تتوارد الأخبار عن التحاق آلاف الشباب من المغرب، ومن بلدان أخرى، بما يسمى الدولة الإسلامية في العراق والشام، «داعش»، ويمر الخبر كما لو كان الأمر عاديا. ثم تنشر معطيات حول الإمكانيات المالية التي يتوفر عليها هذا التنظيم الإرهابي، والأسلحة التي يستعملها والذخيرة التي تتجدد باستمرار، ويجهل الرأي العام مصادر كل هذه التمويلات وهذا الكم من التسلح. كما تتحدث الأنباء عن استيلاء «داعش» على آبار النفط، وتصدير هذه الثروة، دون أن يعرف الرأي العام من يشتريها وكيف يتم تسويقها.
لا يمكن لأية قوة عسكرية أن تصمد بدون خلفية استراتيجية، تزودها بالمال والعتاد، وإذا كانت المناطق التي يسيطر عليها تنظيم «داعش»، توفر له بعض المؤونة، إلا أنها لا يمكن أن توفر له السلاح والمال. كما أن الشباب الذين يتم استقطابهم، يمرون عبر الأراضي التركية، تحت أنظار مخابراتها، إن لم يكن بدعمها.
لذلك لابد أن نحاول فهم الدور التركي، في ما يحصل بهذه المنطقة من العالم. فمنذ البداية، كان لهذا البلد، اليد الطولى في دعم المعارضة ضد نظام الأسد. وهي المعارضة التي أنتجت المجموعات الإرهابية، التي امتدت من سوريا إلى العراق. ثم إن تهريب النفط، يتم عن طريق الأراضي التركية، حسب ما كشفته تحقيقات صحافية.
وقد ظلت تركيا على علاقات جيدة بـ»داعش»، حيث رفضت الانضمام لكل الأعمال العسكرية ضد هذا التنظيم، الذي رد لها الجميل، بإطلاق سراح الرهائن الأتراك، وبعدم التعرض للتدخل العسكري التركي لنقل ضريح سليمان شاه، داخل الأراضي السورية… وغيرها من مسلسل التواطؤات، إلى درجة أن النظام السوري يعتبر «داعش»، صنيعة تركية.
ورغم ما تحاول تركيا تمريره من مواقف، لتبييض نموذجها السياسي، الذي يتزعمه الأصولي، رجب طيب أردوغان، إلا أن حقيقة الأمر هي أن هذا البلد لم يغير نهائيا تحالفاته الاستراتيجية مع الحلف الأطلسي ومع إسرائيل، حيث لم تكن حادثة الاعتداء على السفينة التركية «مافي مارمارا»، من طرف إسرائيل، سوى سحابة صيف. فالعلاقات الاستراتيجية بين البلدين مستمرة، بل لقد تطورت المبادلات التجارية بينهما في الخمس سنوات الأخيرة، لتصل إلى حوالي 5 مليارات يورو سنويا.
ولنتأمل في من هو الخاسر والرابح. الخاسر هي سوريا والعراق، اللتان تتعرضان لتدمير حضاري ليس له مثيل، بينما تنمي تركيا وإسرائيل علاقاتهما التجارية، وتحميان أمنهما، علما بأن تركيا كانت باستمرار خصما لهذين البلدين العربيين، منذ قرون، دون أن نتحدث عن عداوة إسرائيل لكل العرب. هل نحن أمام «داعش» فقط؟ أم أمام أعداء استراتيجيين أيضا؟

* عن جريدة الاتحاد الاشتراكي

24 مارس 2015

‫شاهد أيضًا‬

حضور الخيل وفرسان التبوريدة في غناء فن العيطة المغربية * أحمد فردوس

حين تصهل العاديات في محرك الخيل والخير، تنتصب هامات “الشُّجْعَانْ” على صهواتها…