مصطفى المتوكل / تارودانت
الاربـعــاء 4 مــــــارس 2015
قال الكواكبي ” ..من اقبح انواع الاستبداد ..استبداد الجهل على العلم .واستبداد النفس على العقل ” …
وورد في نهج البلاغة … الاستبداد بالشيء، التفرّد به
… ونوجز تعريف محمد عبده للمستبد بأنه الذي يفعل ما يشاء .. ويحكم بما يقضي هواه، وافق الشرع أو خالفه..
ان كل السياسات الرسمية لاية حكومة في العالم عندما تعمد الى الحد من ثقافة النقد البناء …وعندما تحاول توصيف الناس على نمطها شكلا وقلبا …وعندما تشكك في كل ماهو جميل من حضارة شعبها المخالفة لعقلياتهم المتحجرة …وعندما تبحث لنفسها عن قداسة وهمية بالاساءة لغير المتطابقين مع نهجها …وعندما تربط ازماتها واخفاقاتها بوهم المؤامرات والتواطؤات الداخلية والخارجية …وعندما يتطاولون على التعدد والتنوع الذي هو من بديع الخلق الالهي كان ماديا او فكريا او عقديا او سياسيا بمحاولة تكرار انفسهم وجعل الناس على شاكلتهم ؟؟…وعندما يعمدون الى الغاء كل انواع العلاقات والروابط الانسانية والاجتماعية والثقافية ليعوضوها بهواهم وتخيلاتهم …وعندما يستبلدون المجتمع المدني ليختزلوه في انفسهم ومن معهم …
فانهم في حقيقة الامر لايسعون الا الى الغاء الاخر واقصائه من كل مجالات الحياة والعمل واحلال اتباعهم في كل تمفصلات الادارات والمجتمع ليكون الناس امعات و رعايا طيعين.. وتكون اليات السلطات المنتخبة والمعينة منفذة للاوامر ..و مسايرة لتوجهاتهم وكافرة بمن يرى احسن مما يرون او يخالفهم …انهم باختصار يعتقدون ان الشعب يجب ان يكون لهم ومعهم لان ذلك هو جوهر مساعيهم …انهم يريدون كذلك ان يفكروا بالنيابة عن الناس لانهم في نظرهم لاحق لهم في التفكير المتحرر من التسلط والتقليدانية والاستنساخ الفاشل …
…ان تردي وانحطاط العديد من الدول العربية والاسلامية وانزلاقها بسبب الركوب الاستبدادي على الارادة الشعبية في الحرية والديموقراطية والعدالة الاجتماعية والكرامة ..ادى الى الاساءات التي – وثقها التاريخ بالسواد والدماء والالام في اكثر من حقة وعهد وسلطة …- والتي نراها طالت الانسان بالبوادي والحواضر واضرت بالقدرات والثروات وتعمل من اجل اقبار كل الاحلام وتكسير الارادات وتدجين المعارف والافكار …..
…ان الله خالق كل شيئ امرنا بالعدل والاتزان والوسطية في امورنا وحياتنا ..واوجب علينا توقير الناس واحترامهم …وعرف لنا الظلم والظلمات ..ولم يجبر الناس على اي امر من امورهم وهو القادر على فعل ذلك بمقتضى الخلق الذي يختص به ..بل ترك لهم الخيرة في كل الامور ..ونهانا على ان نكون مستبدين ..بل فرض علينا مواحهة التسلط والقهر …
…ان مالا يمكن قبوله شرعا و عقلا هو ان يستغل البعض ماجاءت به الرسالات السماوية و الانبياء من افكار وتشريعات عادلة وان يوظف بانتهازية مذاهب ونظريات ديموقراطية بدعوى محاربة الاستبداد واقرار العدل وهو يسعى ليعوضه باستبداد اخر قد يكون اكثر خطورة و ايلاما ممن سبقه لانه استغل الناس وحسن نيتهم ورغبتهم في التخلص من الطغيان والعسف …
ومن هنا يمكن ان نسجل ان اصحاب الاستبداد واتباعه لايتوقفون حتى يهيمنون على المجال الفكري و المذهبي و الاجتماعي والاقتصادي و الاعلامي …الخ ..اي حتى يخضعوا لارادتهم وفق متمنياتهم كل ما في البر والبحر والجو…
