يتطلع المواطنون في أوقات الشدة والأزمة سياسية كانت ،أو اقتصادية أو اجتماعية إلى المثقفين من أبناء جلدتهم لثمتيل المعانات والمآسات التي تعترضهم ويتخبط فيها شعبهم، بما في ذلك الطعن في المعايير والأعراف السائدة، كما يراهن الحكام والمسيطرين على زمام الأمر على المثقفين لتفادي المشاكل والتناقضات التي تراكمت بالجملة على سطح العلاقات التي تربط بين أفراد المجتمع في ما بينهم، وبين توجهات الدولة والمجتمعات الخارجية من جهة أخرى، وبالتالي يلعب المثقف دور المساعد على تقوية رابط الهوية المشتركة، التي وجب الارتقاء و السمو بها فوق كل النزوعات الفردية، فعلى المثقف دائما أن يختار ويقرر بمحض إرادته موقعه الاجتماعي و السياسي الذي من خلاله يعمل على خدمة قضيته و مشروعه الثقافي، وكما يقول غرامشي (الاختيار الرئيسي الذي يواجه المثقف هو الاختيار بين الانضمام إلى استقرار المنتصرين والحكام أو السير في الطريق الشاق ، أي أن ينظر إلى الاستقرار باعتباره حالات الطوارئ ) غير أن المثقف ابن بيئته، أي ثقافة مجتمع يتأثر بها ويتفاعل معها، بما تعنيه هذه الثقافة من عادات وأنماط السلوك و معتقدات وآداب وفنون وتاريخ ولغة وزي ورقص وكل ما يتعلق بمختلف مناحي الحياة الروحية والمادية، هذا الكل المركب يكتسبه الإنسان باعتباره عضوا داخل المجتمع، ويصبح جزء من تمثلانه وعامل مؤثر في نشاطه الذهني والفكري، الشيء الذي يجعل الجانب الموضوعي والعقلاني في تناول والتعاطي مع الشأن الثقافي جد معقد، ومن تم فالانتقال من ثقافة مجتمعية سائدة إلى مجتمع الثقافة، يفرض علينا البحث في مختلف الأنساق الثقافية عن آليات تعديل ثقافة المجتمع ونقلها من جيل إلى جيل أخر، مع فهم واستيعاب الدور الذي تلعبه الأنتجلسيا المحلية في تكييف المجتمع مع المتغيرات والتطورات المتسارعة والتي تمس بواقع الحياة الثقافية، مع المحافظة على استمرار المجتمع وتماسكه واستقراره.
إن الانتقال إلى مجتمع ثقافي يحتاج إلى مشروع ثقافي متكامل يطرح مجموعة من المفاهيم، القيم و العادات و المعتقدات على طاولة النقد والتحليل والتمحيص، كالعلاقة بين الدين والدولة، وبين الدين والسياسة و العلاقة بين الأصالة والمعاصرة، التحديث والتقليد مفهوم المجتمع المدني ودور المؤسسات في الانتقال الثقافي، مفهوم السلطة ودورها في تحديد العلاقة بين الحاكمين والمحكومين، وهي مفاهيم تحتاج من المثقفين طرحها للنقاش بصوت مسموع، للخروج من عزلتهم، وتجاوز الانكماش الذي يعانون منه، وسط مجتمع لازال غير قادر على احترام الرأسمال الرمزي والثقافي واستثماره، ولازال مثقفوه محتارون بين الإنتاج والاستهلاك داخل سوق ثقافية تساهم بشكل حاسم في إعادة إنتاج المجتمع بقواعد جديدة، بمعنى أنها ليس أنية، كالملابس الجديدة المتواجدة في الدكاكين بالمداشر النائية والريفية،
فعلى المثقفين والسياسيين خلق الحدث على الأقل داخل المشهد الثقافي، وذلك من خلال النضال لنهج خطة عمل تنويرية وحداثية، باستطاعتها صد موجة التأسلم السياسي الذي سقط المجتمع في براثنها ، باعتبارها إحدى أوجه التدهور الثقافي، حيث أغرق المواطن في التخلف والخرافة، على حساب كل ما هو جميل وفني بخصائص إبداعية تقدمية، تستشرف التغيير المتكامل والشمولي في المستقبل القريب ، كما عليه طرح مشروع للترويج للفكر الحر والمتنور والعقلاني الذي تقاومه لوبيات الفساد وتجار الدين، لان الثقافة السائدة في هذه الأوساط تنظر إلى النقذ على انه خروج على القوانين وعلى سنن متوارثة ، وتقاليد في تدبير أمور البلاد والعباد تتميز بالأحادية والحلقية وعدم إشراك المثقفين في التدبير والتسيير، لهذا على مثقفينا تبني مشروع ثقافي هو مشروع مجتمع ودولة ونخبة مثقفة حداتية، هذا إذا سلمنا أن هناك مشروع ثقافي واحد وموحد يعمل خدمة الصالح العام، يخرج المثقف من ورطته في الاختيار بين الانحياز إلى أحد أطراف معادلة الثقافة، على الأقل مرحليا، هذا المشروع الذيقد يجيب على بعض القضايا الثقافية العالقة كالعلمانية ، والتحالف مع المد الإسلامي، أو التحالف مع المحافظين الجدد، على قضايا سياسية لازالت تثير جدلا في الأوساط الثقافية والسياسية، حتما أن المزج بين الأصالة والمعاصرة في مشروع ثقافي يسهل على الدولة عملية التحكم في ثقافة المجتمع وفي نفس الوقت تراقب مجتمع الثقافة بشكل فعال وبانخراط كلي لمختلف أجهزتها المراقبة والضبط.
