رسمت نهاية الأسبوع صورة حقوقية للمغرب ثلاثية الأبعاد متعددة المصادر. وضعت الحكومة أمام وقائع وحقائق وأرقام تؤكد مسؤولياتها وتحاسبها على هذه الصورة ؛ الصورة القاتمة.
منظمة العفو الدولية أصدرت تقريرها السنوي رصدت فيه ما تعرفه حقوق الإنسان ببلادنا :
واصلت السلطات تقييد حرية التعبير وحرية تكوين الجمعيات وحرية التجمع؛
ضيقت على الآراء المخالفة؛
حاكمت عددا من الصحفيين؛
سجنت بعض النشطاء؛
فرضت قيودا على جماعات حقوق الإنسان وغيرها؛
فرقت بالقوة احتجاجات سلمية واحتجاجات أخرى؛
استمر التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة أثناء الاحتجاز؛
قبول المحاكم للاعترافات المنتزعة تحت وطأة التعذيب؛
المرأة ظلت تفتقر إلى الحماية الكافية من العنف الجنسي؛
طرد مهاجرين وطالبي لجوء بشكل غير قانوني؛
استمرار سريان عقوبة الإعدام؛
وفي نهاية الاسبوع عقد الائتلاف المغربي لمناهضة عقوبة الإعدام جمعه العام الذي استعرض فيه التطورات المتعلقة بالموضوع، وأبرزها أن الحكومة تعارض معارضة شديدة تفعيل المادة 20 من الدستور التي تنص على الحق في الحياة، وتتعمد تأويلها ضدا على ما هدفت إليه اللجنة التي صاغت القانون الأسمى، وحتى ما ورد في الرسالة الملكية للمنتدى العالمي لحقوق الانسان الذي انعقد بمراكش، والتي نوه فيها جلالته بمبادرات المجتمع المدني وطالب بتعميق النقاش في الموضوع.
ومن الارقام التي عرفها الجمع العام أن هناك حوالي 120 محكوما بالإعدام موزعين على 12 سجنا، منهم ثلاثة أرباع يقبعون بالسجن المركزي بالقنيطرة. وقد امتنع المغرب عن التصويت للمرة الرابعة على توصية الجمعية العمومية للأمم المتحدة لتعليق تنفيذ عقوبة الإعدام بالرغم من مطالبة المجتمع الحقوقي بالتصويت إيجابا على التوصية . بل إن فريف العدالة والتنمية بمجلس النواب بمقترح قانون يرمي إلى “تنظيم عقوبة الإعدام ” أي الحفاظ عليها بالقانون الجنائي . وصرح وزير العدل والحريات الذي ينتمي لنفس الحزب بأنه ضد إلغاء العقوبة .
وقد قدم الائتلاف الذي يضم 12 منظمة، 10 حجج من أجل إلغاء هذه العقوبة من بينها أنها عقوبة تنتهك الحق في الحياة وقاسية وغير إنسانية، وغير فعالة وغير شرعية وحاطة بالكرامة وغير قابلة للرجعة وأداة قمعية وجريمة باسم الدولة.
ونشير ونحن نتحدث عن الائتلاف إلى أن الفريق الاشتراكي بمجلس النواب قدم مقترحا من أجل إلغاء هذه العقوبة، مستندا في ذلك الى أربعة مرتكزات :
> أولا : المرتكزات الشرعية:
تمس عقوبة الإعدام أثمن حق يملكه الإنسان لكونها تؤدي إلى القضاء على كل أمل له في البقاء حيا؛ لا يوجد لها أي هوية أو جنسية أو عقيدة بشكل انفرادي، بل هي ظاهرة تشترك فيها عدة دول وثقافات وديانات مختلفة، وبالتالي فهي ليست حكرا على ثقافة أو عقيدة أو نظام سياسي معين . وأنه من الجائز شرعا إحداث عقد اجتماعي موضوعه الاتفاق على إلغاء عقوبة الإعدام في صيغة نص تشريعي يقرر تعطيل هذه العقوبة وإلغائها،
> ثانيا: المرتكزات الدستورية:
تأسيسا على هذا المستجد الدستوري الذي كرس صراحة الحماية الدستورية للحق في الحياة، يتضح أن هذا الحق أصبح حقا مطلقا يتعين على القانون حمايته، وعدم وضع أي مقتضى استثنائي يقضي بخرق حق الإنسان في الحياة تحت أية ذريعة كيفما كانت، وذلك تحت طائلة عدم دستوريته.
> ثالثا: الانخراط في توجه التشريعات الحديثة نحو إلغاء عقوبة الإعدام
تتجه دول العالم نحو إلغاء عقوبة الإعدام واعتبار الإبقاء عليها من المخالفات التشريعية البائدة؛ وبات من اللازم أن ينخرط المغرب في هذا التطور التشريعي المتجه نحو تغيير مفهوم العقوبة من ردع المجرم والانتقام منه إلى إعادة تأهيله وتسهيل اندماجه في المجتمع.
ثالث النوافذ التي أطللنا منها على واقع حقوق الإنسان بالمغرب هو تقرير الجمعيات(32 جمعية ) بشأن تنفيذ بلادنا لخطة بكين زائد 20 . نشير إلى بعض عناصره :
هناك 62.8% من النساء ضحايا العنف ، وغياب قانون لمحاربة العنف وحتى المشروع الذي جاءت به الحكومة لا يستجيب للمعايير الدولية .
نسبة النساء في سوق الشغل لا تزيد عن 25 بالمائة . وفي المناطق الريفية تعمل 3 نساء من 4 مجانا كمساعدات عائليات في غياب الحماية والضمانات .
ضعف تمثيلية النساء في مواقع القرار والمسؤولية (17 بالمائة بالبرلمان )- وجود المرأة في الحكومة لايزال ضعيفا (21.2 بالمائة سنة 2007 ،12.8 بالمائة في 2014).
الحكومة لم تفعل إلى اليوم الفصلين 19 و164 من الدستور، والمتعلقين بإرساء هيئة المناصفة ومحاربة كافة أشكال التمييز.
التشريعات لا تحترم الحقوق الإنسانية للنساء ولا تعزز حمايتهن، ويظهر ذلك جليا في العديد من مواد مدونة الأسرة وقانون الجنسية والقانون الجنائي.
هذه هي صورة المغرب الحقوقية التي تبرز أن الحكومة الحالية لا تضع من بين أولياتها تعزيز حقوق الانسان وحمايتها، وأنها لا تتفاعل مع ما يقدمه المجتمع المدني والمؤسسات الوطنية وأبرزها المجلس الوطني لحقوق الإنسان من مقترحات .
إنها صورة تدين الحكومة وتفضح نهجها السياسي الذي يهمش هذه الحقوق.
* عن جريدة الاتحاد الاشتراكي
2 مارس 2015