ما هو تقييمكم للعمل النقابي بعد سنتين من تحملكم مسؤولية تدبير النقابة الوطنية للتعليم العالي؟
تأسست النقابة الوطنية للتعليم العالي سنة 1960 أي بعد أربع سنوات من استقلال المغرب وبعد سنة من صدور أول قانون منظم للتعليم العالي والبحث العلمي بالمغرب. وهي بذلك سايرت وإلى حدود اليوم تأسيس وتطور الجامعة المغربية بكل مستوياتها العلمية والبيداغوجية، وأسست لتراكم جمع بين القوة الاقتراحية والعمل التشاركي والعمل النضالي. كما أنها ساهمت في بلورة نقاش عام حول الحق في المعرفة والعدالة المعرفية إلى جانب مساهمتها في مقاربة المواضيع ذات الطابع السياسي والاقتصادي التي لها صلة بقضايا التعليم والتعلم. وانطلاقا من قناعتها بوجوب استقلال العمل النقابي عن العمل السياسي، فضلت النقابة الوطنية للتعليم العالي أن يكون لها توجها مستقلا ومسارا نضاليا ومساهمة فكرية متميزة وخاصة بها. ذلك التوجه الذي يضم جميع الحساسيات السياسية دون تمييز أو فرق والذي تأسس منذ سنة 1979 حينما انفصلت النقابة الوطنية للتعليم العالي عن الاتحاد المغربي للشغل لتفتح باب الاستقلالية على مصراعيه، والذي يستمر إلى اليوم رغم أنه في العديد من اللحظات تكون هناك محاولات استنباث بعض الكيانات النقابية بدوافع مختلفة شخصية أو ذاتية أو بإيعاز ممن لا يروقهم الاستقلال الفكري والإمساك المباشر للنقابة الوطنية للتعليم العالي بسلطة القرار والمبادرة، المنزعجين من خطها النضالي الذي يندرج في ما نسميه بالنقابة المواطنة التي لا تتقوقع حصريا في خانة المطلب التعاضدي. لكن جميع هذه المحاولات باءت بالفشل لأن قوة النقابة الوطنية للتعليم العالي تكمن في مصداقيتها المبنية على خط نضالي مسؤول، وتنوع مكوناتها، وهذا هو سر قوتها التي برزت بشكل أساسي في العديد من المحطات التي عرفتها الجامعة المغربية ومؤسسات تكوين الأطر، سواء بمناسبة بلورة القانون المنظم للتعليم العالي الصادر سنة 1975 أو القانون 00/01. هذا بالإضافة إلى دورها الرئيسي في الحوار الوطني حول التعليم، والذي أدى إلى صدور الميثاق الوطني للتربية والتكوين، أو حاليا في دورها المؤثر الذي تلعبه في المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، من خلال مساهمتها في بلورة التقرير الاستراتيجي الذي سيصدر قريبا، حيث كان صوتها حاضرا على مستوى الجمعية العامة أو على مستوى مكتب المجلس. إضافة إلى مواقفها الواضحة والشجاعة في العديد من القضايا التي تهم التكوين والبحث والمبنية على مبادئ الاستحقاق والمساواة وتكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية.
لقد مرت سنتين على تحمل المكتب الوطني لمسؤولية تدبير الشأن النقابي للنقابة الوطنية للتعليم العالي وهي المرحلة التي يمكن اعتبارها بالمرحلة الصعبة والسهلة في نفس الوقت. صعبة لأننا تحملنا المسؤولية في مرحلة سياسية سمتها الأساسية وضوح التوجه الرسمي للدولة في مجال التعليم العالي والبحث العلمي وهو تخليها عنه باعتباره مرفقا عموميا وكأحد أهم حقوق المواطن في ذمتها، وعرضه مرتعا للربح السريع، بمسميات لا تخدع أحدا، لنفس الدوائر المستفيدة من واقع الريع الذي ينخر الاقتصاد المغربي. وقد خضنا، في النقابة الوطنية للتعليم العالي، معركة ضد هذا النوع من التعليم بكل ما أوتينا من قوة، وطرقنا جميع الأبواب، حيث اتصلنا بالأحزاب السياسية والنقابات والفرق البرلمانية في الغرفة الأولى والثانية، استشعارا منا لخطورة المنحى واستنهاضا للهمم، وانطلاقا من قناعتنا بأن مواجهة المنعرج التاريخي الذي يُراد لتعليمنا العالي أخذه، مسألة أكبر من حِراك نقابي عادي، إذ يتعلق الأمر بمشروع مجتمعي غير محسوب المخاطر بدافع محاسباتي محض وانصياعا لفِطر الرأسمال المنتعشة من الريع، يتعين على الجميع، أحزابا سياسية ونقابات وجمعيات المجتمع المدني، التصدي له. كما قدمنا موقفنا أمام اللجنة المكلفة بإبداء الرأي في القانون 00/01 ضمن المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي. ولا زلنا إلى اليوم نناضل من أجل ألا يكون العلم والمعرفة حكرا على أقلية تستطيع الدفع وأخرى محرومة منها لأنها لا تستطيع الدفع. فكان حتميا أن نؤدي ثمن اختيارنا رفع تحدي الدفاع عن الجامعة العمومية، جامعة أبناء الفقراء والبسطاء والمحرومين والطبقة الوسطى، بدءا بحملة مغرضة لبعض الأقلام المأجورة والتي لا تَخفى على أحد علاقاتُها بدوائر الضبط، ونشرها لطراهات وأكاذيب رخيصة، تحاشينا الرد عليها لأنها دون مستواه، وصولا إلى المحاولة التقسيمية التي دفع لها الحزب المسير للحكومة، وهو خطأ تاريخي باعتباره يفضي إلى القضاء على الوحدة النقابية للتعليم العالي الفريدة من نوعها على الصعيد العالمي.
