عن جريدة الاتحاد الاشتراكي
الاثنين 9 فبراير 2015
حصلت «الإتحاد الإشتراكي» على نسخة من الجزء الرابع من سلسلة «خواطر الصباح» للمفكر المغربي عبد الله العروي، التي تعتبر السلسة الأقوى ضمن تأملات هذا المفكر المغربي الكبير، حول أحداث المغرب والعالم، والتي وضع لها عنوانا دالا «المغرب المستحب أو مغرب الأماني». كونها تمتد على سنوات 1999/ 2007، التي تعتبر عمليا لحظة خصبة جدا في المشهدين السياسي الوطني والدولي. فهي السنوات التي شهت انتقال الحكم في المغرب من الملك الراحل الحسن الثاني إلى الملك محمد السادس، مثلما شهدت تجربة حكومة التناوب بقيادة الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي، ثم حدث عدم «احترام المنهجية الديمقراطية» بتعيين تكنوقراطي وزيرا أول سنة 2002، ثم الأحداث الإرهابية ليوم 16 ماي 2003، وقبلها عالميا أحداث 11 شتنبر 2001، ثم غزو العراق وإسقاط صدام حسين سنة 2003.
إن اللغة المعبر بها من قبل المفكر عبد الله العروي ضمن هذه الخواطر، مختلفة، معرفيا، عن اللغة المتضمنة في الأجزاء الثلاثة السابقة عليها. ما يجعل قارئها يكتشف عبد الله العروي آخر، ناقدا، ويقدم أوليات للجسم السياسي المغربي كي يمارس نقدا ذاتيا على مسار ما أنتجه من مواقف وتطورات خلال السنوات التي تلت انتقال الحكم والتناوب. ولقد تحدث العروي بجرأة معرفية، رغم أن السياق المؤطر للكتاب هو أنه مجرد «خواطر». جرأة ترسم خريطة تحليلية للوقائع، لم تصدر أبدا بذات الوضوح من مثقف مغربي حتى الآن. حيث إنه خلص في ملاحظاته، التي ظل يدونها في تواريخ متلاحقة، تبعا لتلاحق الأحداث، إلى أن البنية التدبيرية سياسيا في المغرب لم تتغير عن ما حدث بعد إقالة حكومة عبد الله إبراهيم، وأن السياقات تتشابه، بل تكاد تتطابق، مقدما الأدلة التاريخية على ذلك. مثلما وجه انتقادا لاذعا للحركات الأصولية بالمغرب، على اعتبار أنها تلعب دور المنفذ الذي لا يجادل، مما يعتبر أول نقد معرفي من مفكر مغربي من وزنه لسيرة تلك الحركات الأصولية في علاقتها بالسلطة. مثلما ربط ذلك كله بالبنية الثقافية للمغاربة، التي وجه إليها نقدا عميقا عبر جمل قفل.
لقد اعتبر أن أي تغيير جوهري لم يدخل على المخزن، متسائلا كيف يمكن تصور إصلاحه اليوم. متوقفا عند قرار إقالة إدريس البصري من منصبه كوزير للدولة في الداخلية، الذي رأى فيه تكرارا لأسلوب كلاسيكي في التخلص من بعض المسؤولين المنفذين بالنظام، معتبرا أنه لو كانت هناك إرادة للتجديد حقا لاتبعت مسطرة أخرى مثل مطالبة اليوسفي بتقديم استقالة الحكومة بمناسبة وفاة الملك الحسن الثاني وتكليفه بتكوين حكومة جديدة لا يشارك فيها البصري، وفي ذلك إشارة قوية بالنسبة له أن التناوب له من حينها أساس دستوري. مثلما توقف عند رسالة الشيخ عبد السلام ياسين « إلى من يهمه الأمر» متسائلا كيف يتكلم الكاتب عن الإسلام عامة وغرضه أن يتكلم فقط عن المغرب. بالتالي كان عليه أن يتحدث عن المغرب ويعرض عن إقحام الإسلام، حتى والغاية بالنسبة له هي مخاطبة صاحب الأمر مباشرة خارج القنوات الدستورية. مثلما توقف عند خرجات الأمير مولاي هشام، الإعلامية في جريدة «لومند» الفرنسية وفي قنوات تلفزية، ليخلص إلى أن الأمير مخطئ حين يحاول إسقاط نموذج الشرق على المغرب. متسائلا عن السر في الحملة الفرنسية الإعلامية ضد الرباط، وكذا حملة إعلام فرنكفوني اقتصادي بالمغرب، على تجربة حكومة اليوسفي، وأن تعيين جطو وزيرا للداخلية كان جوابا لطمأنة تلك الجهات على أسباب خرجاتها. معتبرا أن نشر رسالة الفقيه البصري جزء من ذلك السيناريو المستهدف لليوسفي.
مثلما تساءل في إحدى خواطره عن السبب في عدم اعتقاله في الستينات رغم أن كل التقارير كانت تصل على مدى قربه من المهدي بنبركة ومن الإتحاديين. وقدم تفسيرا خاصا لذلك أن جهة ما في جهاز الأمن حمته دون أن يعلم هو شيئا عن ذلك. فيما يعتبر تأويله لأحداث 11 شتنبر 2001، جد جريئ، يفهم منه بالمعلومات، أنه سيناريو معد سلفا، وأنه أمر أكبر من جماعة بن لادن، الذي هو أصلا كان حليفا لواشنطن وعلى علاقة مع جهاز مخابراتها. معتبرا أن الجماعة البروتستانتية المتطرفة ببنية السلطة الأمريكية غير بعيدة عن ذلك السيناريو، خاصة وأنه حلل بدقة من استفاد من ذلك الحادث الذي هز أمريكا. ونفس الرؤية النقدية مارسها على أحداث 16 ماي الإرهابية بالدارالبيضاء سنة 2003، التي شبهها ببعض ما دفع إليه جزء من اليسار المغربي في الستينات. وبعد أن قارب سؤال الدين إسلاميا ومسيحيا ويهوديا بمنهج المعرفة التاريخية، خلص إلى نوع من القراءة لتجربة حكومة التناوب التي اعتبر أنها لاشك خدمت البلاد لكنها يقينا لم تخدم الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية. فالكل استفاد، بمن فيهم الإسلاميون إلا الإتحاد. معتبرا في لغة بليغة: «قد يقال، كل ذلك من أجل الوطن. كلمة يفهمها المؤرخ لا المناضل».
إن خواطر العروي حول «المغرب المستحب أو مغرب الأماني» ستخلق الحدث أكيد خلال الدورة الجديدة للمعرض الدولي للكتاب، هي التي صدرت عن المركز الثقافي العربي ببيروت والدارالبيضاء، لأنها تقارب واقعا آنيا لا يزال طازجا في حياة المغاربة والعرب والعالم، من موقع المفكر المتأمل، وهنا قوتها، جرأتها وأهمية الأثر الذي ستخلقه عند الرأي العام المغربي والعربي.
الجمعة 30 يوليو1999
صلاة الجمعة
أول خروج رسمي من القصر إلى مسجد السنة حسب التقاليد العتيقة: اللباس سليماني، العربة عزيزية، والعودة إلى القصر على صهوة جواد أسود كما في لوحة دولا كروا. وبما أن عدسة التصوير كانت تبتعد لتلم اللقطة رحاب القصر كانت قسمات الملك الشاب تختفي وتنحل في صور من سبقه علي العرش. لم يعد أي فرق بين الحاضر والغائب.
ثم عاد إلى القصر ومد يده للتقبيل.
واضح معنى التقليد: ذوبان شخصية الفرد في أمثولة (راموز) قاهرة للزمن منافية للتغيير. من لا يخضع للأقنوم لا يكسب الشرعية. وإذا خضعت وكسبت الشرعية، من أين يتسلل إلى ذهنك فكر الإصلاح؟ كل ما فعله الحسن الثاني هو أنه أقر ما نتج عن الحماية، أي ازدواجية النظم، الامرالذي يناقض شمولية الإسلام المزعومة. لم يدخل أي تغيير جوهري على المخزن. فكيف يتصور إصلاحه اليوم؟
المهم ليس ما نتصوره نحن، إذ ننظر إلى الأشياء من الخارج، بل ما يتردد في ذهن الفرد الذي كان يسمى كذا والذي سيتحول بعد أيام معدودات إلى رقم داخل متوالية اسمية.
