في مثل هذا اليوم من سنة 1956 تم الإعلان رسميا عن استقلال بلادنا، بإنهاء عهد الحجر والحماية، كما سماه أب الأمة المغفور له محمد الخامس.
وإذا كانت هذه اللحظة المتوهجة تتويجا لمسار طويل من الكفاح الوطني، حيث استعملت كل الوسائل المشروعة، نضاليا وأخلاقيا، من المواجهة الفردية إلى المعارك الجماعية ، مرورا بجيش التحرير والمقاومة والنضال السياسي، فإن استرجاعها رمزيا وماديا يكتسي أهمية ، لا شك أنها دائمة، لكنها في المقابل تكتسي جدوى تاريخية خاصة في الظرفية الحالية.
فما جعل الوطنية حية، تغذي الأجيال كلها ويجعلها دوما كذلك، لم يكن فقط اللغة والتاريخ والانتماء والهوية، بل هو بالأساس، ومن زاوية الحدث الوطني التحرري، القدرة على أن يحقق الجميع، وبروح مشتركة، أشياء عظيمة في الماضي، ويحققها بقوة أكبر في المستقبل.
ومن أهم هذه الأشياء، الحفاظ على الهوية الوطنية الكفاحية ومقاومة المشاريع التي تستهدفها.
وهي في الوقت الحاضر ثلاثة مشاريع:
1 – الانفصال: لقد قطع المغرب، الذي احتفل منذ 3 أيام فقط بذكرى جلاء آخر جندي أجنبي عن تراب صحرائه، مع تمزق جغرافياته بين قوتين استعماريتين، وبات منذ 1975، موحدا تحت راية واحدة، لكن ذلك لم يمنع البلاد من أن تواصل، إلى يومنا هذه المشاريع الرامية الى اجتزاء جزء من ترابها ووضعه على مائدة التفاوض الدولي..
وهو ما يفرض التعبئة الدائمة للروح الوطنية، مع ما يقتضيه ذلك من وضوح في الخطاب إزاء الذين حولوا الانتماء والدفاع عن الوحدة، في يد البعض ممن انتقدتهم الخطب الملكية الأخيرة،إلى ريع لا يختلف من حيث خطورة التهديد عن الانفصال.
2 – النزوع المتزايد نحو تذويب المغرب في جغرافيا هلامية، هي الى الحنين الإيديولوجي أقرب منها الى الهوية المشتركة بين شعوب العالم الاسلامي ، من دين ولغة وتاريخ ومعتقد، بل هو نزوع تمليه في الواقع فكرة الاستبداد المتجدد باسم التدين العصبي المتأدلج ، كشكل من أشكال تدمير الهوية الوطنية، وجر شعوب الدائرة العربية الاسلامية الى حضيرة الطاعة والامتثال والتقوقع والانتحارية الحضارية التي تعزلنا عن عالم ساهمنا فيه، ككل الشعوب وفي حضارته ومنجزاته.
والواقع أن الوطنية المغربية ظلت متشبثة بثوابتها، الدينية والترابية والسياسية التي ميزتها عن كل محاولات التنميط باسم الدين أو اللغة أو الانتماء الجغرافي.
3 – مشروع الدعوة الى فك الارتباط بين التاريخ الوطني ومشاريع التحديث السياسي والنظامي، كطرفين في معادلة التحرر ، وقاعدة البناء التوافقي بين قوى الشعب والعرش المغربيين.
هو دعوة ، في حقيقة الأمر، إلى نسف القاعدة الدائمة للحصانة الوطنية، ممثلة في أمجاد التاريخ القريب وتثبيت الدعامات المشتركة بين الأجيال، أي ملكية مناضلة ذات شرعية دينية وتاريخية وكفاحية، وبين القوى الوطنية المنخرطة في الوقت ذاته في مشاريع التحديث والتعددية والتسامح والانحياز إلى الأفق الكوني، كما هو متعارف عليه دوليا.
إن هذه المشاريع، لا يمكن أن يغفلها الوطنيون والأجيال الحاضرة والقادمة والاتحاديات والاتحاديون، وضمن هذا الأفق الجماعي المشترك يعتبرون أن مشروعهم هو بالذات مناهضة هاته المشاريع الثلاثة، والدفاع عن مغرب محصن ومتقدم ومتجه نحو المستقبل.
 

*2 مارس 2015

‫شاهد أيضًا‬

حضور الخيل وفرسان التبوريدة في غناء فن العيطة المغربية * أحمد فردوس

حين تصهل العاديات في محرك الخيل والخير، تنتصب هامات “الشُّجْعَانْ” على صهواتها…