ولئن لم يسعفنا القانون الأساسي والنظام الداخلي في التدبير الأمثل للتنوع داخل النقابة ولم يمكننا من التمثيلية، في الأجهزة النقابية، المناسبة للتأثير الحقيقي للمكونات المختلفة العاملة في مجال التعليم العالي، فإننا في المكتب الوطني، وانطلاقا من إيماننا الراسخ بوحدة النقابة الوطنية للتعليم العالي ودفاعنا المستميت عنها، نطلب من جميع السيدات والسادة الأساتذة الباحثين الانخراط الفاعل في عملية الإعداد للمؤتمر الاستثنائي، الذي أقرته اللجنة الإدارية في اجتماعها يوم 29 يونيو 2013، والذي ستحدِّدُ آلياتِ تحضيرِه اللجنةُ الإدارية ليوم 26 أبريل، بهدف تجاوز النواقص القانونية وكذا ملاءمة القانون الأساسي والنظام الداخلي للنقابة مع الاتساع الكبير الذي عرفته الجامعة المغربية ومؤسسات تكوين الأطر، والتزايد المصاحب لمشاكل التعليم العالي، وجعلهما أكثر تطورا وأكثر تحديثا، وتمكين نقابتنا من الأدوات العلمية للتسيير وتدبير التنوع.
السهولة تكمن في منهجية عمل المكتب الوطني واللجنة الإدارية. فرغم تعدد توجهاتنا وانتماءاتنا السياسية والفكرية والإديولوجية المختلفة، فإن عملنا بُني على أساس الدفاع عن التعليم العالي العمومي وعن الجامعة العمومية وعن مصالح الأستاذ الباحث وهو سر قوتنا.
بعد مُضي سنتين من النضال يمكن القول أننا حققنا بعضا مما ناضلت من أجله النقابة الوطنية للتعليم العالي. ورغم ذلك لازلنا لم نحقق التوحيد والدمقرطة والاستقلالية الحقيقية للجامعة المغربية، ولم نستطع أن نُحوِّل مجموعة من الأهداف والمبادئ إلى أرض الواقع من خلال توفير تعليم جيد لأبناء الشعب. ورغم الطبيعة الاستشارية للمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، فكونه آخذ بالكثير من توجهات النقابة الوطنية للتعليم العالي، والتي ستبرز بشكل أو بآخر في التقرير الاستراتيجي للمجلس الذي سيصدر قريبا، لدليل على صحة وصدق تلك التوجهات، وباعث للأمل فينا للثبات والمضي قدما على نفس النهج.
أما على مستوى الملف المطلبي فيمكن القول أن الحصيلة إيجابية، حيث أن العديد من الملفات قد تم حلها مع الوزارة الوصية بعد مشاورات دامت أكثر من سنتين. واليوم يمكننا كمكتب وطني ولجنة إدارية أن نفتخر بما حققناه للأساتذة الباحثين من رفع حيف وقع عليهم لأكثر من 17 سنة، هذا بالإضافة إلى أننا فتحنا ورش إصلاح النظام الأساسي للأساتذة الباحثين الذي نريده قاطعا مع ما تعانيه هيأة التدريس في الجامعات ومؤسسات تكون الأطر التابعة للجامعة أو غير التابعة لها، وسنعمل على أن يكون نظاما عصريا ومحفزا وجذابا ومنفتحا وعادلا ومنصفا للأستاذ الباحث.