الملاحظ إلى حد الساعة أنه يقدم رئيس الحكومة ولا يتصل، ظاهريا، مباشرة بالوزراء، سيما وزير الداخلية. هل يصبح هذا التصرف سنة؟ هل يستطيع اليوسفي مع سنه المتقدم وصحته المتداعية أن يكون دائما تحت اليد؟ إذا لم يكن، وفرض البصري حضوره، كما كان يفعل مع الملك الراحل، إذا أعطى الدليل على أن لا شيء يتحقق إن لم يكلف به هو عندما نعود بسرعة إلى النظام القديم ولا يقوم في وجه ذلك التطور رأي الملك الشخصي ونفوره من البصري.
كل ما قلناه عن الوفاء للتقاليد سيتركز أكثر عندما ينظم حفل البيعة للعامة يوم 20 غشت بمناسبة ثورة الملك والشعب.
لا أنتظر أي جديد من خطاب اليوم. سيكون في شكل خطبة وعظية يعزي فيها الملك الشعب المغربي على فقدان قائده، يشكره على ما أبداه من وفاء للأسرة المالكة ويدعوه إلى الصبر وملازمة الهدوء.
الثلاثاء 3 غشت
رغم ما قيل في الخارج من حق ومن باطل، ورغم الاشاعات التي أطلقت ولاتزال منذ أسبوع، منها زواج الملك وعزمه على إلغاء تقبيل اليد، يبقى أن السمة الغالبة على كل الأنشطة الرسمية الحفاظ على تركة الحسن الثاني بكاملها. قد يقال إن الأشخاص أنفسهم لا يزالون يعملون في القصر والكتابة الخاصة والديوان وإنه غير المعقول أن ينتظر منهم أي تغيير جوهري في التصرف أو الأسلوب.
كان واضحا يوم الجمعة أن أعضاء الحاشية تعمدوا تقبيل اليد مرتين كما لو كان في الأمر «»طبع«« الحكم الجديد، وضع علامة الوفاء والإخلاص. كما كان واضحا أن الخطب التي ألقيت باسم الملك حررت بالأسلوب نفسه وتليت بالنبرة العتيقة التي ميزت السنوات الأخيرة من حكم الحسن الثاني.
لا أتصور كيف يمكن التخلي عن كل هذا الإرث إذ الإجراء، لو تقرر، سيأخذ بالضرورة مظهر العقوق والتنكر، في حين أنه، لو حصل في البدء، في مطلع العهد الجديد، لاعتبر سهوا أو مجاراة لهوى الحكومة الحالية.
لابد من مقارنة ظروف اعتلاء الحسن الثاني العرش وتلك التي تحيط اليوم بالملك الجديد. كان محمد الخامس قد أسند الحكومة سنة 1958 إلى عبد الله ابراهيم المدعوم من طرف النقابات. كانت إذن حالة تناوب بعد الحكومات الائتلافية التي أعقبت الاستقلال ثم أقيلت الحكومة اليسارية على أثر حملة عنيفة شارك فيها حزب الاستقلال (الجناح المحافظ بعد الانقسام) وبقايا أحزاب الأقلية (الشورى والاستقلال وحزب الحركة الشعبية) والمستقلون الذين كانوا على اتصال بولي العهد. مات محمد الخامس في هذه الظروف التي تفسر الكثير مما حصل لاحقا. بدا وكأن اليسار المبعد من الحكم قبل شهور قليلة والذي كان يمارس نوعا عنيفا من المعارضة، يعبر عن تيار ثوري جمهوري ناصري وإن لم يقل ذلك صراحة. هذا وفي الجزائر المجاورة الثورة على وشك الانتصار. فكان من الطبيعي أن يستند الحكم، أي الملك الشاب الجديد إلى المحافظين وهم الأغلبية في بلد محافظ.
دار الزمن وقرر الحسن الثاني أن يسند الحكومة إلى ورثة يسار 1960. لا أدل على ذلك من اختيار اليوسفي عوض بوستة. خطوة لا تفهم إلا إذا افترضنا أن الحسن كان واعيا بخطورة مرضه. لكن الجناح المحافظ، الممثل في الحكومة والإدارة والقصر، كان يستعد لإعادة تمثيل مسرحية 1960، وذلك بإقالة حكومة اليوسفي بدعوى أنها لم تف بوعودها إذ لم تحل المشكلات الاقتصادية ولم تخفف من حدة التوترات الاجتماعية ولا أرضت الطلبة الغاضبين. من يتذكر افتتاحايات مجلتي »»دموكراسي»« «و»لي فار»« ير على التو التشابه مع ما كان ينشر في يومية»»لكونومست«« كان يقال جهرا إن التناوب يعني عودة المبعد بعد أن اتضح إخفاق تجربة اليسار أو على الأقل إجراء تعديل بإبدال رئيس الحكومة المسن بآخر شاب ينتمي ظاهريا إلى الاتجاه نفسه والذي أعد منذ أعوام ليحتل المنصب. تظل الحكومة تناوبية بالاسم مع أنها سلطانية في الواقع.
ثم توفي الحسن الثاني، ربما قبل أن تطبق الخطة.
الهدف الآن هو جر الملك الجديد إلى أن يسير في هذا الاتجاه، أن يصبح صورة طبق الأصل للحسن الثاني باسم الوفاء والضرورة السياسية. وإذا تم ذلك فالخطة السابقة ستنفذ لا محالة، بل قد يكون تطبيقها أسهل وتضيع كل آمال التغيير.
الثلاثاء 9 نونبر
جاء في الأخبار أن البصري قد أقيل من منصبه. يقول مراسل ب ب س إن السبب هو مظاهرات العيون المطالبة باستقلال الاقليم. وهو ما نفاه المغاربة ولم يؤكده الفرنسيون. تنبأ الكثيرون بسقوطه، لكن بعد عدة شهور حتى لا يظهر الإجراء بمظهر الانتقام.
سيرحب أغلب الناس بطرد البصري لأنه عاد يمثل رمز النظام البائد. لكن المهم في الأمر هوالمسطرة المتبعة. كما في قضية السرفاتي اتبعت الأساليب القديمة. طرد كما كان يطرد في أيام الحسن الثاني لو استمع هذا الأخير لما كان يقال حوله من أن وزير الداخلية يكذب عليه باستمرار ولا يطلعه على الواقع. والتذمر من البصري كان منتشرا بين ضباط الجيش. لكن الحسن كان يعلم أنه ليس وحده من يخفي بعض الحقائق المقلقة فكان يتبع، معه ومع غيره، سياسة »»أدي الكذاب حتى باب الدار««.
لو كانت هناك إرادة تجديد حقا لاتبعت مسطرة أخرى. مثلا مطالبة اليوسفي بتقديم استقالة الحكومة بمناسبة وفاة الحسن الثاني وتكليفه بعد حين بتكوين حكومة جديدة لا يشارك فيها البصري. يكون في ذلك عودة إلى ظروف تأسيس حكومة التناوب وإشارة قوية إلى أن التناوب له من الآن أساس دستوري.
حصل ما حصل في غياب الوزير الأول المشارك في مؤتمر الأحزاب الاشتراكية المنعقد في باريس وللأر دلالة!
الأربعاء 10 نونبر
يقال عن البصري الكثير في الصحف الوطنية والأجنبية. ينسى الجميع أنه لم يكن قط وحده فارس الميدان. حتى في مجال السياسة الداخلية كان دائما أناس يعارضون آراءه. لم يكن قط وحده مخطط السياسة، لا أيام القمع ولا أيام الانفتاح. ثم فوق كل هذا رأيناه يتربى شيئا فشيئا، على يد من؟ قد يشك المرء في كونه تقدم يوما باقتراح ما. المشاهد هو أنه كان يستدعى ليستمع إلى أمر ويكلف بتنفيذه دون أن يطلب منه الكشف عن الوسائل. أريد أن أسمع النتيجة والنتيجة فقط. هذا ما كان يقال له في كل مناسبة. كسابقيه سقط في مصيدة.
يروي أحد الصحفيين أنه قال له: سأخدم الابن كما خدمت الأب. أنا من «»أولاد الدار«« مسكين! كلام يدل على جهله. كيف لا وقد سمعته يستفسر عن أصل لفظ دستور!