..والامر الغريب ان كل المستبدين بمختلف الامم وبعض ” الاديان ” يتفننون في البحث عن مبررات لمعاناة المواطنين و يحصرونها احيانا لغاية استبدادية لتفسير الانحطاط السياسي والازمات الشاملة.. بتهاون الحكام والناس في امور الدين ..او عدم توقيرهم لمن يحكم ..وان لاخلاص الا بالخضوع للحكام والتفاني في الطاعة المطلقة …ولكم ان تنبشوا في تاريخ الاستبداد منذ ما قبل زمن فرعون وهامان الى هولاكو والديكتاتوريات الحديثة الى المعاصرة .. مرورا بنماذج لحكام تخصصوا في قطع الرؤوس والايادي والالسن وسبي النساء الحرائر العفيفات ..وما قطع راس سيدنا الحسين وقتل سيدنا الحسن احب الناس الى رسول الله بمبررات كاذبة تهدف الى الاستفراد بالتحكم والسلطة ..الا مظهرا بشعا للمستبدين الذين ان لم يقمعوا او يقطعوا الرؤوس في حقبة او محطة ما فانهم لم يجدوا فقط الفرصة السانحة لفعل ذلك ..ولنتامل الخطابات بمشارق الارض ومغاربها ثم لندقق النظر في الافعال والممارسات التي تطبق بها السياسات وتقصى بها كل قوى التغيير في افق محوها من خرائط الفعل العمومي لنفهم ما حصل وما يخطط له …
…ولن نغفل في هذا السياق الاستبداد الذي يعتمد اساليب انتهازية تستهدف اخضاع الناس باستغلال فقرهم وحاجتهم ..و الامهم وامالهم مع اشباعهم بالمتمنيات والامال والاحلام ..وتشكيكهم في كل ماهو جميل وجعلهم مستسلمين منقادين بعلة الرضى والقناعة ؟؟..وهذا النوع اخطر لانه يستعمل التضليل الذي لاياتي من ورائه اي خير …
…و لهذا يرى الكواكبي أن الاستبداد بأشكاله المختلفة:- “الديني* السياسي * الاقتصادي…” – هو أساس كل انواع الفساد وأن نتائجه دائما تكون سيئة …
… ان المحللين النفسيين والاجتماعيين يدركون ان هناك من لديه قابلية ليصبح مستبدا يـتحين ويستغل كل الفرص ليكون كذلك ..وان لم تتح له يمارسها في بيته وموقع عمله .. باختياره للمستضعفين ليعيث فيهم تجبرا وعنترية وتكبرا واسنهزاءا وتحقيرا …
…ان علماء الشريعة الاخيار النيرين وكذا علماء السياسة المناضلين يؤمنون بحتمية التغيير وان الاستبداد مهما تفنن وتنوع وتقوى لايؤدي وفق سنن الله وسنن الكون الا الى التحرر و الانعتاق طال الزمن او قصر ….
…ان القاعدة العامة التي لن يختلف عليها عاقلان هي انه لايمكن للمستبد ان يكون عادلا ذلك لان الظلم هو من اقوى نتائج الاستبداد ..فظلمه كما يطال الافراد يعم الناس كافة الا انصاره واتباعه واحيانا قد يتضررون منه كذلك ..ان المستبد لايمكن ان يحقق ما يريد الا بالزام وارغام الشعب بكل الوسائل ..من دغدغة العواطف الى التهديد ثم القمع المباشر وغير المباشر…
ان المتشبعين بالاستبداد لايقبلون النصح والنقد البناء ولايحبون من هو افضل منهم معرفة وتجربة وخبرة ويتشاءمون لدرجة الكراهية والحقد والكيد من التغيير والديموقراطية والحرية والكرامة ..
ونختم بالحديث التالي .. قال رسول الله “ص ” (أَلا أُخْبِرُكم بِخِيارِ أُمَرَائِكُم وَشِرَارِهم؟ خيَارُهم: الذين تُحِبُّونَهم، ويُحِبُّونَكُم، وَتَدْعُونَ لَهُمْ ويَدْعُونَ لَكُمْ، وشِرَارُ أُمَرائِكم: الذين تُبْغِضُونَهُمْ ويُبْغِضُونَكم، وَتَلْعَنُونَهُمْ، ويَلْعَنُونَكُمْ) رواه الترمذي، وصححه الألباني.
وقال ص : ” إذا رأيت أمتي تهاب أن تقول للظالم: يا ظالم، فقد تودع منها”