ظهرت الصحافة المغربية، منذ إرهاصاتها الأولى، في أحضان الوطنية، إلا في بعض الاستثناءات، المحدودة، وكانت دائما صاحبة رسالة نبيلة، حيث كان زعماء الحركة الوطنية، مسؤولين عن جرائد، وقد أغنوا الصحافة الوطنية بمساهماتهم، في إطار من التطوع والتفاني، ويمكن استعراض أسماء مديري هذه الجرائد و رؤساء تحريرها، حتى نتأكد من أن هذا التاريخ، سيظل حاضرا بقوة في تاريخ الصحافة المغربية.
غير أن التحولات التي عرفها المشهد الصحافي المغربي، رافقتها تشوهات، بفعل تسلل مرتزقة لهذا القطاع. حيث بدأت هذه الآفة تظهر في الصحافة المغربية، منذ أن بدأت الأطراف المعادية للحركة الوطنية والديمقراطية، في ترويج الإشاعات ضد زعمائها وتسميم الرأي العام وتضليله، خاصة في سنوات الرصاص، رغم أن تأثيرها ظل ضعيفا، نظرا لغياب مصداقيتها.
واستمر هذا النوع من الصحافة في التطور، تحت مسميات عدة، لكنه لم يخرج عن نفس الأساليب المعروفة في الصحافة الصفراء، التي تعتمد الإثارة والإشاعات والتضليل، والسب والقذف والتشهير، وغيرها من الممارسات الممقوتة.
ومن أهم ما تخصصت فيه هذه الصحافة، هي تركيز حملاتها اللاأخلاقية على الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، حيث كان هذا الحزب هو المستهدف الأول بما ارتكبته من انتهاكات صريحة لشرف مهنة الصحافة، ولن نجد صعوبات في تقديم أمثلة واضحة على هذه الممارسات البشعة.
ويعرف المتتبعون للحياة السياسية والإعلامية المغربية، أن هذه المساعي خابت، وأن أصحابها تم رميهم في مزبلة التاريخ، كما رمي جلادو سنوات الرصاص وحماة الاستبداد. لكن وكما يحصل في كل التجارب، هناك من لا يستفيد من التجارب، ويعتقد أنه أذكى من المرتزقة الذين سبقوه.
هذا هو حال فصيلة من المرتزقة الجدد، الذين حولوا الجرائد التي يشرفون عليها، إلى وكالات تقدم خدمات لمن يدفع أكثر. وبرز في هذا النموذج، صحافيون صغار، تحولوا في ظرف سنوات إلى أغنياء، بفضل اللعب على كل الحبال، و كراء المقاولات الى يملكونها، بالإضافة إلى كل المنافع غير القانونية، التي يحصلون عليها، إما بواسطة الصحافة أو بالاحتيال المباشر على المواطنين.
من بين هؤلاء نموذج فاضح، يستعمله حاليا حزب العدالة والتنمية، الذي لا تتجاوز الجريدة الناطقة باسمه رسميا، عشر صفحات ومبيعات تافهة، لذلك لجأ إلى خدمات صحيفة مأجورة، تدعي أنها تنشر أخبار اليوم، بينما هي تعيد نشر ما عاف عنه الزمن من سنوات الرصاص.
وفي الحقيقة، ما يهمنا مناقشته، ليس هو هذا النوع من الارتزاق، فمثله سيستمر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ولكن يهمنا بالأساس، المنهاج الأخلاقي، لحزب يدعي أنه جاء ليقدم نموذجا مثاليا للمواطنين في الممارسة السياسية، فإذا به ينكشف في كل المحطات، و من بينها، لجوؤه إلى الصحافة المرتزقة، لتمرير خطابه.
كيف يمكن للمواطنين أن يضعوا ثقتهم في من يكتري دكانا صحافيا، تناوبت على كرائه العديد من الجهات المتنوعة سياسيا وإيديولوجيا؟ ألا يذكرنا هذا بنموذج صحافة مشرقية، كانت وما زالت تكتريها دول معينة للقيام بالدعاية لأنظمتها، حيث يتغير الخط التحريري رأسا على عقب، ويتحول المدير ورئيس التحرير وأغلب الصحافيين، إلى موظفين في الوكالة الخدماتية الجديدة.
لا نريد لبلدنا أن يتطور فيه هذا النموذج من الصحافة، ومسؤولية حزب العدالة والتنمية كبيرة على هذا المستوى، خاصة وأنها تتولى حقيبة وزارة الاتصال، التي هي ملزمة بتنفيذ المبادئ الأخلاقية الواردة في الدستور وفي الأعراف والتقاليد التي بنتها المهنة.
لذلك لا بد للحكومة أن تتحمل مسؤوليتها في تفعيل مبادئ الشفافية، في ما يتعلق بتمويل الصحافة، والكشف عن التمويلات غير القانونية، إما مالية أو عينية، الواردة من الداخل أو من الخارج، لأنه لا يمكن تصور أية ديمقراطية بدون أخلاق مهنية، وبدون شفافية في مصادر تمويل الصحافة والإعلام.
* الاثنين 16 مارس 2015