بقلم: مسعود أحمد
على غرار ما يحدث في أنحاء متفرقة من العالم، تشهد حكومات عدد من بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا حاجة ملحة ومتزايدة لاتخاذ إجراءات صعبة على المستوى السياسي من أجل تخفيض العجز الكبير في المالية العامة. ومما لا شك فيه أن تخفيض العجز ليس هدفاً في حد ذاته. لكن مستويات العجز في العديد من البلدان تضخمت للغاية وستؤدي في نهاية المطاف إلى الإضرار بالنمو والاستقرار المالي. وفي نفس الوقت، قد تسفر إجراءات تخفيض العجز عن ظهور آثار سلبية على النمو الاقتصادي في الأجل القصير. ومن ثم فإن السؤال الآن هو ما التدابير التي يتعين على صانعي السياسات اتخاذها لتخفيض عجز الموازنة مع الحد من الأثر السلبي على النمو الاقتصادي وعلى محدودى الدخل.
وقد توسعت الحكومات عبر بلدان المنطقة توسعا كبيراً في الإنفاق على الدعم والأجور طوال العامين الماضيين، وذلك لتلبية المطالب الاجتماعية ومواجهة زيادة أسعار الغذاء والوقود. غير أن الإيرادات العامة ظلت تتراجع لأسباب مختلفة، منها تباطؤ النشاط الاقتصادي على المستوى الإقليمي. ونتيجة لذلك، لا تزال البلدان المستوردة للنفط في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تواجه زيادة كبيرة في عجوزات المالية العامة المزمنة، من حوالي 5.5% في عام 2010 إلى متوسط قدره 8.5% من إجمالي الناتج المحلي في عام 2012.
وسوف يتعذر تحمل مثل هذه الزيادة في الاختلالات المالية لفترة طويلة. والواقع أن المجال لا يتسع في الفترة المقبلة لزيادة الإنفاق الحكومي. فقد ارتفع متوسط الدين العام في بلدان المنطقة إلى أكثر من 78% من إجمالي الناتج المحلي، وقد تصل الديون إلى مستوى لا يمكن الاستمرار في تحمله إذا تباطأ النمو بدرجة تفوق التوقعات أو ارتفعت أسعار الفائدة.
اختيار المسار الأمثل
عادة ما يقتضي تخفيض العجز اتخاذ تدابير لزيادة الإيرادات الحكومية، من جهة، وتخفيض الإنفاق من جهة أخرى. وبالنسبة لزيادة الإيرادات فيمكن أن تتحقق برفع المعدلات الضريبية أو بتوسيع القاعدة الضريبية. وتتحقق هذه الأخيرة بتنفيذ التدابير الإصلاحية التي تهدف إلى زيادة كفاءة النظام الضريبي وحل مشكلتى التهرب والتجنب الضريبي. أما تخفيض الإنفاق الحكومي فيقتضي خفض المصروفات الجارية (بخلاف الفوائد) والرأسمالية.
ومن شأن مراعاة التوازن بين المكونات المختلفة للإيرادات والنفقات أن تساعد في التخفيف من الآثار السلبية على النمو من جراء تنفيذ تدابير خفض العجز. ويوضح الشكلان البيانيان 1 و2 بعض التدابير المختارة في مجالي الضرائب والإنفاق في بلدان المنطقة المستوردة للنفط، مرتبة حسب أثرها على الناتج في الأجل القصير، علماً بأن هذا الترتيب مستمد من تحليلات الصندوق السابقة للاقتصادات المتقدمة.
وعلى جانب الإيرادات، يلاحظ أن ضرائب الممتلكات وضرائب المبيعات هي أقل أنواع الضرائب ضرراً على النمو. وفي المقابل نجد أن الضرائب على التجارة وضرائب الدخل هي الأكثر ضرراً على النمو. وتندرج مصر ضمن اقتصادات المنطقة المستوردة للنفط التي لديها أكبر فرصة لإعادة توازن ضرائبها بحيث تتجه نحو الأدوات ذات التأثير المحدود على النمو. أما جيبوتي والأردن والمغرب فتندرج ضمن الاقتصادات الأقل حظاً في هذا الشأن.
وعلى جانب النفقات، يلاحظ أن المزايا الاجتماعية والدعم هي أقل التدابير دعماً للنمو، بينما يلاحظ أن المصروفات الرأسمالية هي غالباً أكثر الأدوات دعماً للنمو. ويصل الإنفاق على الدعم إلى أعلى مستوياته في كل من مصر والأردن ولبنان والمغرب وتونس، مما يعني أن المجال يتسع لخفض هذا النوع من الإنفاق دونما تأثير يذكر على النمو. وفي المقابل، يصل الإنفاق الرأسمالي إلى أدنى مستوياته في كل من لبنان والسودان وتونس مما يعني أن المجال متاح لزيادة هذا النوع من الإنفاق.
ومن أهم الأولويات المالية في المنطقة استخدام شبكات الأمان الاجتماعي التي تستهدف المستحقين، بحيث تكون بديلاً لنظام الدعم المعمم الذي لا يوفر المساندة الكافية للفقراء إلى جانب ارتفاع تكلفته. وعلى سبيل المثال، يلاحظ أن الخُمس الأغنى من السكان يستفيد من ثُلث دعم الطاقة في مصر. وتشير أبحاثنا إلى تشابه هذا الوضع في كثير من البلدان الأخرى في المنطقة.
للجودة أهميتها أيضاً
هناك حاجة ماسة بوجه عام لتحسين جودة الإنفاق الحكومي في بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بهدف تحقيق آمال شعوبها وتلبية احتياجاتها الاجتماعية، الأمر الذي سيفسح المجال لزيادة الإنفاق الاستثماري والحد من العجز المالي الذي يتسبب في رفع مستويات المديونية ومزاحمة القطاع الخاص فيما يحتاجه من قروض.
ومن شأن سياسات الإصلاح الهيكلي الرامية إلى زيادة الإنتاجية الكلية في الاقتصاد، وبالتالي زيادة النمو المحتمل، أن تعوِّض الأثر السلبي لتدابير التقشف المالي.
ومن المفترض أن يؤدي النجاح في تنفيذ هذه المبادرات المعنية بتحسين جودة الإنفاق وإعادة التوازن بين مكونات زيادة الإيرادات والإنفاق إلى زيادة فرص العمل وتحسينها، وتحقيق نمو اقتصادي أسرع في بلدان المنطقة ليعود بالنفع على الجميع.
عن موقع النفدة الاقتصادية…منتدى صندوق النقد الدولي