كان بيان سياسي صادر عن اللجنة المركزية لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، المنعقدة ببني ملال يوم 4 أبريل 1976، تحت رئاسة الكاتب الأول آنذاك، الزعيم الكاريزمي عبد الرحيم بوعبيد، قد أثار ردود فعل متعددة، بلغ بعضها حد اتهام الاتحاديين بالخيانة، لأنهم نبهوا الى ضرورة التعامل مع اقليم الصحراء الغربية الجنوبية المغربي، من منطلق ديمقراطي، يستحضر الخصوصية الثقافية لأهلنا بالصحراء، مطالبا بمنحهم ما يشبه حكما ذاتيا، ضمن جهوية موسعة، وها قد قطع المغرب 40 سنة، ليعود إلى نفس ذلك الطرح الاتحادي الاستباقي المتقدم، من خلال مشروع الحكم الذاتي المقدم سنة 2007 ومشروع الجهوية الجديد كما ينص على ذلك دستور 2011 . ان ذلك البيان والنقاش الذي أثاره يشكل وثيقة تاريخية، نقدمهما لقرائنا اليوم، من ذات موقع اليقين الوطني الديمقراطي للحركة الاتحادية ولحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.
تقول الوثيقة: «استعرضنا أمس بعض المعطيات التي تؤسس خصوصية موقفنا في قضية الصحراء المسترجعة ومسلسل تطورها انطلاقا من الربط الجدلي بين الموقف المبدئي والتطور الحتمي، وإجابة علي بعض التساؤلات التي تطرح في أوساط بعض الشبان والمثقفين حرصا منا على توضيح موقفنا بالنسبة للجميع وتعميق رؤية مناضلينا لمهام المرحلة الراهنة والمقبلة.
هناك تساؤلات أخرى تطرح في هذا المجال نفسه، مجال العناصر التي تميز موقفنا عن موقف القوى الوطنية الأخرى، بخصوص قضية الديمقراطية, وللإجابة عن هذه التساؤلات نبدأ بعرض مختلف المواقف المطروحة في الساحة الوطنية بخصوص قضية الديمقراطية منذ ان طرحت جنبا الى جنب مع قضية الصحراء. 1 – كان هناك من يقول بتأجيل الدخول في التجربة الديمقراطية الى أن تتحرر الصحراء. وموقفنا من هذا الرأي كان – ومايزال – هو هو، واضحا متميزا. لقد ربط مؤتمرنا الاستثنائي ربطا جدليا محكما بين التحرير والديمقراطية والاشتراكية، وانطلاقا من هذا الربط المبدئي ربطنا – مرحليا – بين – الديمقراطية وتحرير الصحراء. وقلنا غير ما مرة ان مسلسل تحرير الصحراء مسلسل طويل متطور لا يمكن أن ينتهي بين عشية وضحاها، ولذلك كان لابد من أجل ملاحقة هذا المسلسل وتوجيهه الوجهة التي تخدم قضية الشعب المغربي في استكمال وحدة ترابه من الاعتماد على مساهمة الجماهير وفعاليتها وديناميتها, لأن ذلك هو وحده الطريق الصحيح الوحيد الذي يضمن السير بمسلسل التحرير إلى نهايته مهما كانت التطورات والمفاجآت. ان تمكين الشعب من التقرير والمراقبة والسهر على التنفيذ سيجعل المواطنين يشعرون بوعي بثقل المهام المطروحة، وبضرورة تحمل التضحيات اللازمة، فضلا عن أن ذلك في حد ذاته يشكل جوابا على الانتقادات التي توجه بحق أو بغير حق الى المغرب. ان التحرير في اطار من الديمقراطية الفعلية الحقيقية، وبواسطتها سيعطي للمغرب وجها آخر سواء على صعيد المنطقة أو على الصعيد العالمي كله. الوجه الذي مازال يفتقده منذ الاستقلال. من أجل ذلك نادينا وننادي بأن النضال