والاستفادة من دستور فاتح يوليوز الذي فصل بين مؤسسة إمارة المؤمنين ومؤسسة الملك، لكي نتجاوز مشروع الدولة الإسلامية بإمارة للمسلمين كلاسيكية يلعب فيها رجل الدين والفقيه دور المثقف لايخدم مصالحها الآنية والمستقبلية ، والمرتبطة بحدود دنيا لالتزاماتها الدولية، كما أن مشروع ثقافي تقدمي يساري دو نزعة علمانية لايخدم مصالحها الإستراتيجية ، خصوصا في ضل غياب ضامن الاستمرارية والاستقرار والتوازن بين القوى والفرقاء التي تحميه الدولة في شخص سلطتها المركزية.
فالمشروع الثقافي بالإضافة إلى كونه مشروع سياسي فهو مشروع تربوي، لهذا وجب تجاوز النظرة السابقة للثقافة المحصورة في رعاية المواسم وليالي الأولياء الصالحين والأسياد، وكل ما يكرس التبعية والتخلف والجهل والشعوذة والدونية والرجعية والشعبوية، وتجاوز تنظيم مهرجانات خاصة بالفرس والحمار والأسد، للانتقال إلى تشجيع الإبداع الفني في مختلف مجالات الحياة ومناحيها، والترويج للإبداع الفكري وتبني الدفاع على بعض الأنواع الفنية التي ارتبطت بالمحرم والطابو مثل النحت والرسم والفكر الحر…….. فالمغرب اليوم يعيش حالة فوضى ثقافية في غياب بارز للمثقفين باستثناء قلة، هي مواكبة للتحول المجتمعي وتحاول تفسير وفهم تأثيره الثقافي على الأفراد والمجتمع، كما تعمل على التأثير فيه ، مجتمع المؤسسات الثقافية مع المحافظة على الإيجابي الثقافي، والموروث من عادات وتقاليد وقيم وطقوسية في العيش والحياة لا ثؤتر على الأفراد في حريتهم أو كرامتهم، فعلى السينما أن تلعب دورها في تغيير السلوك ونشر القيم الثقافية العالمية كالتسامح والتعايش وحقوق الإنسان والاختلاف والديمقراطية، وما يقال على السينما يفرض على المسرح و التليفزيون والنحت والرسم والرقص ومختلف أنواع التعبير الجمالية، التي تساهم في تغير المجتمع والرقي به إلى مستوى الدول المتقدمة، التي راهنت ولازالت تراهن على التراكم الثقافي وقدرته اللامحدودة في المحافظة على ازدهار المجتمع، كما على الكتاب والفنانين والصحفيين أن يقوموا بدورهم التاريخي في بناء مجتمع الثقافة الذي نؤسسه على أرضية المجتمع المدني وفق الخصوصية المحلية، بما يعني ذلك من تكريس لثقافة الديمقراطية واحترام الاختلاف وحرية الرأي في ما بين المثقفين أنفسهم، لتجاوز الصراع حول المواقع والامتيازات، وتفعيل قدرتهم على المواكبة والتدخل والتحديث للبنيات العتيقة والعقليات البالية أو المتحجرة.
عادل أزعر
عن موقع سما بريس
17 ابريل 2013