من أهم العناصر، التي تؤثر في هوية الأحزاب، شرعية ولادتها وإيديولوجيتها وبنيتها التنظيمية. ويصح هذا أيضا على حزب العدالة والتنمية، الذي خرج من رحم الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية، تحت زعامة عبد الكريم الخطيب، المعروف بقربه من القصر، والذي أدمج في سنة 1996، حركة التوحيد والإصلاح، وهي بدورها تجمع لعدد من التنظيمات الدعوية.
ولم تأت خطوة إدماج هذه التنظيمات الدعوية في حركة الخطيب، اعتباطا، بل جاءت في إطار الصراع السياسي، الذي كانت المواجهة فيه حادة بين أحزاب الكتلة الديمقراطية والنظام، بخصوص الإصلاحات الدستورية. وكانت الدولة، بقيادة الحسن الثاني، والدور الفاعل لوزيره في الداخلية، إدريس البصري، في حاجة إلى إضافة قوة رجعية لمواجهة المد المتنامي للحركة الديمقراطية.
ورغم ميلاد العدالة والتنمية، بعد ذلك، على شكل حزب، إلا أن هويته الرئيسية ظلت مرتبطة بجوهر التنظيم، الذي هو عموده الفقري، ويتشكل من شبكة دعوية، اسمها حركة التوحيد والإصلاح.
وهي عبارة عن ائتلاف من الجمعيات والروابط واللجان، تعمل في المجتمع، لنشر إيديولوجيتها الأصولية، وتقوم على مبدأي «العمل الجماعي المنظم»، و»الطاعة والانضباط»، كما هو مثبت، بشكل رسمي في وثائقها.
وبذلك تضع هذه المبادئ، الحركة فوق الحزب، ويستعمل الإطار الحزبي، فقط كمظلة سياسية، للتنظيم الأم، الذي يتحكم في كل هياكله ومواقفه وتحركاته. لذلك فالعمل الحزبي، بالنسبة للعدالة والتنمية، ليس سوى ضرورة مؤقتة، مصلحية وعرضية.
ولن نستغرب إذا كان خطاب هذا الحزب، مناهضا للظاهرة الحزبية، يعمل كل ما في وسعه، لتبخيس العمل الحزبي، وتمييع الساحة السياسية، وتحقير الفاعلين فيها، لأنه لا يؤمن بالحزب إلا كوعاء مفروض من أجل اقتحام المجال السياسي، والتسلل إلى هياكل الدولة، بينما تظل خلفيته الإيديولوجية والتنظيمية والمالية، تعمل بشكل مواز، لا تتأثر بتحولات السياسة، ولا تحاسب، كما هو شأن الأحزاب الأخرى.
وهذا ما يفسر خطاب رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، الذي يتهجم باستمرار، وداخل المؤسسة التشريعية، القائمة على العمل السياسي والحزبي والمدني، على المنتخبين والفاعلين السياسين والنقابيين والمجتمع المدني، مستهجنا الحوار الديمقراطي، المنظم بدستور وقوانين ومبادئ أخلاقية.
وإذا كان رئيس حكومة يستخف بهذا الشكل بالسياسة والسياسيين وبالأحزاب والبرلمان، لتدمير الظاهرة الحزبية، فما عسى أن تقوم به الصحافة التي تدور في فلكه؟
*عن جريدة الاتحاد الاشتراكي 27 فبراير 2015