عندما سمعتم بالإعلان عن تكوين نقابة ثانية في التعليم العالي اجتمعت جميع المكونات السياسية والفكرية المنضوية تحت لواء النقابة الوطنية للتعليم العالي. أين وصلت المشاورات بين هذه المكونات وهل ستصدرون بيانا يدين من حاول شق وحدة النقابة؟
أولا، انطلق يوم 18 مارس في الرباط اجتماع ضم جميع الأجهزة المسيرة لكل المكونات الفكرية والسياسية المهيكَلة والفاعلة داخل النقابة الوطنية للتعليم العالي، بالإضافة لممثلي الجامعة المغربية في المجلس الأعلى، غيرة منهم على الوحدة التاريخية للنقابة، والذي تَواصل فيما بعد، من أجل دراسة هذا المستجد التنظيمي والتصدي لمحاولة تكسير النقابة المناضلة. وهي الآن، أعني المكونات، بصدد وضع اللمسات الأخيرة لبيانها الرسمي حول هذه النازلة، رغم ما نُشر خطأ في إحدى الصحف الوطنية، بكونه مقتطفات من البيان المذكور. من جهة أخرى يريد المكتب الوطني للنقابة من هذه الحلقة أن تشكل لبنة في دينامية التهيئ الأدبي لعملية التحديث والتطوير لأداتنا النقابية، وآلية لإنجاح محطة المؤتمر الاستثنائي المقبل.
إن النقابة الوطنية للتعليم العالي بقدر اطمئنانها على مسيرتها النضالية بقدر ما تأسف لهذا العمل الذي يشق صف الأساتذة في ظرفية تتميز بعملها على وضع اللمسات الأخيرة على عدة منجزات. ونتمنى أن تكون هذه العملية الانشقاقية محدودة زمنيا ونأمل أن يعدل إخواننا في العدالة والتنمية على ما أقدموا عليه خاصة وأن النقابة الوطنية للتعليم العالي هي ملك جماعي تستوعب جميع الحساسيات والتوجهات الفكرية والعقائدية.
تتعامل النقابة الوطنية للتعليم العالي مع العديد من الوزارات كيف تقومون بتدبير هذا التشتت؟
إن هذا التشتت يؤكد على أن التعليم العالي اليوم غير موحد. فالنقابة الوطنية للتعليم العالي تتعامل مع 18 وزارة، وهو شيء غير منطقي. لذلك كان من بين مطالبنا الأساسية توحيد التعليم العالي ما بعد الباكلوريا بحيث تصبح جميع التكوينات ما بعد الباكلوريا تابعة للجامعة. وهو ما سيعطي انسجاما مع الأهداف الأساسية للتعليم العالي، أي التكوين بالبحث. فاليوم هناك مؤسسات تكوِّن فقط دون أن تقوم بالبحث، وهناك مؤسسات تقوم بالبحث فقط، وأخرى تجمع بينهما دون أن تصل إلى التوازن المطلوب، إنها معضلة عمِل الميثاقُ الوطني على تصحيحها في المادة 78، وعمِل كذلك القانون 00/01 على إيجاد حل لها في المادة 100. إلا أنه ولغاية اليوم لم يتحقق من ذلك شيء. وقد نوقشت هذه المشكلة على مستوى المجلس الأعلى، وبرزت في التقرير التقييمي للمجلس وستظهر في التقرير الاستراتيجي، لأن من شأن هذا التوحيد أن يقوي التكوين والبحث في مؤسسات التعليم العالي، وسيؤدي لا محالة إلى تطوير التكوين عن طريق البحث الذي ما أحوجنا إليه. ويمكن أن أعطي مثالا بالمراكز الجهوية للتربية والتكوين التابعة اليوم لوزارة التربية الوطنية والتي من مهامها تكوين أساتذة التعليم الابتدائي والإعدادي والتأهيلي. وهي مؤسسات غير تابعة للجامعة وتخضع للمادة 33 و35 من القانون 00/01، لكنها لا تقوم بالبحث التربوي الذي نحن بحاجة إليه. هذا مثال قد نطبقه على العديد من المؤسسات غير التابعة للجامعة، وهو ما يقتضي التفكير بجدية في اتخاذ القرار القاضي بتوحيد التعليم العالي إذا أردنا فعلا أن نصل إلى تحقيق العقلنة في تدبير الرافعة الأساسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.
