اضطرت أحزاب المعارضة في البرلمان إلى الانسحاب، يوم الاثنين الأخير، من لجنة الداخلية، في جلسة مخصصة لمناقشة القوانين المتعلقة بالجماعات الترابية، وذلك احتجاجا على المنطق الذي تتصرف به الحكومة، من خلال أغلبيتها. فهل المعارضة محقة في هذا الاعتراض؟
أولا، لابد أن نسجل على الحكومة، ارتباكها الواضح في تدبير الزمن التشريعي، والاستحقاقات الانتخابية، حيث كانت أعلنت أن الانتخابات الجماعية ستجري في شهر يونيو، لكنها أجلتها إلى شهر شتنبر، لأنها لم تكن جاهزة، وكان ضروريا قبل ذلك، أن تتم المصادقة على ثلاثة قوانين تنظيمية، تتعلق بالجهات والأقاليم والعمالات والجماعات.
كانت الحكومة مستعجلة من أمرها، وحاولت تمرير هذه القوانين، الهامة، في جلسة واحدة، وعندما رفضت المعارضة ذلك، مستندة إلى القانون، اضطرت إلى قبول مناقشة هذه المشاريع في جلسات منفصلة. لكن المشكل المطروح أعمق من كل هذا.
الأمر يتعلق بمسألة تهم كيفية تنفيذ روح الدستور، في قضية مصيرية، وهي الإعداد للاستحقاقات القادمة، أي الممارسة الديمقراطية، والتي لا يمكن اختزالها فقط، في عملية حسابية بين الأغلبية والأقلية. فقبل اللجوء إلى عدد الأصوات، هناك صيرورة أخرى، لابد من احترامها، وتتمثل في فتح نقاش جدي حول كل المسار الانتخابي المقبل، والوصول إلى توافقات، كما جرت الأمور دائما.
هذه هي المنهجية التي نهجتها مختلف الحكومات منذ تسعينيات القرن الماضي، رغم كل السياقات التاريخية، التي كانت سائدة آنذاك. لكن هذا التقليد التشاوري والتوافقي، أصبح مكسبا سياسيا، كرسه بشكل أعمق وأشمل دستور 2011. واستفادت منه كل الأحزاب التي كانت في المعارضة، وكان من الممكن، منذ حكومة التناوب أن تفرض الأغلبية رأيها، لكن هذا لم يتم، وتواصل هذا التقليد، الذي منح حتى للأحزاب الصغرى، ومنها العدالة والتنمية، حق المساهمة في التحضير للانتخابات وفرصة الوجود في المشهد السياسي.
الآن نحن أمام أحزاب معارضة لها وزنها، ولا يمكن للحكومة وأغلبيتها العددية، أن تفرض رأيها بمنطق التصويت الميكانيكي في قضية بهذا الحجم، وبعد دستور جديد، ينص على حقوق صريحة للمعارضة، فمتى ستضمن هذه الحقوق، ومتى سيتم تفعيل الدستور، إذا لم يحصل ذلك، في مسألة مفصلية في الحياة السياسية، مثل التحضير للانتخابات؟
المعارضة محقة عندما تؤكد أن التحضير للانتخابات ليس مسألة حسابية، بل سياسية، ولا يمكن للحكومة أن تستفرد بالتحضير والإشراف على الانتخابات، وإلا فإن اللعبة ستكون غير مقنعة من أساسها، وهذا سيدفع حتما إلى احتمالات قصوى، لا نريدها لبلدنا، فقط لأن هناك حكومة تصر على خرق التقليد الذي ساد الحياة السياسية في المغرب، وكان له الدور الحاسم في الحفاظ على أجواء الاستقرار.

*عن جريدة الاتحاد الاشتراكي

الخميس 12 مارس 2015

‫شاهد أيضًا‬

عندما توسط الحسن الثاني بين شاه إيران والخميني * عمر لبشيريت

يحكي عبداللطيف الفيلالي رحمه الله، وزير الخارجية والوزير الأول الأسبق، أن اتصالات المغرب ب…