يبدو، ونحن على أبواب الانتخابات الجماعية، أن الساحة السياسية ستستقبل، في القادم من الأيام، مواليد جدد “سيعززون” بلقنة المشهد الحزبي وتضخمه. وشخصيا، لا يهمني من هؤلاء المواليد سوى ذاك الذي سيخرج من رحم الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.
فرغم أن شبح الانشقاق يتهدد الكثير من الأحزاب- ومنها من سبقت أن عاشته بشكل أو آخر-، فإن الاتحاد الاشتراكي يسجل الرقم القياسي في هذا المجال. وهذا، في حد ذاته، يشكل ظاهرة تستحق الدراسة من قبل علماء الاجتماع وعلماء النفس وعلماء السياسة…؛ خصوصا وأن مبرر غياب الديمقراطية الذي يقدمه كل من يرغب أو “يضطر” لمغادرة سفينة الاتحاد الاشتراكي، لا يصمد أمام الواقع المعاش داخل هياكل هذا الحزب وأجهزته.
ورغم أني لا من هؤلاء ولا من أولائك، فإني كفاعل سياسي يستهويني أن أدلي بدلوي في الموضوع. لكني أبادر إلى القول بأن هدفي، اليوم، ليس هو الخوض في ظاهرة الانشقاق الحزبي (الذي قد أعود إليه في مقال لاحق)، بقدر ما هو تبيان عبثية الخطوة التي هو مقدم عليها ما يسمى بـ”تيار الديمقراطية والانفتاح” (أو “الانفتاح والديمقراطية”)؛ وكذا إبراز تهافت أصحاب هذه الخطوة وقلة بعد نظرهم.
لن أعود لما كتبته عن “التيار” المذكور (من حيث عدم شرعيته التنظيمية والسياسية) في حياة مؤسسه المرحوم “أحمد الزايدي” الذي لم نعد نملك، أخلاقيا واجتماعيا ودينيا، سوى أن ندعو له بالرحمة والمغفرة؛ ونغتنمها فرصة لندعو، أيضا، للعقل المدبر- الذي كان وراء الدفع به للترشح للكتابة الأولى للاتحاد الاشتراكي قصد تقليص حظوظ أحد المرشحين الثلاثة الآخرين؛ والاتحاديون يعرفون من هو العقل المدبر ومن هو المرشح المعني بالمخطط- بالهداية والتوبة وحس الخاتمة.
لكن لا بد أن أسجل بأن أصحاب المرحوم “الزايدي”، أبانوا عن غباء سياسي كبير وخبث أخلاقي فظيع، عندما عملوا على استغلال حدث الوفاة سياسيا، دون مراعاة للتقاليد المعمول بها في مثل هذه الظروف المؤلمة ودون احترام لروح الفقيد ولشعور العائلة الصغيرة والكبيرة.
فدون الحديث عما وقع في المقبرة وما تلاه بعد ذلك بمنزل الفقيد بمناسبة الحفل الديني الذي يقام في اليوم الثالث، نشير إلى أن بعضهم اعتبر، دون حياء ولا خجل، أن الحشد الهائل الذي حضر الجنازة هو تزكية للتيار. وهذا وحده كاف للحكم على أصحابه بجهلهم لتقاليد المجتمع وقيمه وبمحدودية أفقهم وتفكيرهم.
وبعد أن استنفذوا كل وسائل الابتزاز التي استعملوها مع القيادة الحالية للاتحاد الاشتراكي ووصلوا إلى الباب المسدود؛ خصوصا بعد أن رفضتهم التنظيمات التي كانوا يمنون النفس (أو يساومون فقط بذلك) بالالتحاق بها، قرروا تأسيس حزب جديد، بدعوى الاستجابة لمطلب شعبي (كذا)، تم التعبير عنه من خلال اللقاءات المباشرة واستطلاعات الرأي (كذا)، يقول “دومو” .
ونحن لا يسعنا، بهذه المناسبة، إلا أن ندعو لهم بالتوفيق والنجاح، ما دام الشعب المغربي محتاجا إليهم وسيشعر باليتم في حال عدم تجاوبهم مع مطلبه الملح؛ وإن كنا، مع ذلك، نتألم لمثل هذا السلوك الذي لا يخدم، في النهاية، إلا مصلحة أعداء الاتحاد الاشتراكي، الذين يزعجهم أن يسترد هذا الحزب عافيته ويستعيد المبادرة بعد السنوات العجاف التي عاشها الاتحاد تنظيميا وسياسيا، كادت أن تفضي به إلى الانتحار الجماعي، كما عبر عن ذلك، بنبرة تشاؤمية مريرة، الأخ “عبد الواحد الراضي”، الكاتب الأول السابق للحزب.