لو كان حقا من أولاد الدار لأعفاه الحسن الثاني من وزارته قبل وفاته إذ يقال اليوم إن كل ما حدث بعد الوفاة كان مخططا.
أراه يتقدم في مطار الرباط للسفر خارج المغرب. فيسأله شرطي الحدود: هل لك رخصة! عندها سيعرف معنى حقوق الانسان.
لكنه لن يفعل ذلك لأنه يعرف المسطرة.
الأربعاء 12يناير2000
يبدو أن المخاوف التي عبر عنها الكثيرون بمناسبة حلول رأس الألفية الميلادية الثالثة غذتها مصالح أمريكية لأغراض مشبوهة. قبل إن الحواسيب لا تستطيع أن تميز 1900 و2000 إذ أساس التعداد لديها شفعي أي ثنائي لا يعرف إلا 0 و1. قيل أن مصالح عديدة قد تتوقف، من وسائل النقل إلى البنوك والمفاعلات النووية. عم الفزع وأنفقت أموال طائلة لتفادي الخسارات المرتقبة. ثم لم يحدث إلا ما يحدث عادة في خواتم السنة: هبت رياح عاتية، هطلت أمطار غزيرة، تحطمت حاملات النفط فلوثت السواحل. سقطت آلاف الأشجار فانقطع التيار الكهربائي والهاتف في مناطق عديدة من أوربا وأمريكا.
يعتقد البعض أنها كانت حيلة لجأت إليها الولايات المتحدة للكشف عما تبقى من أسرار لدى خصومها.
كل من يأتي إلى المغرب أيام رمضان يلاحظ باشمئزاز ما يلحق الناس من وهن في تفكيرهم وسلوكهم. مدة شهر كامل تتوقف الحركة في البلد، لا أحد يود أن يشتغل لأنه يعتقد أن الصوم شغل في حد ذاته، وأن المطالبة بعمل آخر غُبن. لا حق لأحد أن يطالبه بأكثر من الحضور وتمضية الوقت، لا الدولة ولا رب العمل ولا الزبون، إذ هو أثناء الصوم في خدمة من هو أعلى من كل أولئك. معنى هذا السلوك أن العقد الاجتماعي يُفسخ وأن كل فرد يعود »سيد نفسه«، بل قد يتخيّل البعض أنه هو صاحب سلطة. روى أحد الفرنسيين المقيمين في البيضاء أنه أتى إلى الرباط في مهمة. كان يقود سيارة وكعادته كان يدخن، فأوقفه شرطي السير قائلا: ممنوع التدخين في رمضان. أجاب: أنا فرنسي (يعني غير مسلم). فطلب منه الشرطي ورقة التعريف. كان من حق هذا الشرطي أن يوقف السائق، لأن التدخين داخل السيارة يمثل خطراً، لكنه لم يتصرف على هذا الأساس. تصرف لا كخادم الدولة، بل كنائب عن الله (عبد اللَّه).
تعميم هذا التصرف يؤدي حتماً إلى انحلال الدولة. لذا نرى تواضع أصحاب النفوذ أمام المساكين في انتظار أن ينتهي شهر الصيام.
سر ازدواجية السياسة الرسمية؟ ما يشاع من تنامي قوة الحركة الاسلامية. السلطة تتحبب للإسلاميين، تسترضيهم، تغازلهم على أساس أنهم وحدهم يستطيعون المشاغبة، لأنهم من جهة لا يملكون شيئاً، ومن جهة يدعون إلى خضوع مطلق.
القسم المحرر من المجتمع هو الذي يملك شيئاً ما. خضوعه مؤقت، ناتج عن الركود الاقتصادي. الثروة لا تزيد فيما عدد المشاركين فيها يرتفع بانتظام، الشعار إذن هو أحمد الله وأسكت (زمّ تسلم). إذا ما نشط المحرك الاقتصادي وتضاعف الناتج القومي وبدأ النمو السكاني يتناقص، ارتفعت حتماً الدعوة إلى التحرر والانعتاق. فهؤلاء إذن حلفاء مؤقتون. أما الإسلاميون فهم معارضون بالقوة إذا لم يسمع لهم. متى سمح لكلامهم كانوا أوفى الأوفياء.
ليس من الضروري أن تكون الأمور بهذا الوضوح. السياسة غريزة. قد يكون التوافق في جوف التعارض وقد يكون العكس.
السبت 12 فبراير
الكلام على رسالة منشورة في الأنترنيت بثلاث لغات حررها قائد إسلامي ووجهها إلى من يهمه الأمر.
كيف يصح الكلام على الإسلام عامة والعالم الاسلامي، كما نراه، في غاية التمزق والتباين؟ من عدم المسؤولية أن يفوه المرء بحكم وهو يعلم أن المغرضين سيطبقونه على مجموع المسلمين. غرض صاحب الرسالة أن يتكلم على المغرب؟ ليفعل ويعرض عن الاسلام.
يتكلم على الإسلام، لأنه يمثل الوسيلة الوحيدة التي تمكنه من مخاطبة صاحب الأمر مباشرة خارج القنوات الدستورية. كما لو قال: الدستور لا يجدي. أنا أخاطب أمير المؤمنين، ولكي يتأتى لي ذلك، لابد من أن أعتمد مرجعية إسلامية.
الموقف الصحيح هو إذن أن تعتبر الرسالة إجراء فردياً، لا تهم الحكومة أو الأحزاب أو المثقفين. إلا أن الجميع يتحاشون ذلك حتى لا يقال إنهم يدفعون الملك إلى الواجهة، في حين أنه يحتاج إلى ستر وحماية.
يجب معارضة المبدأ لا مناقشة التفاصيل.
الاثنين 13 مارس
تركز الصحافة الاقتصادية على الأخبار السلبية: ارتفاع سعر البترول وسوم الدولار، وانخفاض المحصول الزراعي للسنة الثانية، ترجيحاً لحكم أحد الملاحظين الحاقدين: هذه حكومة منحوسة.
ثم جاءت الضربة الموجعة من جهة الحركة النسوية. كان تحسين وضعية النساء من أبرز نقاط برنامج الحكومة. وقع تأخير وفاتت الفرصة، كما هو الأمر في حقل الإعلام. سجنت الحكومة نفسها في قفص الاقتصاد، مع أنها تعلم أن حريتها محدودة في هذا المجال. هي اليوم في وضع حكومة عبد الله إبراهيم. متى أراد الملك ذلك استغنى عنها.
عملت الحركة النسوية على استمالة الرأي العام الخارجي والتأثير على الحكومة، كما لو كانت هذه الحكومة حرة في كل تصرفاتها. وقع ضغط كبير على الحزب الشيوعي وظل الحزبان الرئيسان في الائتلاف الحكومي على الهامش. فأعطيت للحركة الإسلامية فرصة ذهبية لإظهار شعبيتها، مدعومة بدون شك من بعض أعضاء الحكومة ذاتها كوزير الشؤون الاسلامية.
سيقول حزب الاستقلال: لم يأخذ برأينا وهو يحسب حسابه، كما فعل بعد سقوط حكومة عبد لله ابراهيم.
مسألة كان يمكن تحاشيها بسهولة وكشفت عن التباسات لا حد لها داخل النظام الحالي.
