ذكريات من دفاتر حزينة
عفواً أيها الرفيق المسافر
ها قد عُدتُ من معاناتي متأخراً
بعد أن ودعتك وجموع المشيعين .
لتنهض من مشيئة المكوث
هناك حيث يلتقي البر بالبحر
وها أنا أنتظر عودتك للسهر
ولكنها هذه المرة
وبالتأكيد لا عودة إلا الذكريات والخبر
وبالضد على عبث الموت
نستحضرك كما كنت
فعم مساء أبا عمر
وها نحن نمتاح من كل التجربة
قناعات أحداثا وأثراً
فقد كنت الطبيعة والحب والإنسان
والبحر والشجر
***
عفواً فأنا لن أغمس ريشة شعري
في دم الجراح والحسرة
حيث السياط والآلام والحفر
لن أجعل ذكراك ترانيم ألم
وأنت المعهود بالفرح
والكون من حولنا يمتلئ حسرة فينا
فتمزقها ببسمتك الواسعة وهدوء صفائك
وتضيء مسارب الأغوار كالقمر
***
أستسمحك أن أستعيد ذكريات منيعة
وحدائق ورود وحشية ونُوار
أذبلت مذ واراك التراب والحجر
أستسمحك أن أستدعيك للسهر
ونستعيد معا وكما كنا
تاريخا ً حافلا بالذكريات والصور
حافلا بالمعرفة
حافلا بالقراءات والحكي الجميل والخبر
وأسئلة عميقة الأبعاد تتوالد
في مجالات وأُخر…
وآخرها سؤالك:
لماذا أجهض عصر الأنوار عندنا ؟
وانمحى واندثر؟
ما سر نكبة ابن رشد ؟
ما سر ابتلائنا المتيم بالخرافة والضلالة
نعانق البلايا حتى تتناسل كما داعش والتتر؟
***
وقبلها كان السؤال:
ما السر ما الأسرار
كون العقل فينا يداهن ويراهن؟
ويلوذ بالصمت السافل،
ويتخفى وراء دخان التعاويذ والتمايم
حتى لا يداهمه الخطر
ويلوذ بصفحات التبرير يقلبها كي لا يغشاه القدر
ومنهم من يشيع الخنوع طقساً
حتى غدا الكل يمشي مدبراً
فهل ليس بينهم من يحمل الحكمة مبصراً
***
هكذا كان الموت دوماً يأتي متى يشاء
وعنوة فيه نحيى الحياة ما حيينا…
ولنتذوقها متعةً وفََِكْر
والإرادة تفل الفولاذ والعسر والكَدر
***
يبدو بنجلون مزهواً هذه المرة
وكأنه ارتشف رحيق نبتة الخلود
واقفاً يتأمل خطوط الأفق والوجود
ويحكي مقاطع من (الشيخ والبحر)
ويستنشق نسيماً ويمعن بعيداً نحو الشفق
كان المدى يتدثر بحمرةٍ قانية
تذكر بمراجل (والفولاذ سقيناه)
ونستحضر كل المحطات تباعاً
نستحضر الكثير مما قرأناه
نمر عبر دروبه ونتفقد أحداثاً ومحطاتٍ
نسترجع التجارب والقيم
والمعاني الكامنة في ثنايا الأمهات
كان معلماً في تذوق الفنون والروائع والإبداع الأثير
وغنى الدلالات الكامنة بين دفاف الروايات
***
لكنه هذا المساء…
بدا متعباً كأنه يرزح تحت حمولة سيزيف
وكان الصراع العسير لأجل الحياة لا يلين
وما أوقفنا للأمل المسير
أي حزن هذا الذي يغمر بخطوطه العكرة زرقة اليم
والموج بصوته الأجش يبكي من هول الفراق
هل يرتحل ولا يعود
وحط النبأ الفاجعة كحزمة من اكتئاب
اسألوا فريدة كم بدا واضحاً
كيف كان يأتي الحياة دفعة
دون شكوى دون حزن ولا اغتراب
اسألوها عن أتون الفراق وكيف تبخر الحلم كالسراب
فوداعاً أيها الأحمد
يا أماني الفعل المفقود
هاهم الرفاق والرفيقات يشيعونك بأناشيد وتراتيل الثوار
وباقات ورد وأزهار
ووصيتك أنه بالعلم والمعرفة الواسعة الغنية
تفهم وتتحقق القضيية
فوداعا أيها الفعل المفقود تذوب في التراب
ووداعاً حبه الكبير
ووداعا أيها الرفاق
وداعا عاشق البحر والجبال
وداعا رفيق الكادحين والعمال
ووردا أحمر لفريدة
وصبراً أكبر لفريدة
ولها الأنغام القدسية
وتراتيل قرءان وبخور وعنبر
المحجوب حبيبي
آسفي في 26 مارس 2015