن الأشياء فوقها، وأننا لا نعرف عن السرائر أكثر من الظاهر.
ولما انفضح المستور، وعرفنا أن في بلادنا النقطة الأكثر إيلاما في الأرض، وأن الدمل الذي نبتت بين السياسة والانتقام والحسابات الداخلية للسلطة والقرار، لم تصنعها أي مرارة أخرى في الأرض، وبدونا ،بالفعل ، كما لو أننا في الصورة المعكوسة لكهف أفلاطون..
كما نجاور التراجيديا بالجهل، لكن كيف نحدث أنفسنا اليوم، بأي لغة سنخاطب الضمير الجماعي ونحن نتابع، وباتفاق وطني قل نظيره، ما يحدث في بويا عمر؟
كل رقم هو شهادة إدانة بدون أدنى حق في استئناف الحكم، حكم الشرائع الإنسانية أو حكم القضاء أو حكم المواطنين والمتتبعين.
لقد امتلكنا الشجاعة، فعلا، بأن نقول بأننا نملك ما يكفي من الوحشية لكي نسجن المصابين بطريقة قروسطوية.
وامتلكنا الشجاعة لكي نقول إننا نحتفظ فوق أرضنا بقطعة من الجحيم، لمن يريد أن يقرأ سورة العذاب تحت الأرض وفوقها وبجوارها..
وامتلكنا الشجاعة لكي نقول بأننا نملك دجاجات من ذهب من نوع خاص، مرضى، مجانين وفصاميين ومتخلفين يدفعون للفندق الدولي الصاعد من القرون الوسطى 800 مليون سنتيم سنويا بدون أن يتلقوا أدنى علاج.
لقد امتلكنا الشجاعة، فعلا، لكي نقول بأننا ندخل الناس إلى الجحيم ، وأننا أول دولة في التاريخ تتقاضى مقابل عن ليالي العذاب التي يقضيها المرضى في جهنم!
علينا أن نعترف لأنفسنا بأننا أول دولة ستكشف عن اقتصاد الجنون..
وأننا، مثل ما يقع في الصين، نجمع أربعة عمال في غرفة واحدة لكي ينتجوا لنا فائض القيمة الذي تعيش به تجارة الحمق والفصام.. وتبقى الصحة ووزارتها في صحة مالية جيدة.
علينا ألا نخجل من أننا تجاوزنا الخجل بعيدا في الضفة الأخرى من الجنون!
هناك جحيم بإشراف رسمي من الدولة المغربية الحديثة، يتلقى فيه أزيد من 5 في المائة من الجامعيين النزلاء حقهم في سوء المعاملة والتعذيب اليومي والحط المتفق عليه من كرامتهم.
ونملك الحصافة والرزانة الضروريتين لكي ننتظر:سيستمر الجحيم إلى أن تستكمل الدراسة الرسمية أدوارها أو يحين وقت إعلان سقوطه.
لدينا ما يكفي من الوقت والصبر على أن نرانا ..شبة حيوانات!
في هذا الجسم، يبلغ معدل الإقامة 18 سنة:لأن السنين إذا كانت أقل لا تليق بالجنون !
،43 في المائة من الذين شملتهم الدراسة التي كشفتها وزارة الصحة هم من الذين يتلقون سوء المعاملة ، وتبعا لذلك فإن صحتهم الجسدية «تلتحق» بالصحة النفسية في الدرك الأسفل من الجنون والتبخيس الذي لا تصفه لغة،
لم نبتعد كثيرا عن الزمن الذي ولد فيه هذا الضريح، ونحن نعيش بالقرب من القرن السادس عشر..
نحن نعيش، وعلينا أن نعتز بأننا لم نغير كثيرا من فهمنا القروسطوي الذي عاش به المجانين منا في تلك الفترة..
نحن في متحف جوراسيك بارك الجديد، حيث نحتفظ ببقايا القرون القديمة، ونثبت للعالم بأن لنا أكبر تجربة في تاريخ الطب الإنساني، بأن نبقي على المرض كما ورثناه في القرن السادس عشر!
نحن وحدنا استطعنا الشجاعة في أن نعلن في التلفزيون والصحافة وللعالم كله.. بأننا استطعنا أن نحافظ للبشرية على تراثها في الجنون القديم وفي البشاعة القديمة وأن لنا مجسم طبيعي . للجحيم..
* عن جريدة الاتحاد الاشتراكي
الاثنين 20 ابريل 2015