الأحد 16 أبريل
أستنتج من قراءة كتاب ستراتشي عن الملكة فكتوريا أن أفكار الثورة الفرنسية قد غزت كل دول أوربا حتى تلك التي حاربتها. لا يوجد »تراجع« حقيقي في التاريخ الأوربي الحديث. الملكية المطلقة، كنظام سياسي شامل، يمثل في الواقع نهاية الملكية القديمة، إذ أخضعت في الوقت نفسه الكنيسة وطبقة النبلاء ونزعت عن المؤسستين هالة التقديس. ربما السبب البعيد وراء هذا التطور اختفاء الخوف من الهيمنة الاسلامية التي كانت الدافع لتقويتهما في أوج العهد الوسيط. ما سمي بالفكر الفلسفي (أو الأنوار) هو في الحقيقة نتيجة متأخرة لنظام الملكية المطلقة. بعد الثورة لم يعد يسع الكنيسة أن تبرر وجودها بأمر إلهي، فاتجهت نحو النشاط الخيري، بل دعت إلى تحقيق العدالة الاجتماعية. هذا واضح عند بعض الكُتَّاب الرومنسيين. في الوقت نفسه، استقلت الملكية عن طبقة النبلاء وبحثت عن دور جديد. قالت إن الملك هو عماد الحكم الدستوري. السلطة التي تمنح له، بتفويض من المجتمع الشعبي، هدفها الحفاظ على التوازن بين الحكومة والبرلمان والجيش والقضاء والإدارة. هنا يتضح دور الألمان، بل دور بروسيا، في هذا التصور. وهو ما أوضحه ستراتشي عند كلامه على الأمير ألبرت، زوج فكتوريا، على تربيته، أشغاله، تهذيب زوجته، كسبه عطف الساسة الإنجليز بعد تحفظ واضح. فنفهم لماذا تهافتت الدول الناشئة في أوربا الشرقية على اختيار ملوكهم من ألمانيا. لا يهم كونهم أجانب غرباء، إذ المطلوب منهم القيام بدور اجتماعي محدد. هذا التطور هو الذي جعل من مفهوم الدستور أساس النظام السياسي. حتى النظام الملكي المطلق داخل في هذا الإطار، إذ لا علاقة له بالملكية المطلقة الوسيطية أو الشرقية. هذه كانت في خدمة الخالق وتلك في خدمة المخلوق. العلمانية حالة تاريخية وليست دعوة إيديولوجية.
السؤال المحيّر هو الآتي: هل الحسن الثاني كان يعرف هذه النظريات، أم كان يشعر بها تلقائياً، إذ تعمد تأخير تحقيقها بكل الوسائل؟ أم هي المصادفة التي تكتسب معنى في إطار تحليل كالذي نقوم به هنا؟
السبت 2 دجنبر
نشرت أسبوعية »لوجورنال« رسالة منسوبة إلى محمد البصري ينتقد فيها سياسة رفاقه في حزب اتحاد القوات الشعبية ويتهمهم بالضلوع في محاولة أوفقير الانقلابية. الغرض واضح: إحراج اليوسفي ونسف ما ترسخ من ثقة بينه وبين الملك الشاب. لم ينف البصري ما نسب إليه، واضطر حزب الاتحاد إلى الرد على الجريدة. كانت تكون ضجة لو كانت الصحيفة تصدر بالعربية، ولو لم يستغل الفرصة أعداء المغرب في فرنسا للتهجم على حكومة التوافق.
اللافت هو عدم التعامل سياسياً مع فحوى الرسالة، بل اكتفى الحزب بالتأكيد على ولائه للعرش. إن كانت مناورة فقد نجحت، إذ أرغمت الاتحاد الاشتراكي، بعد حزب الاستقلال، على العودة إلى حظيرة المخزن. منطق العملية هو أن لا تبدو الحكومة الحالية مخالفة لسابقاتها. وذلك في أفق الانتخاتبات المقبلة، حتى يمكن القول، إنه لا فرق بين هؤلاء والآخرين. كلنا مغاربة، كلنا مسلمون، كلنا ملكيون.. لا ميزة لحزب على آخر. التناوب هو إبدال خادم بآخر، زيد بعمرو، هذا ما يود النظام أن يسمعه ويُسمعه للشعب.
لم يُذكر أحد بالحقيقة وهي أن الحسن الثاني هو الذي اتهم رسمياً المعارضة بالضلوع في محاولة أوفقير. قال إنها أرادت أن تختزل الطريق إلى الحكم ونسيت أن حليفها كان سيتخلص منها، كما فعل ثائر آخر قبل سنوات في بلد مجاور، مومئاً إلى انقلاب بومدين.
لا جديد إذن في التهمة سوى التوقيت. لماذا الآن، في وقت تهاجم فيه صحف أخرى الحكومة على عجزها؟ قلت من البداية، إن الوعد إلى اليوسفي ـ بأن يبقى على رأس الحكومة إلى نهاية الولاية الحالية ـ قد لا يتحقق، وإن فكرة حكومة تقنوقراط تسهر على انتخابات مبكرة قد تُراود الكثيرين. ليس من المصادفة أن يسحب الخطيب مساندته للحكومة. لاشك عندي في أن نشر الرسالة داخل في هذه الخطة.
يبقى دور فرنسا. مصلحة بعض الدوائر الفرنسية على أقل تقدير هو باستمرار إضعاف الجانبين، وذلك في إطار المغرب الصغير أو المغرب الكبير. استفاد اليوسفي من هذه السياسة، عندما كان معارضاً وهو اليوم ضحيتها.
لا أحد يقبل الإصلاح إلا مكرهاً.
الثلاثاء 5 دجنبر
اتخذ اليوسفي على حين غرة. فخبط خبطة عشواء. منع ثلاث صحف مناقضاً بذلك موقفه المبدئي السابق وأعطى للرسالة المنشورة أهمية لا تستحقها.
لو كنا نعيش في جو ديمقراطي حقيقي مقبول لدى الجميع، لكان الرد على مستويات ثلاث: رد قضائي بالنسبة إلى بعض الصحفيين، رد سياسي في شكل ندوة صحفية أو استجواب تلفزي، كما كان يفعل ميتران في مناسبات مماثلة، ورد أكاديمي يشارك فيه المؤرخون والمعلقون السياسيون. كل رد يتناول جانباً من القضية، جانب مهني (ما يجوز نشره في الصحف وما لا يجوز)، جانب مسطري (كيف يقدم الصحفي نصاً خلافياً)، جانب تاريخي (فحص مضمون الرسالة). وتشارك العملية كلها في تطوير الوعي السياسي بين المواطنين. ما أبعدنا عن هذا الجو: الخلاصة إذن هي أننا نعود القهقهرى بانتظام، والمسؤولية مشتركة.
الأربعاء 3 يناير2001
تصفحت كتاب عبد اللطيف جبرو عن محاكمة خريف 1963. أتعجب، بعد كل ما قرأت، كيف لم يلق عليّ القبض كما ألقي القبض على الكثيرين لا لسبب سوى أن اسمهم ورد في رسالة أو في تصريح. قضيت صيف 1962 في القنيطرة وشهدت مرارا برفقة مومن الديوري، طوال سنة 1963 كنت على اتصال بالمهدي بن بركة في جنيف وفي باريس، ثم كنت أقابل التهامي الأزموري.. إلخ. هل كان في ديوان أوفقير من يعرفني شخصيا ونفى عني كل تهمه؟ واجهت مرة أحدا من معارف الصبا كان ضابط شرطة في القنيطرة وحاول أن يومئ إلي أنه كان على اطلاع بتحركاتي لدى عودتي من باريس بعد أن فصلت عن وزارة الخارجية، ربما كان يود أن يفهمني أنه حماني. مع ذلك لا أتصور أن ذلك هو السبب.
أجد صعوبة في استحضار تلك الأجواء. أشعر فقط أني ما كنت لأكتب ما كتبت آنذاك لو لم يغمرني اليأس من العمل داخل التنظيمات القائمة.
السبت 2 يونيو
أكتب بعض الورقات حول مغرب الحسن الثاني ولا أدري هل أقدم على نشرها. أراجع ما كتبته في هذه الكنانيش، فألاحظ تكرارا كثيرا، لأن أوضاعنا راكدة. أقرأ عند شيكسبير: نادرا ما يخلف الأفضل.
نشرت يومية الإكونومست الضالعة في حملة التشهير بالحكومة الحالية، بعد أسبوعية جون أفريك، ملخص تقرير صدر عن مجلس الشيوخ الفرنسي بقلم أحد الاشتراكيين الذي كان وزيرا في عهد فرانسوا ميتران. يتضمن التقرير أحكاما قاسية على المغرب مقارنة بتونس (الفقر، الأمية، البطالة، سوء التغذية… إلخ). مأخوذة كلها عن تقارير سابقة استعملت بإسهاب عند وفاة الحسن الثاني.
وبالطبع لا أحد يفحص هذه الأرقام ويؤولها، إذ الغرض من عرضها هو رسم سياسة معينة في شأنها وذلك لا يكون إلا بتأويلها سياسيا.
أعني بالفحص والتمييز ووضعها في سياقها التاريخي، وإلا لا فائدة من مقارنتها بأخرى عن دول أجنبية. هنا يكمن سر إخفاق توجيهات البنك الدولي. يكتفي موظفو البنك بمقابلة الاجراءات المتخذة والنتائج. ديدنهم هو: افعلوا مثل هذا البلد الذي حقق كذا وكذا وسيحالفكم النجاح. الإجراء نفسه يعطي نتائج مختلفة في كوريا الجنوبية، في تانزانيا وفي المغرب. حتى المقارنة بين تونس والمغرب لا تفيد.
