انفجرت في الآونة الأخيرة قضايا عقارية ذات شحنة قوية أثارت اهتمام الرأي العام الوطني، وأصحاب القرار. تسترعي منا وضع الأمور في نصابها. فالسكن أحد ركائز الرخاء والاستقرار الاجتماعي. وقد حاولت مختلف السياسات السكنية المتعاقبة حل إشكاليته في المغرب التي استفحلت خلال الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي. هذه الفترة عرفت انتشارا واسعا للتجمعات الصفيحية التي أصبحت مكونا أساسيا للمدن المغربية. مختلف السياسات المتعاقبة ركزت على هدفين أساسيين يتمثلان في محاربة السكن غير اللائق، وتكثيف إنتاج السكن الاجتماعي لفائدة الطبقات الاجتماعية الوسطى والفقيرة. رصدت الدولة في هذا الإطار إمكانيات مالية وأوعية عقارية وإعفاءات ضريبية جد هامة. إلا أن النتيجة جاءت عكسية تماما لعدد من الأسباب. فالسكن غير اللائق لايزال قائما ولايزال يتناسل في كل المدن وضواحيها، وحسب وزارة الإسكان انضافت خلال العشر سنوات الأخيرة أكثر من 100 ألف أسرة جديدة لهذه الأحياء. وهو ما يفقد برنامج محاربة السكن غير اللائق مصداقيته. وأسباب الفشل مكشوفة تقف وراءها الجهات التي ترخص لهذا السكن ليل نهار وتغرق لوائح المستفيدين من البقع الأرضية الرخيصة المخصصة للفقراء، الأمر الذي خلق ريعا عقاريا في هذا المجال يصعب تحديد قيمته .
أما بخصوص السكن الاجتماعي فهو يضع أكثر من إشكالية. النص القانوني الذي ينظمه لا يحميه بشكل جيد من المضاربة ولا يقنن الاستفادة منه. أما الجودة فتبقى جد ضعيفة بل مفقودة. لا توجد جهة مختصة تراقب هذا المجال. عدد من الأسر التي تقتني سكنا اجتماعيا تكون مضطرة لتنفق عليه ما بين 50 ألف درهم و 100 ألف درهم لجعله سكنا لائقا. كما أن عددا من مشاريع السكن الاجتماعي المنجزة يجب تصنيفها في خانة السكن غير اللائق الذي يجب محاربته. ورغم أن القانون المنظم للسكن الاجتماعي حدد ثمنه في أقل من 250 ألف درهم ومساحة تفوق 50 مترا مربعا، وهي صياغة ذكية استفاد منها المنعشون العقاريون بشكل جيد لتضخيم هوامشهم الربحية على حساب المواطن المغربي المتوسط والفقير، فإن جل المشاريع السكنية الخاصة بهذا المنتوج السكني تطرحه بأسعار تتراوح بين 240 و 250 ألف درهم وبمساحات تقل عن 50 مترا مربعا.
ولا عجب أن يتحول في ظرف وجيز عدد من المنعشين العقاريين المختصين في السكن الاجتماعي إلى كبار أثرياء بل ويقتحموا لائحة المصنفين عالميا في مجال الثراء، إنها أكبر فضيحة مجتمعية يعرفها المغرب الحديث. اليوم يرى هؤلاء المنعشون الذين أذكوا المضاربة ورفعوا الأسعار إلى مستويات قياسية لم تعد تسايرها القدرة الشرائية للمواطن، أن القطاع يعيش في أزمة مصطنعة ولا يمكن لأحد أن يحلها إلا المنعشون العقاريون من خلال مراجعة هوامشهم الربحية الفاحشة وأسعارهم. عدد من المنعشين أصبحوا يفتخرون بتحكمهم في أوعية عقارية تناهز آلاف الهكتارات وهي أوعية بحسابات بسيطة تناهز حاجيات المغرب لبناء مساكنه لعدد من السنوات، إنه احتكار ضمني غير مشروع وليد الريع العقاري.
سياسة السكن الاجتماعي ومحاربة السكن غير اللائق، خلقت مجالات كبيرة للريع والمضاربة وساهمت في خلق تشوهات عمرانية واقتصادية خطيرة. اليوم يحتاج المغرب لمراجعة شاملة لهذه السياسة لجعل المسكن، الذي هو حق دستوري، في متناول المغربي فقيره أو متوسطه، بدون أن تدفع البلاد ثمنا باهضا، اقتصاديا واستراتيجيا من حيث استقرارها ، كما وقع مع دول تجاورنا ما زالت الانهيارات العقارية الريعية تكلفها حصة مهمة من مستقبلها.

‫شاهد أيضًا‬

حضور الخيل وفرسان التبوريدة في غناء فن العيطة المغربية * أحمد فردوس

حين تصهل العاديات في محرك الخيل والخير، تنتصب هامات “الشُّجْعَانْ” على صهواتها…