تحتاج بلادنا، أكثر من أي وقت مضى، إلى يسار قوي ليلعب الأدوار المنتظرة منه، في سياق تاريخي، يتطلب الاجتهاد الفكري والنظري، والجرأة السياسية، في البحث عن حلول ملائمة لمختلف المعضلات المطروحة في المجتمع.
من بين أولويات المهام التاريخية لليسار، تصحيح مفهوم الديمقراطية، التي هي أوسع ، أشمل و أنبل من مجرد عمليات انتخابية. فميلاد الديمقراطية كان نتاج ثورات ضد الأنظمة التيوقراطية، وكان أيضا نتاج فكر و فلسفة الأنوار، التي شكلت قطيعة مع هيمنة الإقطاع والكنيسة، وفتحت الآفاق نحو نظرة جديدة للبشرية، وللحقوق الفردية والجماعية، وللتعددية و التنوع والحق في الاختلاف…
لذلك لا يمكن أن نختزل الديمقراطية، كما تدعي القوى الرجعية في بلادنا، في لحظة الاقتراع، رغم أهميتها. فبين محطتين انتخابيتين، هناك الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، التي لا تعالج بمنطق معزل التصويت، بل هي حوار دائم و اجتهاد متواصل، وجدل راق، و هنا يمكن لليسار المتشبع بثقافة حقوق الإنسان، والفكر المتنور، أن يلعب دورا حاسما في حماية المفهوم الأصيل للديمقراطية.
فالذي يمكن أن يقتل المجتمعات، هو سيادة الجمود العقائدي، و غياب الاجتهاد، و ترهيب الناس منه، وهنا لابد لليسار أن يتقوى، لممارسة دوره التنويري، لا دور الانعزال، والتخفي وراء شعارات طهرانية و جمل ثورية، لا تأثير لها فيما يحدث داخل المجتمع.
فاليسار القوي هو الذي يتفاعل مع محيطه ومع مجتمعه، لأن فكر المجتمع، مستمد من إشكالات الواقع المعيش، وليس من تصورات نظرية بحتة. بل أكثر من ذلك، ففكر المجتمع أكثر حيوية، لأنه نتاج تفاعل حقيقي في الأرض، وهو يناقض فكر الدولة، الذي يسعى، بطبيعته إلى التنميط، الذي يقضي على تلك الحيوية العفوية، التي تأتي من الصراع الاجتماعي والفكري والسياسي، التي يحبل بها المجتمع، والتي لا يمكن لفكر الدولة أن يعوضها.
وبدل أن يترك للرجعية حجة التفاعل السلبي، مع المجتمع، وتكريس التوجهات المتخلفة، الموروثة من الماضي الغابر، على اليسار أن يكون أكثر حيوية للتجاوب مع الإشكالات الفعلية المطروحة في المجتمع، ومعالجتها بالجرأة الكافية، اعتمادا على مبدأ التحليل الملموس للواقع الملموس، واستنادا إلى مقاربة واقعية، مسلحة بأدوات علمية.
وهذا ما يناقض التوجه الذي سارت فيه بعض قوى اليسار، التي نسجت تحالفا «إستراتيجيا»، تجاوز حدود التحالف التكتيكي، الذي قد تفرضه ظروف معينة. و هو ما يهدد بتمييع مفهوم الانتماء لليسار، الذي ينبغي أن يظل مبنيا على قواعد مبدئية، لا يمكنها أن تتسامح تجاه انتهاك خطوط حمراء، مثل الحقوق الفردية والجماعية و حرية الاعتقاد والفكر، والحقوق الاجتماعية والاقتصادية، والدولة المدنية، غيرها من التوجهات الكبرى، التي تقدمت فيها الممارسة الديمقراطية.
فالمغرب محتاج إلى يسار قوي، وليس إلى توظيفه بأسلوب تكتيكي، بل بتفعيل مبادئه و رؤاه، في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، في إطار التعدد والاختلاف والاجتهاد، خاصة وأن المجتمعات التي ضعف أو تفكك فيها اليسار، سارت في اتجاه التنميط والعسكرة، وسيادة السلطوية، وهو ما ينبغي أن نواجهه، بيسار حيوي، يضع ما هو استراتيجي، فوق أي اعتبار.

6 ابريل 2015

‫شاهد أيضًا‬

حضور الخيل وفرسان التبوريدة في غناء فن العيطة المغربية * أحمد فردوس

حين تصهل العاديات في محرك الخيل والخير، تنتصب هامات “الشُّجْعَانْ” على صهواتها…