ما يؤخذ على المغرب (نظاما ومعارضة، اليوم والبارحة) ليس أنه لم يفعل ما فعلته تونس، أو أي دولة أخرى، بل لأنه لم يضع مخططا خاصا به ويعكف على تنفيذه بجد ومثابرة. العقبة الكبرى هنا هي تعدد السلط بل تمانعها. نقول إنها ضمان حرياتنا ولا نرى أن ذلك يؤثر سلبا في وتيرة النمو. لا نعطي للحكومة، لأي حكومة، لا صلاحيات كافية ولا ولاية كافية، فكيف نود أن تعمل بسرعة؟ الأمر واضح في مسألة مدونة الأسرة والشغل وفي سياسة التعليم. نطالب الحكومة بنتائج فورية ومع ذلك لا نريدها منسجمة ولا مطلقة التصرف. وذلك منذ عهد الاستقلال، ثم نتعجب من التعثر والتسويف، العجيب هو أننا نتقدم رغم هذاولو ببطء.
المقارنة مع تونس، في هذا الميدان وحده، تؤيد ما أقول.
هل كانت تحقق ما تدعي تحقيقه لو لم تسكت بالقوة المعارضين الإسلاميين واليسارية؟ هذا لا يقوله التقرير الفرنسي.
الخميس 20 شتنبر
عين البارحة ادريس جطو وزيرا للداخلية. قيل إنها اشارة إلى أصحاب المصالح الاقتصادية بأن مطالبهم ستلبى. هذا تخمين نابع من كون جطو رجل أعمال اشتغل بإعادة تنظيم مجموعة «»أونا««.
في الوقت نفسه أعلن عن جلسة في قصر الرباط خصصت لدراسة وسائل تسهيل المسطرة الإدارية الخاصة بالاستثمارات. حضرها جل المستشارين والوزراء المكلفين بالقطاعات الاقتصادية وفي غياب رئيس الحكومة. لا خبر عنه حتى في الصحف الحزبية. منذ ستة أشهر توالت التصريحات والخطب والتعيينات، والكل يسير في الاتجاه نفسه. العودة إلى أوليات الحسن الثاني. هل هي محاولة لدفع الوزير الأول إلى المواجهة. وهذا لم يحرك ساكنا. هل أدرك أنها مناورة فقرر أن لا يسقط في الفخ حتى لا يفتح الطريق لحكومة تقنوقراط؟
الوضع مائع وما يشاع عن هدوء البلاد واستقرارها هدفه إلهاء الناس عن إدراك الواقع.
الخميس 13 شتنبر
الرعب متبادل، تختشى أمريكا أن تتجدد المأساة ويخشى العالم العربي والإسلامي بخاصة، ضربة انتقامية عمياء.
ظهرت أمريكا على حقيقتها، غير محمية من الأخطار الخارجية، يسيرها أناس لا خبرة لهم بالسياسة العالمية، اهتمامهم مقصور على حوادث الداخل ووقعها على الرأي العام من خلال تعاليق الصحافة.
لو عرض أحد كتاب السيناريوهات قصة شبيهة بما حدث على مخرج سينمائي لانفجر ضحكا مستبعدا وقوعها في بلد متقدم كأمريكا. وبما أن الخيال أصبح حقيقة، فذاك يعني أن الأمر لا يتعلق بخطة نفذها أجانب من الشرق الأوسط. إقحام اسم أسامة بن لادن وبهذه السرعة وبدون أدنى تحفظ ربما يكون للتغطية… قد يعثر المحققون على مؤشرات مخالفة ويخفونها، كما فعلوا في واقعة كنيدي، حتى لا تتضاعف الشكوك في كفاءة القادة الحاليين.
الثلاثاء 18 شتنبر
لم تقرر الإدارة الأمريكية ممن تنتقم، لكن الانتقام واقع لا محالة بسبب الضغط الداخلي. الأنظار موجهة إلى أفغانستان والأحقاد منصبة على العرب والمسلمين. كل صاحب لحية أو حامل عمامة معرض للإهانة وربما للاعتداء، وأول الضحايا جماعة السيخ.
الأخبار موجهة كلها توجيها تلقائيا، كثيرة، متناقضة، متلاحقة، فيصعب تمحيصها. لو حصل ذلك وأدرك الجميع أن ابن لادن وحده لا يمكن أن يخطط لمثل هذه العملية وينفذها. لا يستطيع ذلك بصفته عربيا مسلحا مراقبا لاجئا في بلد مهجور مطوق متخلف، لكنه يستطيع أن يفعل ما ينسب إليه بصفته أحد عملاء أمريكا السابقين احتفظ بصداقات كثيرة داخل هيئة الاستخبارات. إن صح التخمين فالمسألة أخطر مما يبدو، ارهابية في الظاهر، انقلابية في الواقع. عندما اغتيل كنيدي وجهت الأنظار حالا إلى كاسترو، وذاك عمدا.
من الرابح؟ المؤسسة العسكرية وهيئة الاستخبارات، وافق الكونغرس على اعتمادات ضخمة، توقف العمل بعدة قوانين كانت تحد من صلاحيات أجهزة الأمن، ثم أسندت للرئيس صلاحيات جديدة لمحاربة أعداء أمريكا، يستطيع في أي لحظة أن يقول: هذا الشخص، هذه الجماعة، هذه الدولة، هذا النظام يأوي أو يعين الارهاب ويشن عليه هجوما دون الرجوع مجددا إلى الكونغرس.
الثلاثاء 11 شتنبر على الساعة الرابعة والنصف مساء
استمعت إلى الأخبار في محطة ميدي 1. الكلام على زيارة الملك إلى موريطانيا وعلى ألعاب المتوسط التي تجري في تونس. ثم تحولت إلى محطة س ن ن فقرأت: هجوم على أمريكا . أشخاص هويتهم مجهولة حولوا في آن واحد أربع طائرات مدنية كانت في رحلات عادية وجعلوا منها قنابل لتحطيم عمارات شاهقة في قلب نيويورك وكذلك مبنى وزارة الدفاع في واشنطن. عم الهلع كل سكان أمريكا كما لو ضربتها قنابل ذرية. أقفلت على التو المصالح الحكومية، والرئيس الذي كان يزور مدرسة في ولاية فلوريدا قرر أن لا يعود إلى واشنطن، كما تقضي بذلك حالة الطوارئ أيام الحرب. كانت وسائل الاعلام تسوق الخبر دون تعليق. ثم على الساعة الرابعة (توقيت المغرب) بدأت التعليقات بعد أن رجح الرئىس أن يكون الهجوم عملا ارهابيا. فألقى البعض اسم ابن لادن وتنظيم القاعدة. أول مرة أسمع بالاسمين. سيذكر المعلقون كل شيء عن الارهاب والاسلام والجهاد والفلسطينيين، متحاشين طرح السؤال المهم: لماذا استهداف أمريكا؟ إن صح أن العملية ارهابية فعلا، لن يقول أحد إن السبب هو أن أمريكا خضعت كليا لأغراض اسرائيل، سيما تحت هذه الحكومة اليمينية المتطرفة.
اختصاصات الدولة القطرية القائمة؟ وهذه الدول قد اتخذت، في أغلبها، مواقف صريحة مساندة لمحاربة الارهاب؟ أليس ذلك كافيا؟
أما الجانب الآخر، السياسة الخاصة بكل دولة قطرية، فلا يمكن لأن أحد أن يلم بأوضاع كل واحد منها. أي فائدة في إطلاق أحكام عامة؟
الخميس 8 نونبر
قالت مارفين هاو أنها تستعد لإخراج كتاب عن مغرب الحسن الثاني. عرفته شابا قبل النفي إلى مدغشقر وألفت عن ذلك اللقاء كتابا وجد رواجا في انجلترا وأمريكا. قلت لها إني أكتب أيضا في الموضوع ولا أدري بعد هل أنشر ما أكتب أم لا. حررت عدة فصول، كل فصل يتناول جانبا من سياسة الحسن الثاني أو فترة من فترات تاريخ المغرب المستقل. أبدأ برسم صورة أو عرض موقف يرتبط بتلك الفترة. أحصيت أني سأغضب ثماني جهات، كل واحدة منها تقرأه، تتمعنه ثم تتجاهله. الحق أني لا ألقي المسؤولية في كل ما حدث على الملك كما يفعل الأجانب. قالت هاو: كل المؤلفين الفرنسيين متحاملون عليه، لماذا؟ قلت: هذا ما حاولت توضيحه في الكتاب. الواقع هو أن النقد العميق ممتنع لأسباب عديدة ومتناقضة.
