أنجزت مسيرة ثامن مارس مهمتها، بامتياز، وبعثت المشاركات، وكذلك المشاركون، إلى الرأي العام الوطني، وإلى كل العالم، رسالة بليغة، معناها أن المغرب، لن يعود إلى الوراء. لن يعود إلى مغرب “العيالات”، كما أراده حزب رئيس الحكومة.
لماذا كانت الرسالة بهذه النصاعة والوضوح؟
أولا، لأن العدد الذي شارك في المسيرة، فاق كل التوقعات، حيث حضرت النساء، و المشاركون من كل الأقاليم المغربية، إلى عاصمة البلاد، ليقولوا بصوت واحد، إنهم يرفضون الرجعية والظلامية والالتفاف على المكتسبات التي تحققت.
ثانيا، إن مشاركة أغلب التنظيمات النسائية والحقوقية والنقابية والسياسية، الديمقراطية والحداثية، أعطت لهذه المسيرة، طابعا من التنوع والتعدد، في التوجهات والمشارب، وكأن جبهة جديدة تتشكل في المغرب، يوحدها الوقوف ضد الرجعية.
ثالثا، الفئات الاجتماعية التي شاركت فيها لم تكن فقط من النخبة النسائية والثقافية والسياسية، بل كانت من كل فئات الشعب المغربي، يجمعها شعار المساواة والكرامة، ورفض الخطاب الذي يروج له رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران.
كل هذه المؤشرات، منحت للمسيرة، بعدا أكبر من الاحتفال باليوم العالمي للمرأة، وحتى من مناهضة سياسة العدالة والتنمية، في تعاطيها مع قضايا النساء. فالتظاهرة تحولت، بالعدد الضخم الذي شارك فيها، وبتنوعها الجغرافي و السياسي والاجتماعي والثقافي، إلى استفتاء ضد الحكومة، أو لنقل هو استطلاع ميداني للرأي، له تمثيلية ومصداقية واسعة ومباشرة، يعكس التردي الذي وصلت إليه، ما يسمى كذبا وبهتانا، بـ”شعبية” بنكيران، التي تروج لها استطلاعات “مخدومة”، تعتمد على عينات غير تمثيلية وضعيفة وأسئلة موجهة.
ولعل الرسالة التي ينبغي التقاطها من هذا الحدث التاريخي، هي أن هناك فئات واسعة من المجتمع لا تريد التراجع والعودة إلى العهود الغابرة، وأن الانتماء للدين الإسلامي، لا يعني أن تتحول النساء إلى حريم، وأن تصويت أقلية من عدد المؤهلين للتصويت، على حزب العدالة والتنمية، لا يعطيه الحق في أن يشكل مغربا طبقا للصورة التي يريدها له.
هناك ثوابت لا يمكن المس بها، وكانت نتاج تراكم لعقود، وجدل واسع في المجتمع، و نضالات قاسية، خاضتها القوى الديمقراطية، من تنظيمات سياسية ونسائية وحقوقية، وتوافقات تمت رعايتها على أعلى مستوى في الدولة، لبناء مغرب جديد، ولا يمكن لأي طرف أن يتصور أنه سينجح في إعادة العهد القديم.
*الثلاثاء 10 مارس 2015