وأنا في الطريق إلى تزنيت شدتني دوافع قوية أن ابحث عن مكان في الجوانب الوعرة التي تعطلت فيها مسيرة الإصلاح في عهد حكومتنا الحالية، كان المشهد جد مستفز حد التساؤل هل هناك نية مبيتة أن يقفل هذا الورش الهام في فك العزلة عن شعبنا في الهوامش، بالأوراش التي كنا سباقين في حكومة التناوب إلى فتح ملفاتها رغم كل التحديات المالية الكبرى،وهي السياسة الاقتصادية والاجتماعية التي خضناها بتحد كبير وعلى مسافة قليلة من إيقافنا للنزيف لحيلولة دون سكتة قلبية كانت بلادنا على مشارفها.
قلت ربما السوق المحاذي للطريق والمعروف بسوق ” مطيشة” سيكون فرصة أن أتناول غدائي المتواضع وأن انظر إلى وجوه البسطاء -اللذين يختارون نفس المكان بحثا عن رزق من شاحنات تدخل السوق لتوزيع ما جادت به الحقول المجاورة- لأنقل معاناتهم من وحل الحفر والمياه التي تسبب فيها إيقاف أوراش هامة أشرفت الحكومات السابقة على الانتهاء منها.
كان المشهد يرسم في وجوه من كان من شعبنا هناك، كما رسم في حديثهم الذي وصل إلى مسامعنا ليس خلسة بل جهرا عاكسا لضرب حقيقي للقدرة الشرائية و للمعيش اليومي، حتى كاد صبرهم ينفذ وهم يواصلون الحكي في انتظار “طجين” البسطاء الذي تمتد إليه عشرات الأيادي سدا لرمق الجوع تضامنا أو مساهمة فيه بدريهمات لا تؤثر إلى حد ما على ما جاد به كفاحهم اليومي من أجل “اللقمة الحارة”.تركت السوق بعدما دعوت البعض منهم لإشراكي طعامي، سعدت بمن تجاوبوا مع دعوتي للطاولة البسيطة، كما أسعدني النقاش العميق الذي وجدته في هؤلاء البسطاء المترددين يوميا على نفس المكان لا تمنعهم برودة الطقس ولا تراب الوحل بعدما رفعوا أكفهم إلى السماء طالبين من عز جلاله أن “يحد الباس”، في الزمن الرديء الذي جسده تقرير مناضلينا في الجهة ورسموا من خلاله تنصل حكومة القهر في بلادنا من وعودها وزادت سياستها العرجاء من ارتفاع الأسعار وتهميش البوادي والحواضر والتلكؤ في انزال الدستور الذي يضمن الكرامة والعدالة الاجتماعية.
وصلت الى تزنيت بعد مشقة، لم أكن أتصور بالفعل أن يحج الى دار الشباب المقاومة بتزنيت كل تلك الجماهير في افتتاح المؤتمر الإقليمي الثالث للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، كان الشعار يخط في بنطه العريض ويسطر في ممرات القاعة والمدخل النضال المستمر من أجل صون المكتسبات الدستورية والتصدي لكل أشكال التراجع والانتكاس”، عبارات نقلت الى ذهني نفس النقاش الذي دار بيني وبين بسطاء سوق “مطيشة” ذلك الاسم الذي عندما أذعته عن قصد في صفحتي على مواقع التواصل الاجتماعي، أشر على أن هناك من كتاب “الوجيبة” ومرتادي الصالونات المكيفة وحماة اللغات فوق المنصات المعلومة المؤدية إلى فنادق خمسة نجوم بعد قراءة وريقات مسطرة بمرجعية ” العم غوغل”، من مازال يقتات من بعض السلوكيات التي تتيح لهم إمكانية الاحتيال على مفهوم الباحث والبحث العلمي والمعرفي ببلادنا، بعدما أصبح السطو على مفهوم البحث ممارسة لإنتهازية البعض ووسيلة للارتزاق والتعالي على أولاد الشعب وبناته.
وهو الوضع الذي عرته باللسان الأمازيغي الفصيح المناضلة والكاتبة الأمازيغية النزهة اباكريم عندما اختارت أن تؤسس مداخلتها على ثقافة القرب التي نخوض معركتها في المجتمع انتصارا لشعبنا ولقضاياه اليومية في كافة المجالات. وزاد من اطمئناني عندما نقلت المعاناة الى كلمات مناضلينا في القيادة المركزية والمحلية والتي رصدت وضعا ينبغي مواجهة ضد الانتكاسات التي تتسرب بالفعل في الهوامش بغية الهدم غير المقنن والضبابي لكل المكتسبات التي أحرزناها مما يشكل تهديدا حقيقيا لتاريخ نضال وطن بني على أكتاف نسائه ورجاله بوعي عميق و مسؤول تم فيه التوجه للمستقبل بالتضحيات الجسام و بالانتقالات الديمقراطية الصعبة و”بالحراكات” المرقمة بأزمنة الرصاص الصعبة، يضاف لها اليوم الزمن الأصعب الذي يتجه صوب سرقة أحلامنا في بناء الوطن الذي ندافع فيه عن أحزاب قوية بمشاريع تعي دورها التأطيري وتعي معركة وطن في تحقيق الديمقراطية بالتنمية الحقيقية وبمسلسل التغيير الذي لا يمكن بناءه بالتضليل والدسائس و توهيم الشعب أن هناك قوى غيبية تتحكم في وضعه.، وأن قدره موشوم على جبينه حتى في الثقل الذي أنزلته الحكومة الحالية على ظهره، وأن لا مناص من الخضوع للقدر الذي نص رب العالمين فيه على أن يكون الحزب الذي حقق تراجعا في مكتسباتنا هو الحزب الذي يريده الله سبحانه وتعالى أن يحكم بلادنا من بوابة رئاسة حكومية تركت ثورة المغاربة في دستورهم الحالي وتوجهت إلى ضرب المجتمع والاقتصاد والسياسة والثقافة ومسلسل التنمية بتوقيف الأوراش الكبرى بغية بناء وطن غير الذي اتفقنا على معالمه الكبرى في الكرامة والحرية والعدالة والديمقراطية نحو وطن مفتوح على المجهول، بدأ بتسريب معنى مختلفا في فهم السياسة من بوابة المؤسسات الإستراتيجية في بلادنا وعلى رأسها السلطتين التنفيذية والتشريعية.