فنتوكل على الأجانب، يقولون ما يشاؤون، يقولون ما لا نستطيع نحن قوله صراحة ولا يرضينا عندما نسمعه منهم دون أن نجرؤ على تكذيبهم. فننتقي ماهو في صالحنا ونسكت عما هو في صالحهم. سوء النية عند الجميع. تيقنت من ذلك سنة 1962 عندما سمعت بالمصادفة حوارا جرى بين المهدي بن بركة وجان لاكوتير.
الخميس 24 يناير
كتبت الجرائد الموالية مقالات مطولة حول هشام بن عبد الله تعقيباً على ما نشرته جون أفريك تحت عنوان: »الرجل الذي ود لو يكون ملكاً«، وهذه الصحيفة كانت إلى وقت قريب الأكثر ترويجاً لأفكاره. ماذا حصل إذن؟
هل حلم هشام فعلا باعتلاء العرش؟ المؤكد أنه لم يفهم منطق السياسة الحسنية. لم يعرف معنى البيعة المغربية. لا علاقة لها بما يجري في المشرق. إنها مسألة خاصة بالقصر ولا يطلب من العلماء إلا التزكية. ثم حسمت القضية دستورياً وإذا كان لأحد الحق في مناقشة بنود الدستور فليس هو.
الأحد 10 فبراير
يتنامى الدور الثقافي للبعثة الفرنسية. الاقتصاد، الوضع في الشرق الأوسط، السياسة الأمريكية، الأزمة مع اسبانيا، التنافر مع الجزائر كل ذلك يعطي أوراقاً رابحة للفرنسيين. فيلعبونها بذكاء. يشجعون الإنتاج بالفرنسية سيما النسوي، يعيدون الاعتبار للكتاب الأوائل مثل الصفريوي والشرايبي، ينظمون معرض طنجة على غرار معرض بيروت. يشجعون الاتجاه القومي العربي في الجزيرة والخليج ويعاكسونه في مصر وبلاد الشام والمغرب.
والوزارة المغربية تقبل بهذه القسمة، تهتم بالتأليف العربي وتترك للسفارة التأليف بالفرنسية. صورة جديدة لمنطق الحماية.
الأربعاء 9 أكتوبر
خبر سيء: أسندت لوزير الداخلية الحالي، صاحب التحليلات السياسية التافهة، مهمة تشكيل الحكومة الجديدة. سيجد الكثيرون أعذاراً شتى لهذه الخطوة (المشكلات الاقتصادية، الإصلاحات الملحة، التوتر مع إسبانيا، الأزمة المستعصية مع الجزائر… إلخ)، لكن كل هذه التأويلات لن تحجب الحدث الأهم وهو أنها خطوة إلى الوراء، عودة إلى حكومات التقنوقراط. أخطأ من قال، إننا نسير على النهج الديمقراطي ولا نخاف أدنى نكسة. سجلت في هذا الكناش بعض الاجراءات التمهيدية لهذا التراجع. وقد يقول البعض، إن ذلك كان مخططاً قبل وفاة الحسن الثاني.. بدا الوقت مناسباً بعد أن تمت الانتخابات في ظروف مقبولة وكانت النتائج غير حاسمة.
يستطيع الوزير الأول المعين أن يؤلف حكومة مع أحزاب الوسط مُستغنياً عن اليسار وحتى عن حزب الاستقلال، وينهي بذلك فترة التناوب. سيقال إنها كانت فاشلة، لكنه لن يرتكب هذا الخطأ.
تناوب بدون تناوب. هذا ما ينتظرنا بدون شك.
الاثنين 18 نونبر
الصمت الذي عم البلاد وليد الخجل. يعلمون كلهم أنهم المسؤولون عما حدث. لو أرادوا.. لو قرروا… لو اتفقوا.. لكانت قفزة نوعية في تسيير البلاد. لكنهم كانوا كالعبد الآبق، يحن إلى راحة القفص.
ما يغفل عنه المعلقون ـ وما أكثرهم! ـ هو أن وضع المغرب لا يحتمل إلا حلين: الحل البرلماني الذي كنا نسير تجاهه أو الحل الرئاسي كما حصل بعد 1960 وبعد 1965. كل ما قيل عن عجز الحكومة، تناحر الأحزاب، إهمال الاقتصاد، خطر الإسلاميين (الذين حلوا محل اليساريين)، إنما كان الهدف منه دفع الناس إلى خلاصة واحدة: أن يتحمل صاحب الأمر المسؤولية كاملة.
ومن يعتقد أ و يروج أن الوزير الأول الجديد سيكون وزيراً أول بالمعنى الكامل فهو غبي.. هو منفذ.. خِطَط من؟
الجمعة 13 دجنبر
الزوار قلة في معرض الكتاب بالبيضاء. أغلبهم من أصحاب اللحى، لا يهتمون إلا بالكتب الدينية.
سألني أحدهم: ماذا يعني ابن خلدون، إذ يقول، إن العرب لا ينقادون إلا لدعوة دينية. قرأت ذلك في أحد كتبك ولم أفهم ما قلته في هذا الباب. قلت: يعني أن العرب لا يدركون أغراض السياسة العقلية، كما أوضحها المفكرون الإغريق ومن حذا حذوهم. أي لا يستسيغون فكرة التعاقد الحر بين أفراد لرعاية المصلحة العامة. المصلحة العامة يدركها العقل، التعاقد لتحقيقها يستلزم حرية الفرد الذي يقتنع بجدواها ويتقيد بشروطها. التعقل ليس من طبيعة الإنسان البدوي، في تحليل ابن خلدون، لأنه لا يحتاج إليه، يكفيه اتباع العادة، يجد فيها جوابا عن كل مشكلة عارضة. والحرية الفردية هي حالة الصعلوك، المنشق عن قبيلته. أما الرجل البدوي العادي فهو يحكم على كل شيء، ومن ضمن ذلك المصلحة، مصلحة الفرد ومصلحة القبيلة، من منظور العرف. لكل هذا مجال السياسة بعيد عن إدراك العربي البدوي (وبالطبع هذه نظرة العربي غير البدوي، يمثله ابن خلدون، إلى العربي البدوي). لا ينقاد الفرد إلا لدعاء القبيلة وهذه، كجماعة قريش، لا تنصاع إلا مكرهة لمن يخاطبها بأمر إلهي مدعوماً بمعجزة. تجربة النبي مع قريش هي الأنموذج. لذلك لم تؤسس دولة في مجال البدو (أكانوا عرباً أو بربراً) إلا على أساس دعوة دينية (الأدارسة، الفاطميون، الموحدون… إلخ).
هذه نظرية قابلة للنقاش، لكنها تمثل حكماً سلبياً على الذهنية العربية، إذا ما تغلب عليها الوعي البدوي.
التفت إلى من حولك، في المغرب وخارجه، واحكم أنت بنفسك على حكم ابن خلدون. هذا ما قلته في الختام لذلك الشاب.
أكتب هذه الكلمات وأقول لنفسي: لو فهم ما ضمنته في كتب كثيرة على وجهه لما طُرحت عليّ كل مرة الأسئلة نفسها. الأيام تمر، الشعوب الأخرى تتقدم ونحن نلوك الأفكار نفسها. وذلك بسبب جمود نظامنا التعليمي.
يُقال: دعاة الإصلاح يرددون أفكاراً مستوردة ومتجاوزة! وهم يعودون إلى ابن حنبل وابن تيمية ويظنون أن في ذلك إبداعاً وتجديداً!
