ان طرح قيام كتلة حداثية شعبية هو اختيار يجيب عن سؤال المرحلة الراهنة و التي افرزت هيمنة القوى المحافظة لفرملة الحراك المجتمعي الساعي للتحرر و العدالة الاجتماعية بغية بلوغ مصاف الدول الصاعدة، مما يستدعي من القوى الحداثية بيمينها و يسارها مواكبة الاحداث و خلخلة المدركات التي يحاول البعض بإسم التاريخ و المشروعية التاريخية أو التقوقع الإيديولوجي جعلها أصناما فكرية، إلى جانب الأصنام الكثيرة التي بدل ان تواكب الوعي الجمعي للجيل الجديد، تحولت إلى مجال للاستيلاب و تحبط الطاقات بإسم الماضي، او تحت مبرر الصفاء الإيديولوجي الذي تحركه رواسب سنوات الصراع، الذي ينبغي تجاوزه و الانطلاق نحو المستقبل، غير ان مكبوتات البعض السلطوية جعلتهم لا يفهمون مغزى اللحظة التاريخية التي تحتم التحرر من هوس الأنا اللامعقول، و وضع العراقيل ضدا في تشكل معارضة حداثية واعية بالمشاكل التي تمر بها بلادنا من اجل تقوية المؤسسات، و تبدد النزعة التشاؤمية التي خلفتها سياسة بنكيران اللاشعبية في قدرة المؤسسات على ان تكون بوثقة للانتصار للقناعة، و بالايمان بقدرة الديمقراطية على تجاوز روح اليأس و فسح مجال الامل في تحرر العقول و النفوس ، و توحيد الطاقات و بناء كثلة حداثية شعبية قادرة على طرح البديل الحداثي.
تكون الاطار الحاضن و المبلور لثقافة سياسية وطنية تستوعب القيم الكونية، و تحقق التنمية الاقتصادية، في ظل برنامج سياسي واقتصادي متكامل. في ظل اللحظة المفصلية التي يمر بها الوطن، و بروز قوى ذات اجندة فوق وطنية تحول دون تكريس روح المواطنة، بعيدا عن ثقافة العائلة و القبيلة و اتخاذ مشروعية التحرر الوطني من الاستعمار رأسمالا رمزيا لعائلات و اطارات سياسية بعينها . هذا الوضع اضحى اليوم غير مقبول في ظل مجتمع يسعى للتحول و لتكريس الديمقراطية كمطلب مجتمعي و التشبع بقيم المساواة بين المغاربة في الحقوق و الواجبات، و التأسيس لمغرب يستفيد من الجميع و يستفيد منه الجميع دون تمييز على اساس الانتماء العائلي أو الحزبي او المناطقي.
إلا ان القوى التي استفادت من عشرية التحديث و التي راكمت ثروات ضخمة، و معها بعض الافراد ممن لهم اجندة ذاتية للاستفادة من الريع الحكومي لتلبية نزعات ذاتية جارفة للاستفادة من الغنيمة الحكومية، و التي فشلت بالقرار الجماعي للاتحاديات و الاتحاديين الواعي و المسئول في الاصطفاف في المعارضة. إذ بدل اقناع الذات بعيوبها و بلورة طرح سياسي يفسح المجال لمساهمة كل الحداثيين، اختاروا الانجراف وراء توجه بنكيران و جماعته تحت مبررات مفضوحة غايتها عرقلة تشكل الكتلة الحداثية التي تحقق التوازن الذي يعطي مدلولا للخيار الديمقراطي.
