يصعب على متتبع أطوار وتفاعلات القضية الفلسطينية أن يجد، في تاريخها المرير والطويل، فترة أكثر حرجا وتعقدا مثل الفترة الحالية، التي تتزامن مع تخليد ذكرى يوم الارض، 30 مارس من كل سنة. ومن تمظهرات التشابك والضبابية ، تلاقي العناصر الداخلية،التي تتعلق بأبناء القضية أنفسهم، ثم الوضع في المحيط الإسرائيلي المباشر، إضافة الى الوضع الإقليمي، عربيا ومتوسطيا، وتجليات السياق الدولي الراهنة.
فالعالم، ومن ضمنه بالأساس المحبون للشعب الفلسطيني والمناصرون لقضيته، يخلدون ذكرى يوم الارض في سياق يتسم ، أولا، بفوز اليمين، ممثلا في حزب بنيامين نتانياهو في الانتخابات الأخيرة، وهو فوز بمثابة تزكية للحروب التي خاضها هذا الصهيوني المتشبع بالاستعمار ضد الشعب الفلسطيني، عبر تاريخه السياسي، ويؤكد في الوقت ذاته المنحى المتصاعد للنزعة الحربية، والتأزيمية داخل المؤسسة الاسرائيلية، والاختيار المفكر فيه للتعبير السياسي عن المعسكر الأكثر ميلا الى النزاعات، داخل الاراضي المحتلة وخارج الحدود.
ومعنى ذلك، ثانيا، تلاشي الآمال في إبرام اتفاقية سلام ،بناء على قرارات الشرعية الدولية، وعلى التزامات المجتمع الدولي إزاء الشعب الفلسطيني.
وقد كان لافتا أن الفوز اليميني الاسرائلي جاء تتويجا لحملة انتخابية قادها زعيم التحالف المتطرف، ضد إيران ومخططها النووي. ومعنى ذلك أن الأجندة التي سيحكم على أساسها طوال مدته، هي إعطاء الأولوية للصراع مع طهران، ولكل القضايا التي لا علاقة لها بإنهاء الاحتلال والتسليم بقرارات المجتمع الدولي بخصوص فلسطين..
في المحيط العربي، لم تكن القضية «يتيمة» مثلما هي الآن.، حتى في أعتى لحظات العجز العربي الاسلامي ، إذ لم يسبق أن اتسمت أوضاع العرب بما تعرفه الآن، حتى في أربعينيات القرن الماضي مع تأسيس إسرائيل ووجود دول بكاملها تحت نير الاستعمار..
توجد الدول كلها، تقريبا في حالة احترابات داخلية (سوريا، العراق، ليبيا) أو وضعية تقاطب إقليمي ودولي (اليمن، البحرين، السودان)، أو في وضع جمود مؤسساتي محكومة بتوجسات التوازنات الداخلية على حساب التنمية والقرار الفاعل، والتحكم في المجال الإقليمي، أو في وضع ارتهان الى مشاكل الداخل الارهابية ( الجزائر- مصر )..
– علاوة على ذلك، وعكس ما كان يفرضه منطق التاريخ، لم يزهر «الربيع العربي» لفائدة القضية الفسلطينية وتقوية مشروعها الوطني التحرري الديموقراطي، بل فرضت أجنداته المحلية أسئلة الماضي أكثر مما فرضت رهانات الحاضر، إضافة الى التوجه الذي دخلت فيه فصائل فلسطينية، مع موجة الربيع بالاصطفاف إقليميا وعربيا ، قبل أن تعطي موجات الحراك خلاصاتها النهائية، الشيء الذي وضع القضية في مأزق عانت منه ودفعت ثمنه فلسطين وأبناؤها..
دوليا ، ومتوسطيا، فرضت التوجهات المتطرفة أسبقية محاربة الإرهاب على جدول الاعمال الدولي. وبالرغم من بداية الوعي بأن حل القضية الفلسطينية هو جزء من محاربة الأخطبوط الارهابي، فإن القناعة لم تحصل بعد بتجاوز مخلفات الصدمة والدم، الى البحث العميق في تجاوز المعادلة التي خلفتها العمليات الارهابية على العالم برمته وعلى دول المتوسط خصوصا.
في مقابل اللوحة الداكنة، تستند العزيمة الكفاحية لفلسطين على معطيات إيجابية يمكن أن نركزها في التالي:
1- الوحدة الوطنية الفلسطينية التي تم توقيعها في أبريل الماضي بتشكيل حكومة وفاق وطني في يونيو الموالي بين فتح حماس، الشيء الذي دفع بالتناحر الفلسطيني الفسلطيني الى خلفية المشهد بعد أن ظل ورقة في يد إسرائيل ومسانديها، وفرملة الأمل الفلسطيني في فتح آفاق جديدة للعيش الآمن وتحقيق الدولة المستقلة وعاصمتها القدس الشريف..
2- التوجه نحو الأمم المتحدة وطلب الاعتراف بدولة فلسطين، ومصادقة العديد من البرلمانات،بما فيها البرلمانات الغربية على الدولة الفلسطينية.. حصلت السلطة على وضع دولة مراقب في الامم المتحدة مع القدرة على مواصلة الحملة على نتانياهو، التي كانت وراء اعتراف دولي بفلسطين بالاضافة الى استمرار التوجه نحو محكمة العدل الدولية لمحاكمة قادة العدوان على غزة وعلى التراب الفلسطيني
3- عودة المشروع الوطني الديمقراطي، الذي قادته الحركة الفلسطينية وكانت منظمة التحرير هي رأس الحربة فيه، ومن المحقق أن جزءا من عقلنة المواجهة يمر عبر إخراجها من الانسداد العقائدي الذي تريد إسرائيل، بمساندة قوى محلية لا تاريخية، أن تضع فيه القضية، أي باعتبارها صراعا دينيا لا يخرج عن كل الصراعات الطائفية الاخرى، لا قضية تحرير واستقلال وطني، وآخر معاقل الاستعمار الدولية.
وفي هذا الخضم، فإن الخلاصة، التي ما فتئ الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية يتقاسمها مع القيادة الفلسطينية، منذ انطلاق الثورة وفي كل أطوارها، هي حماية استقلالية القرار الفلسطيني، وتقوية وحدته، حتى تظل فلسطين الرقم الصعب في معادلة الشرق الاوسط والعالم برمته، إلى أن يتحقق حلم شعبها بالدولة المستقلة وعاصمتها القدس.
* الاثنين 30 مارس 2015