الجمعة 17 يناير2003
قلتُ: انظري إلى ما كنا نشعر به أواخر الخمسينيات من اتساع رقعة الوطن، من سهولة التنقل بين المدن. كم مرة في السنة الواحدة كنا نزور مراكش أو طنجة أو أكادير. وانظري إلى تكاسلنا اليوم مع أن شبكة الطرق تحسّنت واتسعت. أهو أثر السن أو أمر آخر؟ نحس كل يوم بنوع من الاختناق. كان في البداية محصوراً في مجال السياسة والفكر ثم تعاظم ليمس الحياة الاجتماعية والدينية. وها هو الآن يمتد إلى المجال الجغرافي. كل منا قابع في مدينته أو جهته. كانت التفرقة عماد النظام القديم. ثم جاءت فرنسا بجيشها وإدارتها واقتصادياتها، فأنشأت سوقاً وطنية. على إثره وفي إطاره، ظهرت ونمت الحركة الوطنية. فسهل التنقل من جهة إلى أخرى رغم عراقيل إدارية كنا نشتكي منها. كان منظّرو الاستعمار ينصحون بحبس كل فرد في »دواره« حتى لا يتكون في وعي جماعي. ما عجز الاستعمار عن تحقيقه أنجزناه نحن، واليوم كل فرد منا مستقر في حيّه. من هنا الهجرة
إلى الخارج، دائما أو موسمية. بحثا عن الرزق؟ نعم. لكن أيضا للتنفس. الغني منا يذهب إلى اسبانيا لا إلى إفران.
الجمعة 7 فبراير
قال: ألا تزال مستشارا؟
من يغذي هذه الاشاعات؟ الأصدقاء أم الأعداء؟ قد تكون اشاعات ناشئة عن حب الفضول لا غير.
قلت: كلمة مستشار لها معنى واضح. يستشار من وافق على مسلمات. وأنا مسلماتي معروفة. شعرت بكثير من العطف على عبد الهادي بوطالب عندما قرأت مذكراته. قلت في نفسي: يا لها من محنة! ومع ذلك لم يندم على شيء.
الثلاثاء 25 مارس
سُميت الحملة »”تحرير العراق«”. الحق هو أن تُسمى “»تأمين إسرائيل«” يقال إنها حرب “»بوش”«، الحق أنها حرب »”شارون – وولفويتس – برل«”. إذا قيل: ماهي الدلائل؟ نرد وما هي دلائل العكس؟
هناك أسباب داخلية، بل وطنية، لأمريكا وانجلترا، لكنها عامة، غير مرتبطة بهدف بعينه. لو هوجمت الصين أو روسيا لكانت النتائج ذاتها (التماسك الاجتماعي بالنسبة إلى أمريكا، توطيد العلاقة مع أمريكا بالنسبة إلى بريطانيا). التركيز على الإسلام، العرب، العراق، كان نتيجة اختيار. من قام بذلك الاختيار؟ عموم الشعب؟ لا. الكونغرس؟ لا. المخططون السياسيون في الوزارات؟ لا، إذا كانت آراؤهم مختلفة جدا. قامت بالاختيار جماعة معينة. هنا تتسرب الأهداف الخاصة. قيل السبب هو البترول أو محاربة الإرهاب.. كل ذلك غير مقنع. هدف واحد يخدم كل المصالح المذكورة، توسيع الهوة بين أمريكا والغرب عموما والإسلام كحضارة، ثم تخصيص العرب كحاملي لواء الإسلام والعراق كمثال للدول العربية المعاندة وتحطيمها لتكون عبرة لغيرها.
لتحقيق هذا الهدف كان لابد من تنظيم حملة إعلامية تسبق الحملة العسكرية. بدأت الحملة ضد الإسلام منذ عقود وفي دول مختلفة، قد يقُال: هذه مصادفة. في دنيا العولمة لا يُعرف من يملك حقا وسائل الإعلام. كان الجو مهيأ، يكفي أن تستبدل الشيوعية بالإسلام أو التطرف الإسلامي. شُجّع الإسلاميون حينا كما سوند الشيوعيون في بعض الأوقات وبعض الأماكن.
لاشيء من هذا محقق، لكنه أقرب إلى الفهم من العكس. في المجال الذي نتكلم عليه المحقق والمحتمل سيان. الاستعداد في السياسة هو بالنسبة إلى المحتمل فقط، إذ الكارثة هي بالضبط انتظار أن يتحقق ذلك المحتمل.
أكان الوضع الذي نعيشه اليوم ناتجا عن خطة محكمة أم عن مصادفة وتوافق أم عن مزيج بين الأمرين، فهو قائم. كيف نواجهه؟
لا أرى حولي سوي الحيرة.
السبت 30 أكتوبر
يبدو أن الميزان يميل لصالح بوش. علينا أن نقبل ذلك ونقول إن فوز خصمه سراب. حتى لو فاز ما كان في مقدوره أن يفعل شيئا وبعد أربع سنوات يكون الناخبون قد نسوا من أضرم نار الحرب، فيعود الجمهوريون إلى الحكم أبرياء من كل إثم، مستعدين للانخراط في مغامرات جديدة. الأفضل أن يتحملوا المسؤولية كاملة، إن أمكن ذلك. من يؤدي ثمن هذه السياسة الخرقاء سوى العرب، يؤدونه ماديا ومعنويا.
الثلاثاء 28 دجنبر
لنتصور معنى الإصلاح. لابد من وضع الإسلام في سياق دعاء إبراهيم. المتخصصون يعلمون ذلك، لكن المسلمين يغفلونه وأكثر منهم غير المسلمين. لماذا؟
2004
سأل الصحفي: هل الإرهاب أم يتراجع؟
– ينمو.
– كيف ذلك وقواعده تقصف وزعماؤه مطاردون؟
– هذه أخبار موجهة.
– هل تتوقع عمليات إرهابية جديدة؟
– لا أرى كيف يمكن تجنبها. هذه سنوات عديدة والحكومات تحارب تجارة المخدرات بدون طائل.
الواقع هو أني عبرت عن شكوكي حول وجود منظمة إرهابية يسيرها رجل واحد أو جماعة محدودة. تقوى الشك بعد كل ما سمعنا عن اضطراب وسائل الإعلام والأحكام المسبقة المسيطرة على أذهان قادة الدول الكبرى. يصح لنا إذا أن نتخيل أي شيء.
توجد مشكلات مستعصية في مناطق كثيرة لا يسكنها عرب أو مسلمون في إيرلندا، في منطقة الباسك، في كورسيكا.
الثلاثاء 22 فبراير
ما سُطر سُطّر. لكي نحكم عليه حكماً عادلاً لابدَّ من استحضار الجو السائد عند تسطيره، قبل الاعتداءات التي جعلت أمريكا تجهل فوق جهل الجاهلين.
منذ ذلك الحادث وكل منا يخشى عدوى جهل أمريكا. نطأطىء الرأس، نلزم الصمت، راجين أن تمر العاصفة ويصفو الجو. هل يحدث ذلك؟ كثير من الناس، شرقاً وغرباً، لهم مصلحة في إطالة الأزمة.
لست نادماً على شيء مما كتبت، إذ غالباً ما كتبته ضداً على نفسي، لأعبر عما أعتبره حقيقة التاريخ. لكن الوضع الحالي يلقي بظلاله على الماضي بما فيه من جور وعنف ومن تطلعات كذلك. يضفي على كل هذا قسطاً من النسبية.
كنا دائماً ضحية أحلامنا وواقعية خصومنا. المطلوب منا اليوم أن نكون أكثر واقعية من الجميع. من هنا وجومنا وتعاستنا.
الخميس 3 مارس
عليّ أن أتذكّر ما سجلت أثناء فترة الحداد، عندما قارنت استقبالات المعزين في يونيو 1999 وتلك التي تمت في قصر لاسل سان كلو في فرنسا في نونبر 1955.
لا أحد يود المسؤولية، كل مبتغاه هو تجديد التفويض. رؤساء الهيئات هم »”قياد« “اليوم المبايعة مقايضة: تضمن.. أضمن..
من يستفسر، يسأل، ثم يستمع إلى جواب أو تضويح، يتظاهر بفهم ما تقول. قد يفهم وأنت تتكلم، قد يوافق على ما لا يمكن إنكاره، ثم ما إن تتوقّف عن الكلام حتى يسترجع »الدور« الذي هو إرثه، حظه، مكتوبه..
الاثنين 17 يناير2005
المخزن هو الدولة المغربية أو الشريفة. كل نظام سياسي في بلد معين يحتفظ باسم خاص، لا يجد ما يقابله تماماً في أي لغة أخرى. كما هو الأمر بالنسبة إلى الإله المعبود في هذا البلد أو ذاك.