ان هؤلاء الاخوة اختاروا حماية مصالحهم و تنكروا لاساس الفكرة الاتحادية، و باتوا يتشدقون بشعارات لا يستوعبونها، و كانوا هم السباقين لضرب اسسها، فمثلا يتشدقون بالاشتراكية الديمقراطية التي تقوم كمنهج فكري على اساس السيادة الشعبية، صعدوا للبرلمان ضدا على الارادة الشعبية التي رفضتهم في الانتخابات المحلية لسنة 2009. و البعض منهم غلب الهاجس العائلي الذي يتعارض مع قيم الحداثة، فالثوريت و الاشتراكية لا يتعايشان إلا في التجربتين الكورية الشمالية و السورية، إذ لا تستقيم الاشتراكية و العائلوقراطية ، هاته الاخيرة حولت حزب القوات الشعبية الى حزب العائلات اللاشعبية، غير آبهين بمطالبنا كجيل جديد، بأن الوفاء للشهداء يكون بمواصلة المشوار في التحديث و الديمقراطية، و تقوية روح الامل في مواجهة عوائق التحديث، في ظل عجز قوى العائلقراطية المطبق على بلورة حلول رافعين شعار نحن او الطوفان. رافضين مطالب التحول، كافرين بالفكرة الاتحادية الاصيلة التي قامت على اساس بناء مجتمع حداثي متضامن.و التي تتطلب العمل الجماعي على تجميع كل الحركة الحداثية، من خلال مراجعة شاملة، على اعتبار ان المجتمع تحول في المبنى و المعنى، و لمواكبة التحول ينبغي البدء الفوري بعملية نقذ ذاتي جماعية جادة ومسوؤلة للأفكار والمبادئ و المناهج و الوسائل، بشكل علمي يتجاوز الذاتية، وينتصر للوطن و للأجيال القادمة، و ليس لعقد ذاتية ترفض الانطلاق من الواقع الملموس الذي يحتم خلق مناخ فكري و جو حوار بين كل القوى المؤمنة بالحداثة بمختلف مشاربها و ألوانها، و تكتلها في اطار جبة حداثية شعبية، تكون الحاضنة للمشروع الحداثي، و الانتصار للمستقبل من خلال تصفية الاجواء من رواسب الماضي،التي لازال البعض سجينا لها وعاجزا عن فهم سياق المرحلة من خلال دفعه في اتجاه حالات الصراع و التنابز الغير مبرر و الهامشية بين أطراف المعارضة الحداثية عبر مزايدة بعضها على بعض بدعوى احتكارها للمشروعية، علما أن أي فصيل حداثي بمفرده لا يمكن ان يشكل البديل.
هذا الصراع الذي اسثتمره بنكيران كورقة لضرب البديل الحداثي المغربي عبر لعبه على صراعات هامشية بتصنيف المعارضة قصد تعميق الانفصال و التنافر فيما بينها، مما ألحق أفدح الأضرار بها، لجعلها عاجزة عن التوصل لبناء كثلة حداثية تضم روافد متعددة.
ان الانقسام الذي تعرفه القوى الحداثية اليوم بين الجناح التقدمي و الجناح اليساري، لم يعد له ما يبرره، بل أضحى انقساما مفتعلا و غير مبرر بالنظر لتحولات دستور2011، نظرا لنقاط الاتفاق في الكثير من المنطلقات و الأهداف. المستفيد من هذا الانقسام هي قوى التدين السياسي، التي كشفت عن مكبوتاتها السلطوية و اتجهت الى احكام قبضتها على كل مفاصل الدولة، وهو ما يشكل ضربا خطيرا للمنهجية الديمقراطية ، قاطعين أشواط هامة نحو مبتغاهم في التمكين و التحكم في البلاد و العباد.
كاشفين عن افلاس تدبيري ناهجين سياسة لا شعبية ترمي، التضييق على الطبقة الوسطى ذات الحمولة الحداثية، لضرب البديل الحداثي في العمق بالنظر لما تحمله هذه الفئة من حس تنويري و موقع الريادي، و لزومها في تحقيق مهام النهضة الشمولية، و تعدد و مهامها.
على القوى العائلوقراطية أن تعي حجم اللحظة، و تتخلص من هوس الأنا اللا معقول و تتحلى بالمرونة الفكرية عبر الانفتاح على الجيل الجديد، و الانتصار للمواطنة كجوهر للفكرة الاتحادية، و التحلي بالأخلاق السياسية الفعالة التي تحتم علينا جميعا إعلان كتلة حداثية شعبية عوض الهروب للأمام الذي يُظهر نفاقا سياسيا مفضوحا عبر بإدعاء الدفاع عن القيم، بيدَ أن الممارسة العملية توضح بان مهادنتها لبنكيران يوضح الانتهازية في أحط أشكالها .
فالانخراط في حركة التغيير، يقتضي الفهم بأن مطلب الحرية و الكرامة و العدالة الاجتماعية كمطالب مفتوحة رفعها الجيل الجديد الذي لم تعد تنطلي عليه الحيل الساذجة. نحن مدعوون جماعيا الى التجديد في أشكال النضال الحداثي الذي يستدعي تشكل كتلة حداثية تفرض تغييرا جدريا في المنظومة الفكرية الجامدة و التي لطالما كانت العامل الأساسي نحو الغرور و رفض فكر أولاد الشعب، كما على النخب الممسكة بالقرار في مقر العرعار أن تدرك هي الأخرى أن القائد السياسي ليس دوما السيد الذي يعطي الأوامر أو الذي يتمادى في نفس الأشكال التي طالما اعتبرناها ممارسات ما قبل حداثية ، بل القائد هو من يعطي القدوة في الاستجابة لمطالب الجيل الجديد.
* لنشرة المحرر/ رشيد لزرق
الثلاثاء 10مارس 2015