«كذبة أبريل» أو «سمكته»، دعابة تمارسها الشعوب الغربية يوم فاتح أبريل من كل سنة. والأصل، في هذا التقليد «العابث»، كان قرارا جديا اتخذه شارل التاسع سنة 1564 بتغيير احتساب فاتح السنة من فاتح أبريل إلى فاتح يناير. وعلى مر العقود والقرون، كرس الغربيون فاتح أبريل يوما للمقالب والكذب «الحلال» تحت شعار « السمكة « بعد أن فقدت قيمتها في يناير، وهي التي كانت هدية ثمينة في القرن السادس عشر بمناسبة بزوغ السنة الجديدة في أبريل.
بعض كذبات أبريل أحدثت ضجّات و حتى أوقعت ضحايا وخرجت عن حدود الدعابة…وربما من وحي ذلك التمرين على إنتاج الكذبات ذات ملامح الحقيقة، استقى «العقل الاستراتيجي» الأمريكي تلك الكذبة أو الفرية، مع بداية سنوات الألفين، التي تولدت عنها هذه الحقائق المرعبة التي تتلاطم أمواجها على الأرض العربية …ولم يكن ذلك «العقل» في حاجة إلى «مبرر» أبريل «ليزمجر» في وجه العالم من البيت الأبيض ومن نيويورك، مرددا كذبة خطورة «أسلحة الدمار الشامل» التي يملكها صدام حسين، ويصرخ بضرورة تجريده منها، حفاظا على السلام العالمي.
ستقول الإدارة الأمريكية، بعد أن نفثت تلك الكذبة كل سمومها، أنها كانت ضحية معلومات غير دقيقة وتحليلات لم تكن صائبة في موضوع أسلحة الدمار الشامل. تذكروا «اعتذار» كل من الوزير كولين باول وبعده مدير المخابرات المركزية الأمريكية، وكلاهما من دافع بشراسة، في جلسة مجلس الأمن الشهيرة، عن وجود أسلحة الدمار الشامل يخبئها صدام حسين في مكان ما في العراق.