النقابة الوطنية للتعليم العالي عضو في المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي. أين وصل العمل داخل هذا المجلس ومتى سيصدر التقرير الاستراتيجي الذي ينتظره جميع المغاربة؟
النقابة الوطنية للتعليم العالي عضو فاعل في المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، ولها حضور متميز سواء داخل لجنة البحث العلمي أو داخل الجمعية العامة، ونحاول من خلال هذا التواجد الدفع بمنظومة التعليم عامة ومنظومة التعليم العالي على وجه الخصوص نحو الأفضل، وقد كان الأمر كذلك حينما تمت مناقشة التقرير التحليلي الذي هيأته الهيئة الوطنية لتقييم منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي وذلك من خلال إبداء رأينا في عشرية تطبيق الميثاق الوطني أو من خلال الملاحظات التي خصت التعليم العالي. واليوم يمكن أن أقول وبعد إدخال مجموعة من الملاحظات حول هذا التقرير في اجتماع الجمعية العامة للمجلس يوم الأربعاء 8 أبريل 2015، أننا نتوفر على وثيقة أساسية يمكن استثمارها في التقرير الاستراتيجي وفي إصلاح المنظومة بشكل عام، وتتضمن هذه الوثيقة خمسة محاور تتمثل أولا في استثمار وتعبئة الموارد المالية والبشرية، وثانيا في الحكامة والتعبئة حول الإصلاح البيداغوجي، ثالثا في مستويات التحصيل ومناخ المدرسة والجامعة، رابعا النتيجة المرتبطة بتعميم التعليم وتوسيعه، ثم خامسا وأخيرا من خلال الوقوف عند المكتسبات والتحديات والمعيقات. وبعد مصادقة المجلس على هذه الوثيقة ستصبح عمومية ويمكن للرأي العام الاطلاع عليها.
مساهمة النقابة كانت حاضرة كذلك في لجنة البحث العلمي والتقني والابتكار، حيث يعتبر هذا الأخير رافعة أساسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، ولا يمكن لأي دولة أن تتقدم أو أن تحقق النمو الاقتصادي والاجتماعي دون ممارستها للبحث العلمي، هذا بالإضافة إلى أن البحث العلمي هو الذي يميز التعليم العالي عن باقي مستويات التعليم التي ترتكز على التلقين. فالباحث يحمل هم المجتمع والدولة في نفس الوقت، إلا أن وضعية البحث العلمي في بلادنا تعرف العديد من المشاكل ترتبط بتشتت قيادة البحث. حيث تتوزع بين العديد من الوزارات ومؤسسات البحث والجامعات بالإضافة إلى المؤسسات الخاصة التي تتوفر على مراكز للبحث. لقد عملت لجنة البحث العلمي على مقاربة الموضوع من زاويا أساسية تتمثل في الإجابة على سؤال محوري له علاقة بحكامة البحث العلمي. وهو السؤال الذي حاولت اللجنة الإجابة عنه وبلورته في تقريرها الاستراتيجي الذي ينبني على أهم الرافعات والآليات الأساسية لتغيير منظومة البحث العلمي والتقني والابتكار في بلادنا، ما سيسمح من أن تكون لها مكانة في المنتظم الدولي من حيث الإنتاج العلمي المصنف وهو الذي لا محالة سيؤثر على جودة التكوين خاصة فيما يخص الخلف، ونعتبر مساهمة هذه اللجنة جزءا بسيطا من مكونات التقرير الاستراتيجي الذي ينبني على مقاربة منظومة التعليم في شموليتها، مما يسمح بتركيب لأهم القضايا الخاصة أو المشتركة الواردة في تقارير اللجان الست، هذا التركيب الذي لم يكن سهلا والذي تطلب نقاشا غلبت عليه المصلحة العامة للبلاد، وبذلك من الضروري أن يكون التقرير الاستراتيجي المزمع عرضه على الجمعية العامة للمصادقة ملكا لجميع المغاربة لأنه سيرهن مستقبل التنمية المجتمعية في بلادنا خلال العقود المقبلة.
كلمة أخيرة للكاتب العام للنقابة الوطنية للتعليم العالي
الكلمة أوجهها أولا للرأي العام الذي من المفروض أن يدافع عن التعليم العالي العمومي باعتباره ملكا لجميع المغاربة، وثانيا أوجه كلمة شكر لكل مناضل في النقابة الوطنية للتعليم العالي على تمسكه بنقابته الواحدة والموحدة والتي تحتضن الجميع، كما أشكر جميع المكونات السياسية التي ساندت وحدة النقابة وهذا دليل على أن النقابة الوطنية ليست ملكا لأحد وإنما هي ملك لجميع الأساتذة الباحثين. إن النقابة الوطنية للتعليم العالي، ورغم ما يحاك ضدها، ستبقى شامخة ولن يستطيع أي أحد النيل منها مهما كان وكيفما كان وأمامنا الزمن لنثبت صدقنا وتضحياتنا من أجل هذه المؤسسة التي تعتبر جزءا أساسيا وفاعلا في تاريخ المغرب بعد الاستقلال.
* عن جريدة الاتتحاد الاشتراكي
13 ابريل 2015