لكن، ليطمئن “دومو” ومن معه وليحلموا، كما يحلو لهم، فإن مصيرهم لن يكون أفضل من سابقيهم. فليسوا لا بالقوة ولا بالمكانة السياسية التي كان عليها الأموي، يوم قاطع المؤتمر الوطني السادس وغادره هو وعدد كبير من الأطر الاتحادية، بمن فيهم مسؤولي الشبيبة الاتحادية (وما أدراك ما الشبيبة الاتحادية، آنذاك)؛ كما أنه غادر الاتحاد وهو يتحكم في مركزية نقابية قوية، كان يحسب لها، سياسيا، ألف حساب. وقد اغتر بذلك، فأسس حزب المؤتمر الوطني لاتحادي وهو يمني النفس، كما سابقيه، بأن يكون البديل عن الاتحاد الاشتراكي .
فما ذا بقي من كل ذلك؟ ما ذا يمثل، الآن، الأموي و”شعبه” في المشهد السياسي المغربي؟ الجواب في النتائج المخجلة لاستحقاقات سنة 2007 وسنة 2009، رغم أن حزبه خاضها في تحالف مع حزبين يساريين آخرين (تحالف اليسار؛ حاليا ائتلاف اليسار)؛ هما اليسار الاشتراكي الموحد والطليعة الديمقراطي الاشتراكي.
ولتصدر “دومو” المشهد في الصراع مع القيادة الحالية للاتحاد، أكثر من دلالة. فتواري الوجوه القيادية – المعروفة بعدائها(المجاني؟) لـ”لشكر”، الكاتب الأول الحالي، وحقدها عليه (بسبب أو بدونه)- أمام القادم إلى الاتحاد، في إطار ما سمي بالانفتاح، من أحد الأحزاب الإدارية، يطرح أكثر من سؤال: هل بدأ البعض يعود إلى جادة الصواب؟ هل أدركوا أنهم مقدمون على مشروع فاشل؟ هل بدئوا يستحضرون التجارب السابقة؟ هل هي الرغبة في الحفاظ على الرصيد النضالي؟ وهل…؟ وهل…؟
على كل، فزعامة “دومو” لما سماه بالحراك الذي دام سنتين ونصف، تستحق الانتباه. وحديثه عن انحراف القيادة الحالية عن هوية الحزب وعن افتقادها لاستقلالية القرار، يبعث على الغثيان. ذلك أن أساليب “دومو”، البعيدة كل البعد عن الديمقراطية والأخلاق السياسية (وحتى الأخلاق العامة)، معروفة، داخل الاتحاد، عند الخاص والعام. ويكفي أن نذكر، هنا، بالإنزال الذي قام به خلال التحضير للمؤتمر الوطني التاسع، بعدما أدى 10 ملايين سنتيم (مقابل بطائق العضوية) على أحد فروع إقليمه، على أمل أن يؤثر، هو ومن هم على شاكلته، في البنية البشرية للمؤتمر. وقد عايننا كيف كان يسوق من استقدمهم لهذا المؤتمر كقطيع، معتقدا أن بذلك سيرجح كفة مرشحه المفضل، ليضمن بذلك موقعا بالمكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي. وهو الحلم الذي ظل يراوده منذ أن حط الرحال بحزب القوات الشعبية.
ولما فشل في مخططه، راح يختلق الأحداث ويمد بها تلك المنابر المعلومة التي لا تكن للاتحاد إلى الحقد والغل والضغينة. ألم يكن هو المصدر الرئيسي لما زعمت احدى الجرائد الوطنية أنها حصلت على وثائق وصور وشهادات تؤكد “التلاعبات” التي شابت المؤتمر. ولما تنكر “دومو” لـ”شهادته”، نشرت التسجيل الصوتي للحوار الذي دار بين صحافي الجريدة وملفق الخبر الذي لم يكن غير “دومو”. ورغم ذلك، تجاوزت القيادة الحالية عن ذلك السلوك ولم تتخذ في حقه أي إجراء.
لذلك، فمستقبل الحزب الجديد محكوم بظروف نشأته وعواملها؛ ومن هذه العوامل التعطش للسلطة (بالمفهوم العام) وبريق الريع الحزبي الذي يحاول البعض الحفاظ عليه أو استرجاعه بأي ثمن (ابتزاز؛ سطو؛ تحايل؛ اغتيال رمزي للحزب…الخ). لكن، ما مصير من يخرج من الخيمة مائلا أو مترنحا؟ أليس هو السقوط؟ هل أحتاج أن أستعيد المثل الشعبي المعروف؟ “قالُّو بَّاك طاح؛ قالُّو من الخيمة اخْرج مايل”.

*محمد إنـفــي

27 فبراير 2015

‫شاهد أيضًا‬

باب ما جاء في أن بوحمارة كان عميلا لفرنسا الإستعمارية..* لحسن العسبي

يحتاج التاريخ دوما لإعادة تحيين، كونه مادة لإنتاج المعنى انطلاقا من “الواقعة التاريخ…