نجد لفظ كومنولث في البلدان الأنجلوساكسونية، رايخ في البلدان الجرمانية، ربوبليكه في البلدان اللاتينية، باكوفو في اليابان… إلخ. المهم إذن هو التمييز، الاهتمام بالفوارق وإن دقّت. يجب أن ننطلق من وصف ما هو قائم، لا من تعريف عام (الدولة هي كذا وكذا). والوصف يستلزم طرح أسئلة محددة: العلاقة مع عالم الغيب؟ مع الأجداد؟ مع المحيط الطبيعي؟ مع الجار؟ ننتهي إلى تعريف لا يمكن أن يكون إلا مرحلياً، في حدود ما هو معلوم لدينا، أي إلى »دولة« بالمعنى الخلدوني أو الماركسي (أي صورة مؤقتة لما يبدو شأناً عاماً).
السبت 15 أبريل
ما العمل مع الجارة الشرقية. عاد رئيسها إلى موقفه العدائي سنة 1976. بالنسبة إليه لاشيء تغيّر. عاد النفط إلى أعلى أسعاره، وثورة الإسلاميين في طريقها إلى الاندحار. يتحبّب لأمريكا ويهدد فرنسا بالنبش عن جرائمها أثناء حرب التحرير. هذا ديدنه. الهدف؟ أن يعود المغرب إلى أيام الحسن الثاني، حتى لا يعطي المثل »السيء«.
الاثنين 23 يناير2006
المهم هو النسق التاريخي: اليهودية أولا ثم النصرانية ثم الإسلام. هناك توال لا تحوّل. لم يتحول الدين اليهودي إلى النصرانية ثم هذه إلى إسلام، بل ظهرت النصرانية فحالت اليهودية. ظهر الإسلام فحالت النصرانية ومعها اليهودية.
يمكن دائماً التعامي عن الأمر القائم، بل هذا ما يحدث عادة. لكن كل من يلقى السمع وهو شهيد يدرك أنه بعد ظهور النصرانية (ونعني بالظهور الغلبة)، لم يعد في الإمكان قراءة التوراة، كما كانت تقرأ. في كل نبي من أنبياء بني إسرائيل نرى نبوءة عن عيسى المسيح. والأمر نفسه، بالنسبة إلى التوراة والإنجيل معاً، بعد القرآن المبين، أي بعد القراءة العربية.
لكن لا يمكن الوقوف عند هذه النقطة. ما يفعل القرآن بالكتابين السابقين قد يفعله بالقرآن كتابٌ جديد. وهذا الكتاب المفتوح هو ما يسطره منذ عقود العلم الحديث. فهذا الكتاب الذي يُخطط تحت أعيننا موجّه للجميع، لأهل الكتاب ولغيرهم.
السبت 28 أبريل2007
الحسن الثاني يبتعد.. لو عاد لأنكر حال البلد، متعجباً من تكاثر النساء المحجبات والشبان المتعطشين إلى الاستشهاد.
كان يظن أنه يستطيع أن يغيّر وجه المغرب ويحافظ في الوقت نفسه على عقيدته. العقيدة أيضاً تغيّرت، لكن ليس في الاتجاه المحمود.
قلت للكُتْبي: ماذا عن الحجاب؟ فرد: وماذا عن »الدجين«؟
نعم الأمران مرتبطان. هل الحجاب يكفّر عن السروال الضيق أم العكس؟
هناك علمانية قائمة، ملموسة، داهمة. فتؤدي حتماً إلى لا علمانية عقائدية بسبب انعدام لائكية واعية وعنيدة. كنا نعتقد ببراءة أن الشعور يساير الحياة، الواقع أنه يعاكسها في الغالب. كنا نرى يومياً الولد يثور ضد والده ولم نستوعب مغزى الثورة. واليوم ها نحن أمام واقع محيّر.
لكن هل تستطيع لا علمانية »جهادية« أن توقف مد العلمانية الجارف؟
هل نجحت أبداً الحملات الشرسة المتوالية التي شنّتها السنة ضد البدع؟ أنصار السنة يصيحون، والبدع الحسنة والقبيحة تتكاثر!
الخميس 13 شتنبر
المجتمع المغربي محافظ وعلى كل المستويات. ما يهم الأجانب هو أن يظل المغرب “»تحت اليد«” كانوا بالأمس يتظاهرون بالتعاطف مع اليسار بهدف ابتزاز السلطة، واليوم يتمنون أن يصل إلى الحكم إسلاميون بدون خبرة، فتضعف الحكومة ويكون الملك في حيرة من أمره.
هذه سياستهم؟ ماذا يقابلها؟
الجمعة 14 شتنبر
انتهت تجربة التناوب. لاشك في أنها خدمت البلاد، لكنها، يقيناً، لم تخدم الاتحاد. كانت في صالح الملكية والأحزاب الموالية، والإسلاميين واليساريين وحتى حزب الاستقلال. الكل استفاد سوى الاتحاد وإن استفاد منها بعض أعضائه، وحتى هذه الاستفادة خسارة.
قد يُقال: كل ذلك في سبيل الوطن.. كلمة يفهمها المؤرخ، لا المناضل الذي يرى في ما حصل بلاهة وغفلة. خطأ تاكتيكي واضح. وحتى إذا كانت هناك استراتيجية، فهي من الضمنيات، لا تعلن وبالتالي لا تغني.
نتائج التصويت تظهر كل هذا، هزيلة وأحياناً مخجلة، والعزوف موجه أساساً ضد الاتحاد الذي تحمّل وحده جهراً المسؤولية على أداء حكومة لا يقودها. تكالب عليه منشقّو الأمس واليوم.
خطوط التمايز، الاجتماعية والثقافية، مازالت كما كانت. إلا أنها اعتمدت مرجعية جديدة. انتهى عهد الإيديولوجيا السياسية وجاء عهد المنظور الديني الذي يوافق النظام المخزني وحزب الاستقلال والإسلاميين ولا يوافق بحال الاتحاد الاشتراكي.
لا أؤاخذ أحداً على تجاهل هذا التحول، إذ شاركت فيه وما أزال، إلا أنني أراقب السياسة ولا أمتهنها.
قلت وأقول، إن المجال السياسي، رغم تمزقه الظاهر، يتشكل حسب ثلاثة أقطاب محددة.
قطب محافظ، مرجعيته إسلامية (سنية، مالكية..)، لا يجاري أي نوع من التطرف، يريد الإصلاح ولكن في حدود واضحة، أخص الاقتصاد أو الحياة الاجتماعية أو التعليم.
قطب موال للحكم، لا يبادر بالإصلاح في أي مجال، ويقبله متى أشاد به الحكم. مع كل هذا فهو أكثر تفتحاً من القطب السابق، لأنه غير مقيد بأي مانع عقائدي. مشتت إلى شيع، بحسب اختلاف الأصل والمنبت، لكنه موحد في الاتجاه.
وأخيراً قطب إصلاحي، لا أقول ثوري، إذ فكرة الثورة شيعت ودفنت. هؤلاء يمثلون اليوم أقلية. المجتمع ككل، على اختلاف طبقاته وأجياله، لم يعد يستسيغ الدعوة للتغيير الشامل وإن رحب بإجراءات محدودة، استجابة لمطلب أو رفعاً لظلم أو حيف. الكلام على النمو والعدل والمساواة ومحاربة الرشوة.. لا ميزة فيه. الجميع يتبناه والجميع يعلم أن الوسائل لتحقيق تلك الأهداف قليلة أو منعدمة.
في هذه الظروف لم يعد مجال للدعوة إلى اختيار استراتيجي. الخيار محصور كله في التاكتيك. في أي إطار العمل ومع من؟
لا ننسى أن التوافق كان مع القطب الأول، وضمنه الإسلاميون بقيادة الخطيب.
أكان في وسع الاتحاد أن يقول لا سنة 2002؟ أكان صائباً عندما قال نعم للمشاركة؟ حتى لو سمع لمطلبه واحتفظ برئاسة الوزارة، هل كانت نتائج انتخابات 2007 تأتي مغايرة لما حصل؟ هذه أسئلة يجيب عنها الدارسون. الواقع الملموس هو أن التجربة أسفرت اليوم عن انحلال الاتحاد الذي كان الحزب الإصلاحي بامتياز.