ضرب الإرهاب هذه المرة قلب تونس العاصمة، ورمزا من رموز حضارتها وعمقها التاريخي، وقد يكون المستهدف من هذه العملية الجبانة ليس متحف باردو بل البناية المحاذية له أي مقر مجلس النواب، فهي عملية تمس رمزية التجربة التونسية التي شكلت استثناء في الدول التي هبت عليها عواصف ” الربيع العربي”. الهجوم الإرهابي على تونس هو تعبير عن رفض التجربة الديمقراطية التي ترعب أكثر من جهة، والعمق السياسي لهذه العملية هو إضعاف وإرباك البناء الديمقراطي في تونس.
ما وقع يوم 18 مارس 2015 يهدف بالخصوص إلى ضرب التجربة المتميزة التي أبان المجتمع التونسي من خلالها عن نضج كبير في التعامل مع تناقضاته، وأيضا تناقضات الجيران لإنجاح تجربة الانتقال الديمقراطي نحو تجربة جديدة في العالم العربي لبناء نظام جمهوري برلماني خارج مربعات التمذهب والطائفية والقبلية. إن استهداف متحف باردو المحاذي لمجلس النواب هو في الحقيقة استهداف للتجربة التونسية الرائدة.
الإرهاب لا يتحمل الديمقراطية، فكرا وممارسة، ومن ثم رمزية الهجوم على مقر مجلس النواب ومتحف باردو. إن من خطط لهذه العملية، هدف لضرب التاريخ والحضارة والاستقرار الذي أفرزته التجربة التونسية، والتي لا تزعج فقط الحركات الإرهابية، بل أيضا الأنظمة السياسية المتصلبة في المنطقة، فقدر تونس أن تواجه مصاعب الهم الديمقراطي، وأيضا مواجهة التهاب الحدود مع الجارين من جبل الشعانبي إلى بن قردان.
خلال المرحلة التي تلت انهيار نظام بن علي، واجهت تونس مخاطر متعددة، وفي كل حفرة زرعها الإرهاب لوأد التحول الديمقراطي ، استطاع الشعب التونسي ونخبه جميعها أن يجعلوا من حدث الإرهاب منعطفا نحو مزيد من التآزر لمواجهة صعوبة الفكر والعمل الديمقراطي. كان اغتيال شكري بلعيد والبراهمي، والهجومات المتوالية على مواقع الجيش والحرس الوطني على طول الحدود التونسية الجزائرية، لحظة توقف وتمعن لدى النخب التونسية، استطاعت من خلالها تحويل هذه اللحظات إلى منعطفات تاريخية نحو مزيد من التوافق، سواء تعلق الأمر بحكومة ما بعد الجبالي أو بالتوافق حول الدستور وقانون الانتخابات ثم إجراء الاستحقاقات البرلمانية والرئاسية. إن ممارسة الديمقراطية هي الرد العميق على عبثية الإرهاب ، والمجتمع التونسي الذي أبان عن تماسك اجتماعي قوي، قادر على مواجهة تداعيات هذا العمل الإرهابي الذي هدف إلى تقويض التجربة الديمقراطية والاستقرار الاقتصادي والسياسي.
وفي نفس الوقت الذي تتآلف فيه الحركات الإرهابية، تعجز دول المنطقة عن تقديم مقاربة تشاركية لمواجهة هذه الظاهرة التي تأتي على الأخضر واليابس، فهناك مسؤولية للدول التي تنجر نحو المقاربات الانفرادية خدمة لمصالح خاصة جدا. منطقة المغرب الكبير بحاجة اليوم وليس غدا لإعادة قراءة الأولويات، وصياغة مشروع أمن جهوي تحترم فيه الوحدة الترابية للدول ولتجاربها، وذلك بهدف تحصين المنطقة من الحركات الإرهابية التي لا تهدد الأمن والسلم في المنطقة، بل النمو الاقتصادي والاجتماعي لشعوب المنطقة.
*الجمعة 20 مارس 2015