فرضت الانزلاقات المتتالية لرئيس الحكومة، وإصراره على الخروج عن النص الدستوري، في كل محطة من محطاته «التواصلية،» أن يدق الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ناقوس الخطر وينبه إلى خطورة ما يحدث.
فقد طالب الكاتب الأول «بتدخل جلالة الملك، باعتباره ضامنا للدستور للحد من الانزلاقات التي عرفتها بلادنا في ظل الحكومة الحالية، »مسجلا« أن رئيس الحكومة الذي يملك الصلاحيات الواسعة لتفعيل الدستور بالسهر على وضع القوانين المصاحبة، انصرف إلى هوامش جانبية زادت حدتها في تفريغ الدستور من مضامينه التي صوت عليها المغاربة، تتويجا لمسار هام في تاريخ الدولة والشعب المغربي».
فالمنحى الذي اختاره رئيس الحكومة، لا يعنيه بذاته، كرئيس حزب، بل هو يضع مؤسسة دستورية، كان الرفع من قوتها المؤسسية والدستورية مطلبا جماعيا، أداة في يد الزعيم الحزبي، لخوض المعركة ضد الشركاء الدستوريين، بمنطق يجعل الدستور معلقا، أو يفعّله الزعيم الحزبي بطريقة تجعل الحزب يقوم بالتدبير المفوض للموقع الدستوري.
وقد فرض ، بالتالي، استعصاء بين المؤسستين الرئيسيتين في الهرم الديموقراطي والدستوري، وهما الحكومة والمعارضة. وليست الخرجات الاعلامية لرئيس الحكومة وحدها التي تكرس هذا المنحى، بل إن مسلسل التعامل مع المعارضة منذ البداية، من حرمانها من لجن التقصي إلى التسويف في قانون المعارضة، مرورا بالحرمان من المشاركة في التشريع واحتكار الحكومة لمهام البرلمان ..، كل هذا سوغ لرئيس الحكومة استصغار المعارضة، وتهميشها في الدينامية الدستورية المفروضة في الحياة السياسية. وهو ما يستدعي بالفعل تدخل جلالة الملك باعتباره ضامن الدستور وسير المؤسسات.
يضاف الى ذلك المناخ السياسي الذي أدخل فيه رئيس الحكومة البلاد منذ «خطاب الدشيرة الجهادي» الذي أعلن فيه بنكيران، صراحة، أنه مستهدف في حياته من طرف جهات لم يحددها، وأنه مستعد للجهاد. وهو منعطف خطير، لم نسمع به في أي بلاد تبني ديموقراطيتها على قاعدة السلم السياسي، بل كان هذا المنحى حاضرا فقط في مراحل ما بعد الربيع العربي التي وصلت إلى حدود الحروب الأهلية.
رئيس الحكومة، الذي دخل في أزمة انتخابية، يريد أن يجر البلاد إلى مستنقع اللعب بالنار، ويصر على أن يكون أقل من موقعه الدستوري، الذي استأمنه عليه المغاربة في انتخابات لم ينازع أحد في شرعيتها، وهو ما يطرح أن التدخل الملكي سيكون فرصة لإعادة الأمور والأشخاص إلى نصابها ومناصبها.
فما بين الاستعصاء المؤسساتي، بين الحكومة والمعارضة، والترويج لأجواء يصعب فيها الاطمئنان على مسلسل تأمين البناء الدستوري ، نجد أن رئيس الحكومة يقدم صورة عن البلاد، لن تخدم مصالحنا في القضايا الوطنية المصيرية، مثل الوحدة الترابية للبلاد.
فهو، تارة يقدم صورة رئيس الحكومة الذي لا يحكم، وتارة يشكك في جدوى النصوص السامية حيث لا ينشغل بالدستور، لكنه في الوقت نفسه يعلن أنه رئيس الحكومة الذي يتهدد حياته تآمر «جهات معلومة» .
إن جلالة الملك، باعتباره الممثل الأسمى للدولة المغربية، هو الضامن الدستوري لمصلحتها ، ومصلحتها في صورة مؤسساتها وجديتها وصدقية القائمين عليها. وهو ما لا يشكل اهتماما صادقا لرئيس الحكومة ويبعث، بذلك، القلق على سير المؤسسات وصورة البلاد.

* الثلاثاء 17 مارس 2015

‫شاهد أيضًا‬

عندما توسط الحسن الثاني بين شاه إيران والخميني * عمر لبشيريت

يحكي عبداللطيف الفيلالي رحمه الله، وزير الخارجية والوزير الأول الأسبق، أن اتصالات المغرب ب…