اعتذارهما جاء بعد أن لم يبق مكان ما في العراق لم تطأه القوات الأمريكية في العراق، بلا أثر فيه لأسلحة دمار، بعد الغزو، الذي لم يحصل لكي يبحث في العراق عن أسلحة دمار أول من كان يعرف لأنها لم تكن موجودة الإدارة الأمريكية نفسها. والحاصل أن تلك الكذبة هي من كانت سلاح الدمار الشامل الحقيقي الذي قصف العديد من الأقطار العربية، ودكّ عمرانها ومزق أنسجتها الاجتماعية وأطلق فيها مردة الفتن…وأخطرها الفتنة الطائفية.
وكانت تلك الفتنة الطائفية قد جُربت حين أشعلت وأدت إلى حرب أهلية دامت 15 سنة في لبنان، وهي حتى الآن محتفظة بجمرات متفرقة وقابلة للاشتعال، في تجاويف الحياة السياسية اللبنانية. ومن نوع تلك الفتنة الطائفية ما يجتاح أقطار عربية ويهددها بدوام عوامل تجددها وإيقاظها.
آثار تلك الكذبة وما تلاها من غزو غربي وبقيادة أمريكية للعراق، هو ما نعيشه اليوم تحت مسمى «الفوضى الخلاقة» والتي لا نرى منها اليوم سوى «الفوضى»، فوضى هدفت إلى تقويض دعامات الدولة الوطنية في الأقطار العربية واستبدالها بدول دينية على قاعدة المحاصصة الطائفية أو حتى دول الطائفة الخالصة. الدولة الوطنية قاعدتها المواطن بحقوقه وبواجباته، بما يؤمن أن يكون الوطن ملكا لجميع المواطنين، وهو ما يحتم توفير آليات ديمقراطية لتدبير «الملكية المشتركة» أو الجماعية…ويمنع البلد لحماية مصالحه الوطنية.
اليوم إسرائيل تشترط على القيادة الفلسطينية الاعتراف بها دولة يهودية، بما يمكنها أن تكون دولة كل اليهود في العالم، وبما يُبقي الفلسطينيين في إسرائيل، مسلمين ومسيحيين في درجة أدنى من مواطنة اليهودي، وجود دولة وطنية وديمقراطية في محيط إسرائيل مزعج لها و محرج. الديمقراطية اللبنانية، حتى وأساسها طائفي، مزعجة لإسرائيل… الدولة الوطنية والديمقراطية الفلسطينية هي ما تعرقل إسرائيل تحقيقه في مشروع « حل الدولتين «.
ومن هذا المحدد الاستراتيجي، نلاحظ هذا السعي إلى «تطييف» هذه الأمة دولا ومجتمعات، وإلى تغذية الطوائف بالمنشطات السياسية والإعلامية والمالية وحتى العسكرية، مباشرة أو بالوكالة العربية أساسا.
ذلك ما حدث بالواضح في العراق (تغليب حكم الشيعة ضد السنة)، وفي سوريا (خلق معارضة سنية، «النصرة» و» داعش «، ضد الحكم الذي يتم التركيز على أصوله الشيعية). التطلّع الديمقراطي لشعب البحرين جرى الالتفاف عليه بتغليب الهوية الشيعية للمعارضة. إنه عراك لتحويل أنظار هذه الأمة نحو «ماضيها التليد»، وتضييع مسار المستقبل أمامها. ذلك «الجهد» قد بلغ تطبيقه اليوم في اليمن إلى ذروته ووصل إلى مُبتغاه.
الشيعة الزيدية (من أصل معتزلي)، يمنِيون مندمجون في النسيج الاجتماعي والديني لليمن، وقد حرصوا على إبراز يمنيتهم قبل مذهبهم على مدى عقود من تاريخ اليمن ومنذ تأسيس الدولة اليمنية، وكانوا قد أسسوا المملكة المتوكلية سنة 1918، والتي أسقطت سنة 1962 بتدخل مصري، دعما لإقامة النظام الجمهوري. ولم يبرز اصطفافهم الشيعي إلا مع بداية سنوات الألفين، حين خاضوا أول حربهم مع الدولة اليمنية. تذكروا أنه مع بداية تلك السنوات، بدأت «الفوضى الخلاقة « تدُب في أوصال المنطقة العربية.
ومنذ تلك الحرب سنة 2001، بدأنا نسمع عن الحوثيين وعن جند أنصار الله، ودخلت معهم على الخط إيران في تمدد جغرافي سياسي لها على الخليج بعد أن خلا لها التاريخ من العراق…الذي «أكلته» أمريكا…والذي باتت إيران تعتبره مشمولا برعايتها بالنظر للقرابة الطائفية مع حكامه وبالنظر لهزاله.
لا الأمم المتحدة بوساطتها ولا تعدد دورات ومستويات الحوار بين الأطراف، مكنت من وضع اليمن على سكة بناء الوطن الديمقراطي للجميع. الفتنة انتشرت ونفذت إلى الشرايين حتى أضحت الصراعات السياسية اليمنية في مستوى أدنى من الصراعات الدولية ومجرد أداة لها، انطلاقا من اليمن وحوله. لتسهيل اختراق إيران للخليج العربي، وللتموقع في مستقبل «تشظيه»، كما تتوقع له نظرية «الفوضى الخلاقة» الشهيرة .
حاصل تلك التفاعلات كان لا يبدو أن يؤدي إلى حرب ضد الشيعة الحوثيين، هي في عمقها حرب ضد إيران. نفس إيران التي هي بصدد التوصل إلى اتفاق تاريخي، بينها وبين الغرب بقيادة الإدارة الأمريكية، حول السلاح النووي وحول تطبيع العلاقات معها، ولعل اليمن في كل هذا مجرد أجر أو ثمن. والشعب اليمني هو الذي يتيه عن مسار تطلعاته التنموية والديمقراطية، وسط هذه المتاهة التي وضعت فيها المنطقة.
حرب انطلقت لكي تستمر، التحالف العربي وُضع أمام ضرورة خوضها، وربما أفضت إلى حرب أكبر أو أوسع بهدف وقفها…لأنها متناسلة من حروب سياسية وعسكرية متناثرة على شساعة المنطقة…ومتصلة بحلم تلك الكذبة، المقترفة ضدنا عن عمد وترصُّد وسبق إصرار…بأن يحل بنا «الدمار الشامل«.
عبد الله البردوني، الشاعر اليمني الكبير، سبق وأن قال «فظيع جَهل ما يجري وأفظع منه أن تدري».

عن جريدة الاتحاد الاشتراكي

4/1/2015

‫شاهد أيضًا‬

عندما توسط الحسن الثاني بين شاه إيران والخميني * عمر لبشيريت

يحكي عبداللطيف الفيلالي رحمه الله، وزير الخارجية والوزير الأول الأسبق، أن اتصالات المغرب ب…