هناك من يتعامل مع مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات، بانتقائية، إن لم نقل بانتهازية، حيث يختار من هذه المبادئ، ما يروق له، متجاهلا أنها تنطلق من فلسفة واحدة، لا تفصل الحريات الفردية عن الجماعية.
الطبيعة البشرية أقوى من المنهج الانتقائي، لأنها تفرض على مثل هؤلاء، الانصياع للواقع الإنساني. بل أكثر من ذلك، فإنها تكشف المستور، وإن حاول الشخص إخفاءه. فالمستور يبحث عن أية وسيلة للظهور والتجلي، كما يقول سيجموند فرويد.
تعالج، حاليا، المجتمعات المتقدمة في العلم و المعرفة والديمقراطية، هذه القضايا بدون تعقيد، رغم أنها بدورها عانت قبل ذلك، من السكيزوفرينيا الجماعية، والنفاق الاجتماعي والثقافي، الذي فرضته المؤسسة الدينية، التي كانت هي المسؤولة الأولى عن انتهاك المحرمات، التي تعذب وتحرق الآخرين، بسببها.
وقد ساهمت الكتابات الإبداعية في فضح نفاق الذين يرفعون شعارات التشدد الديني والأخلاقي، مثلما قام به فلاسفة عصر الأنوار في فرنسا، وأشهرهم، ديدرو. غير أن رواية “إسم الوردة”، للروائي الإيطالي أومبيرتو إيكو، غنية بالمعاني على هذا المستوى، لأنها تفضح نفاق الكنيسة، في تحقيق عن عمليات اغتيال في أحد الأديرة، ليكتشف تشابك العلاقات المثلية، ومسؤولية كبير الرهبان، جورج، وهو شيخ ضرير، في الجرائم المرتكبة، لإخفاء كتاب لأرسطو، حول المزاح والضحك. و كان هذا الشيخ يحرم الضحك، لأنه في نظره نوع من المس بالذات الإلهية. ولا أعرف لماذا تذكرني هذه الشخصية، دائما، بالمرحوم، الشيخ عبد العزيز بن باز، المفتي السعودي، الضرير، الذي أفتى بمنع التصفيق والمظاهرات، واعتبر رفض الزوجة لحق الزوج في التعدد، ردة عن الإسلام.
السكيزوفرينا الجماعية والنفاق الاجتماعي، أعداء الديمقراطية ، وهي من بين المتاريس الحقيقية المنصوبة في وجه مبادئ حقوق الإنسان، التي تدافع على قدم المساواة، عن الحريات الجماعية والفردية والشخصية. ومن تجليات هذه السكيزوفرينيا، استغلال شعارات الحرية الشخصية، بشكل انتقائي، ثم اللجوء، بعد ذلك إلى الغطاء الشرعي، التقليدي والرجعي والمتخلف، لتمرير الرغبات الشخصية.
فأي مشروع مجتمعي يريده لنا الفقهاء/ السياسيون؟ إنه مجتمع النفاق، الذي يخفي الوجه الطبيعي للبشر، تحت قناع التشدد، وفي نفس الآن، تمرير كل رغبات الذكور، باسم الشرع، مع إذلال النساء.
رغم قناع التشدد، الذي تحتمي وراءه بعض الشخصيات، إلا أن الطبيعة الإنسانية لا ترحم. وعلى عكس ما قاله المتصوفة، “ومن شدة الظهور الخفاء”، في حديثهم عن تجلي الذات الإلهية في الكون، فإن الفقهاء الذين يعادون المتصوفة، تصح عليهم قولة “ومن شدة الخفاء الظهور”، إذ لا يمكن لهم، كبشر، إخفاء نوازعهم الشخصية، فليكفوا عن النفاق !

* عن جريدة الاتحاد الاشتراكي

17 ابريل 2015

‫شاهد أيضًا‬

عندما توسط الحسن الثاني بين شاه إيران والخميني * عمر لبشيريت

يحكي عبداللطيف الفيلالي رحمه الله، وزير الخارجية والوزير الأول الأسبق، أن اتصالات المغرب ب…