من أجل تحرير الصحراء وباقي الأجزاء الاخرى من التراب الوطني لا يتناقض قط مع البناء الديمقراطي الحقيقي، بل بالعكس، إن هذا البناء الديمقراطي الحقيقي هو الشرط الضروري الذي يعطي لعملية التحرير مضمونها الحقيقي. وهذا شيء واضح لا يعاند فيه إلا من يصدر في آرائه عن حسابات أخرى. 2 – ومن جملة هذه »»الحسابات الأخرى»« حساب يحاول أن يخفي مراميه الحقيقية تحت شعار «»الحكومة الشعبية أولا«« و «»التغييرات الجذرية ثانيا« «و »»التهيؤ للانتخابات ثالثا«« ثم أخيرا – وربما ليس آخرا – الانتخابات نفسها. ان هذا الموقف ينطوي على عدة خلفيات وحسابات نرفضها، من جملتها: – انه موقف يصدر من نظرة وسلوك يفرضان الوصاية على الجماهير. إن لسان حال هذا الموقف يقول: يجب أن أختار أنا للجماهير قبل أن أمنحها حقها في الاختيار. – انه موقف يجعل الجماهير موضوعا للتغيير لا ذاتا تمارس التغيير بشكل جدلي على نفسها وعلى الأوضاع التي تعاني منها. انه موقف لا يختلف في شيء عن المواقف التي تدعي»الاصلاح»و »»الاشتراكية»« من فوق كما حصل في الجزائر ومصر. ان ما تقرره جماعة من فوق، وفي غيبة عن الجماهير يمكن ان يقرر عكسه اشخاص آخرون، ومن فوق، وفي غيبة عن الجماهير ونضالاتها ردود فعلها.. والأمثلة واضحة. – انه أيضا موقف ذاتي- انتهازي – الموقف الصادر عن الشعور بالضعف، والذي يجعل الحصول على مقاعد برلمانية هدفا له من الديمقراطية والانتخابات.. انه موقف نرفضه جملة وتفصيلا.. وقيام الاتحاد الاشتراكي، والمؤتمر الاستثنائي من العناصر الجوهرية التي تميزنا عن هذا الموقف. 3- وهناك موقف آخر، يستنسخ بعض التجارب الخارجية، ويتمسك بالشعارات، شعارات القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، تمسكا جامدا استاتيكيا. انه الموقف الذي يرى في المرحلة الراهنة التي تجتازها بلادنا ما يطلق عليه اسم »مرحلة الثورة الديمقراطية والوطنية«, ناقلا شعارا صالحا لظروف معينة وفي فترة زمنية معينة وفي بلاد معينة دون النظر الى حقيقة الوضعية السائدة في بلادنا ولا اعطاء المعطيات الخاصة بالوضعية المغربية ما تستلزمه من اعتبار خاص. اننا نرفض هذا الموقف لأنه يهمل الخصوصية ويقتل الديالكتيك ويحول دينامية الاحداث الى قوالب جامدة. ان شعار »مرحلة الثورة الوطنية والديمقراطية« لا ينطبق على بلادنا كما هي الآن. ليست المعركة الوحيدة الدائرة في بلادنا اليوم هي معركة بين الطبقة العاملة والطبقة الرأسمالية المالكة لوسائل الإنتاج. ان الصراع في بلادنا ليس صراعا ثنائيا على هذا الشكل. انه صراع متعدد الواجهات, صراع مع الاستعمار ومخلفاته، صراع مع النفوذ الامبريالي العالمي، صراع مع بقايا الاقطاع وفلول الرجعية، صراع بين برجوازية طفيلية لا تنطبق عليها مقولة «البورجوازية الوطنية» وحيث لا توجد بورجوازية وطنية حقيقية تملك وسائل الانتاج وتستحوذ على ازمة السلطة السياسية والادارية، تنقد مقولة «»الثورة الديمقراطية والوطنية« «كامل معناها. على أن شعار »الثورة الديمقراطية والوطنية«، ليس، ولم يكن، صالحا في كل وقت حتى عند أولئك الذين نادوا به وطبقوه في مرحلة ما من مراحل كفاحهم. إنه خاضع في وجوده وعدمه، في صلاحيته وعدم صلاحيته، لدينامية الاحداث، خاضع أكثر لخصوصية المجتمع وميزان القوى. إن الذين يتمسكون بهذا الشعار بحسن نية أو بدافع حسابات معينة نقول: هل تعتقدون أن وسائل الإنتاج في المغرب الراهن هي في يد بورجوازية وطنية حقيقية؟ هل تعتقدون أن الصراع الاجتماعي السياسي الايديولوجي الآن في بلادنا يتحكم فيه فقط التناقض بين البروليتاريا والطبقة الرأسمالية »المغربية« ـ إن كانت موجودة ـ تقوم فعلا بدورها التاريخي في تصنيع البلاد، وتطوير وسائل الإنتاج، ومن ثمة فرز طبقة بروليتالية أكبر عدداً وأعمق وعيا؟ إن الجواب عن هذه الأسئلة بالنفي أو الإيجاب هو الذي يقرر مصير شعار» »الثورة الديمقراطية والوطنية« «في بلادنا خلال المرحلة الراهنة من تطورها. 4 ـ وهناك موقف آخر يرفض الدخول في أية تجربة ديمقراطية في ظل الأوضاع القائمة. ويرى أن تغيير الأوضاع مقدمة ضرورية لإقامة تجربة ديمقراطية حقيقية. وإلى هؤلاء نورد هذه الحكاية التالية: يحكى أن جماعة من الفئران اجتمعت في أحد الغيران وأخذت تتداول في الكيفية التي تمكنها من الإفلات من مخالب القط الذي ينتظرها كلما خرجت من الغار. وبعد المداولة استعصى عليها إيجاد الحل. فقام فأر صغير ولعله »متياسر« وقال: لدي حل. يجب أن نعلق جرساً في عنق القط بكيفية تجعله يقرع كلما تحرك القط. فبهذه الطريقة تعلم بوجود القط بمجرد تحركه، فنتجنب طريقه ونبقى سالمين. فرحت الفئران بهذه »الفكرة الجهنمية« واعتقدت أنها تغلبت على المشكلة. ولكن فأراً كبيراً »ولعله مناضل خاض تجارب عديدة« قام وقال: إن المشكلة الأساسية هي: من سيعلق الجرس في عنق القط. نعم من سيعلق الجرس؟ إنه السؤال المطروح. السؤال المعروف بـ: »ما العمل؟«. السؤال الذي يجيب عنه اختيارنا الديمقراطي الاشتراكي. الديمقراطية هدف ووسيلة. مسلسل النضال من أجل الديمقراطية من الممكن جداً أن يؤدي إلى البناء الديمقراطي للاشتراكية، خصوصاً إذا كان ذلك في إطار العمل مع الجماهير وفي صفوفها: جماهير العمال والفلاحين والصناع المهنيين والتجار الصغار وكافة فئات الطبقة الكادحة المحرومة.. أما »العمل« في حلقات ..فلن يؤدي إلا إلى حلقات مفرغة. من نص البيان السياسي العام (4 أبريل 1976) عقدت اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية يوم الأحد 1976/4/4 أولى دوراتها العادية لسنة 1976 بمدينة بني ملال. وبعد أن استمعت للتقرير السياسي الذي قدمه الأخ عبد الرحيم بوعبيد الكاتب الأول للاتحاد باسم المكتب السياسي، وبعد مناقشة هذا التقرير مناقشة جادة ومسؤولة، أصدرت البيان التالي: |
||
عن جريدة الاتحاد الاشتراكي 28 فبراير 2015 |
حياة الوطني المجاهد والزعيم بنسعيد آيت إيدر كلها وطنية ونضال وترافع .. * مصطفى المتوكل الساحلي
ولد وترعرع الوطني المجاهد والمقاوم والقائد السياسي سي محمد بن سعيد أيت إيدر في يوليو 1925…