لم يخلق حدث التسجيل في اللوائح الانتخابية الرجة الصحية المطلوبة في أوساط الشباب على وجه الخصوص والمواطنين عموما، فجاءت الأرقام بعيدة جدا عن الرقم الحقيقي المفترض أن تسجله التقييدات الجديدة، والبالغ زهاء 10 ملايين مغربي ومغربية.
ومن حق الديموقراطيين في بلادنا أن يقلقوا لهذا الفتور الواضح في الاندفاعة الديموقراطية المفترض حصولها مع تسجيل الناخبين الجدد. ومن حق الديموقراطيين كذلك أن يستشعروا تخوفات وشكوكا ترخي بظلالها على العملية الديموقراطية لسببين رئيسيين:
الأول يتعلق بالتفاوت الحاصل بين الانشغال السياسي للمغاربة وانخراطهم في كل أشكاله، من التواصل الاجتماعي الى النقاش الإلكتروني، وصولا الى التظاهر في قضايا الحياة اليومية والانخراط في حركات المطالبة بالتغيير التي سرعت بالإصلاحات الكبرى والجريئة التي عرفتها البلاد.
ويظهر من هذا المؤشر الأول أن شكل الالتزام السياسي المتعارف عليه، لم يعد بالدرجة الأولى هو الالتزام الانتخابي، في المنبع – التسجيل- وفي المصب ? التصويت -. ، بل أصبح الانحياز الديموقراطي والسعي نحو العدالة الاجتماعية يتم بعيدا عن الشكل الأرقى للالتزام السياسي، ألا وهو التسجيل في اللوائح الانتخابية والتصويت والاختيار بين البرامج والأحزاب. وهو بحد ذاته عنوان للقلق ..
السبب الثاني يعود إلى أن هذا الفتور هو تعبير حقيقي عن وجود «عجز في الثقة»، بين المجتمع الانتخابي وبين المواطنين، وبين التعبيرات السياسية والإدارية لهذا المجتمع وبين مكونات المواطنة.
لكنه عجز يكشف في الأفق ذاته، الفشل في تدبير الإقناع بالتعبير الانتخابي من لدن المكلفين به، كما أنه يرسم حدود المقاربة التي اختارتها الحكومة، وهي تكتفي بالسلوك القديم الذي يدعو الى تقييدات جديدة بدون أن تفتح مجالا أوسع، من قبيل التحيين الجذري للوائح أو اعتماد البطاقة الوطنية كبطاقة تصويت..
المسؤولية ، بالدرجة الأولى، مسؤولية الحكومة وأغلبيتها التي اشتغلت كآلة تصويت أوتوماتيكي لإفشال أي تفكير جديد وعميق في الإشكال الانتخابي، من خلال اللوائح. والمسؤولية هنا قائمة، عكس الخطاب الذي يسعى إلى اتهام جميع الأحزاب بهذا الفشل. والحقيقة هي أن الأحزاب التي لا تملك القرار التشريعي ضحية أكثر منها مسؤولة أو تقتسم المسؤولية مع الحكومة.
وهي ضحية مرتين: أولا، للرفض المنهجي لمقترحاتها في باب الرفع من منسوب التسجيل والانخراط في العملية الاقتراعية، وثانيا لأنها، بدورها، لا تملك الوسائل المادية الكفيلة للقيام بتحسيس واسع داخل المجتمع، مما يزيد من صعوبة أداء مهامها الدستورية.
هي مناسبة أخرى لكي يشدد الاتحاد على أن التوجه الى دورة انتخابية جديدة، لها تبعاتها على البلاد لمدة خمس سنوات قادمة وعلى مؤسساتها وعلى مستوى إنضاج ديموقراطيتها، في وضع مشوب بالهشاشة والعجز في الثقة بين المجتمع السياسي والمواطنين، يفرض استعجاليا أن تتحرك الدولة المغربية من أجل ضمان الشرط البشري لإنجاح الاقتراع، وتأمين مسلسل التفعيل الحقيقي للدستور.
* الاربعاء 4 مارس 2015