أصبحت المسألة النقابية في واجهة الأحداث، أكثر من أي وقت مضى، خاصة مع ظهور مؤشرات قوية، على التوجهات اليمينية اللاشعبية لحكومة بنكيران، و التي تجلت في عدة إجراءات، من بينها الزيادات المتوالية في الأسعار، مع جمود في الأجور و التعويضات، و محاربة الحق النقابي، من قبيل الاقتطاعات في أجور المضربين، ، بدون سند قانوني، بالإضافة إلى مشروع تحرير سوق الشغل الذي قد يضاعف من آليات الاستغلال، والتهرب من الالتزامات الاجتماعية…
و من بين أكبر التجليات الواضحة للتوجه اليميني للحكومة، هو استهانتها بالنضالات النقابية، و مواجهتها، بعنف لفظي، يذكرنا بالتهجمات التي كانت تواجه بها الحركة النقابية، في سنوات الرصاص، ناهيك عن رفض الحوار الجدي مع الفرقاء الاجتماعيين، و المركزيات النقابية.
كل هذه الأوضاع تستوجب يقظة نضالية قوية، و تنسيقا نقابيا يتخذ شكل جبهة حقيقية، تتجاوز كل الانقسامات، و تضع مصلحة الشغيلة و الجماهير الشعبية، فوق أي اعتبار آخر.
هذا هو الدافع الذي كان وراء المبادرات التي اتخذها حزب الإتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، مباشرة بعد المؤتمر التاسع، والتي توجه فيها نحو الجبهة الاجتماعية، لتجاوز كل مخلفات الماضي، وطي صفحته المؤلمة، من أجل فتح صفحة جديدة، بين كل القوى النقابية، التي تنتمي للصف الديمقراطي الحداثي.
الهدف هو بناء وحدة نقابية، بالأشكال و الصيغ الملائمة، قصد توفير الإطار التنظيمي، الملائم للجبهة الاجتماعية، التي من الضروري أن تنجح في التصدي لمسلسل التراجعات، التي أعلنت عنه الحكومة، على مختلف المستويات، ومن أخطرها كيفية معالجة ملف التقاعد، وغيره من الملفات الاجتماعية.
لقد أبانت تجربة حكومة بنكيران، أننا أمام توجه واضح، لحماية الرأسمالية المتوحشة، كما حصل في مختلف التجارب الأخرى، التي تصدرت فيها الأحزاب الأصولية، الحكومات، فالأمر لا يتعلق بظروف خاصة، يعيشها المغرب وحده، بل هو مذهب اجتماعي، تؤمن به الأصولية، التي تسعى إلى تقديم كل الخدمات الممكنة، للطبقات المستفيدة، ضاربة بالمطالب النقابية و مصالح الشغيلة، عرض الحائط. و مقابل ذلك، تتعامل الأصولية مع الطبقات الفقيرة، بمنطق الصدقة، حيث تدعو إلى تقديم بعض المساعدات لها، بدل توفير الإطارات القانونية و الإجراءات الاجتماعية، واحترام الحقوق النقابية، لحماية الشغيلة و الفئات المستضعفة، مع حفظ الكرامة و المساواة و العدل، التي يفرضها منطق الدولة الديمقراطية الاجتماعية الحديثة. لذلك لا يمكن مجابهة هذا المذهب اليميني، إلا بوحدة نقابية، حان الوقت لتتخذ أشكالا تنظيمية واضحة، و تنسيقات شاملة، على مستوى المواقف و التصورات و الاقتراحات و النضالات، لفرض الحوار الجدي مع المركزيات النقابية، و معالجة كل الإشكالات الاجتماعية و القانونية المطروحة في الساحة، لخدمة الجماهير الشعبية، والوقوف ضد سياسة بنكيران، التي تعمل على تعميق الفوارق الطبقية، وتوفير الأرضية الملائمة لمزيد من استغلال الشغيلة، و التملص من الواجبات و الالتزامات الاجتماعية للحكومة و الباطرونا.
*الاثنين 23 مارس 2015