في ظل ما نعيشه من فوضى شاملة في الحياة كما في طريقة النظر إليها، في الإنسان كما في سبل تعريفه وتقييمه وتقدير استحقاقاته الإنسانية، سيكون علينا أن نتحدث عن كائن افتراضي اسمه المثقف وعن كيان افتراضي هو الآخر اسمه الثقافة.
فالتعريفات الأكاديمية الجاهزة لن تتمكن من إنقاذنا ونحن نواجه حقيقة ماكرة تقول إن صورة المثقف المستقل كانت قد محيت عبر عقود من الحكم الوطني وأيضا من المعارضة الوطنية. كان هناك سباق مريض، غير أنه كان قويا في الوقت نفسه بين المثقف وظله على أرض لم تكن قدماه تبلغانها. لم يعترف أحد، خوفا من فقدان آخر الخيوط التي تصل إلى الوطن الذي كان افتراضيا هو الآخر، أن تلك الأرض التي كان المثقف العربي يحملها معه أينما مضى، إنما هي الكذبة التي سيكون عليها في ما بعد أن تقول حقائق وجودنا في أسوإ لحظة تاريخية نعيشها، فيما العالم ينظر بدهشة إلى عبقريتنا في ابتكار طرق للانتحار الذاتي، مستلهمة من تاريخنا المليء بالعثرات بأسلوب مأساوي ساخر. كان المثقف العربي دائما منفصلا عن ذاته المتاحة واقعيا. شيء منه كان يقيم هنا وشيء آخر منه كان يقيم هناك. لا يهمني هنا تصفح أوراق المثقف العضوي كما رآه غرامشي، يهمني أن أتعرف على ما كانت عليه أحوال مثقفنا في مواجهة ما كنا قد توافقنا على تسميته بالتحديات المصيرية، وهو مصطلح غامض قد لا يكون مناسبا لوصف المصير، الذي كان يرتب الأوضاع ويشكل صوره أمامنا من غير أن نجرؤ على القبض على تحدّ واحد من تحدياته. هل كنا سلبيين إلى هذا الحدّ، ونحن نرقع هزائمنا بزخارف عقائدية، كانت البديل لوطنية مهمشة لم تمنع دروس التربية الوطنية في إخفاء رثاثتها العاطفية؟ توزع المثقفين بين ثنائية النظام والمعارضة أفقد الثقافة مسافتها الضرورية التي تتيح لها القدرة على النظر بإنصاف، وصادر حريتها في أن تخلص إلى الحقيقة، وأدخلها في متاهة الترويج. وهو ما أدّى في بعض الحالات أن يكون المثقف ماحيا للذاكرة بدلا من أن يكون حارسا لها. في وضع من هذا النوع كيف يمكننا أن لا نعترف بتدنّي قدرة المثقف على مواجهة التحدّيات؟ شاعر من العراق مقيم في السويد |
عن صحيفة العرب فاروق يوسف [نُشر في 22/02/2015، العدد: 9836، |