بات تسيبراس، 40 عاما، زعيم حزب سيريزا المناهض لإجراءات التقشف، أصغر من يتولى هذا المنصب في تاريخ اليونان. وكسر تسيبراس الذي يرتدي في العادة بدلة زرقاء اللون من دون ربطة عنق، التقليد المتبع بأداء القسم الديني في اليونان البلد المسيحي الأرثوذكسي، إذ اختار أداء قسم مدني متعهدا «خدمة مصالح الشعب اليوناني دائما». وقال قبيل أدائه القسم أثناء اجتماع مقتضب مع رئيس الدولة «إن طريقا وعرا ينتظرنا».
وتسيبراس رئيس حزب سيريزا منذ 2008 ونائب رئيس اليسار الأوروبي منذ 2010. هو أول حزب حاكم في أوروبا يرفض صراحة سياسات التقشف التي تدعو إليها خصوصا ألمانيا. كما يدعو سيريزا إلى خفض الدين اليوناني الذي يلقى رفضا بين دائني البلاد، الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي. وقبل أدائه قسم اليمين قال تسيبراس لرئيس الدولة إنه اتفق مع الحزب السيادي لليونانيين المستقلين الذي يحظى بـ13 مقعدا نيابيا لتشكيل حكومة. وبعد أدائه القسم، توجه تسيبراس إلى جدار كيسارياني القريب من أثينا حيث أعدم 200 شيوعي رميا بالرصاص في 1944 على يد النازيين.
كان عضوا في الحزب الشيوعي للشباب قبل أن يتجاوز السابعة عشرة من عمره، كما قاد اعتصامات الطلاب التي كانت في بداية التسعينات من القرن الماضي، والتي كان الهدف منها الاعتراض على نظام التعليم والمطالبة بإدخال إصلاحات، وحينما طالب وزير التعليم آنذاك وفدا منهم من أجل التفاوض حول مطالبهم من أجل تطوير النظام التعليمي، كان تسيبراس على رأس الوفد وتفاوض بشكل مذهل وكأنه رجل محنك سياسيا، وشهد تسيبراس أول نجاح سياسي له عندما استجاب الوزير وقتها لعدد من مطالبه.
شارك تسيبراس في عدد من التنظيمات السياسية الطلابية في اليونان ذات الأفكار اليسارية، كما كان نائب رئيس اتحاد الطلبة بالجامعة، وبعد تخرجه عام 2000 ابتعد عن العمل السياسي لعدة سنوات من أجل الحصول على عدد من الشهادات العليا في مجال البناء والتخطيط العمراني، وشارك في بناء الكثير من الشركات والمؤسسات والمباني بأثينا. وفي عام 2006 لم يستطع تسيبراس الابتعاد عن السياسة أكثر من ذلك، فرشح نفسه للانتخابات البلدية بأثينا من خلال عضويته بحزب ائتلاف اليسار الراديكالي «سيريزا»، وحقق فوزا ساحقا، وقد كان من المتوقع أن يرشح نفسه في الانتخابات البرلمانية لعام 2007 إلا أنه فضل إثبات نجاحه وقدرته علي القيادة من خلال الحزب وعضويته بالمجلس المحلي.
وبعد نحو 5 سنوات من عنفوان ألكسيس تسيبراس في صفوف المعارضة اليونانية، وبعد مغازلاته المتنوعة للناخبين، الذين عانوا طويلا من تدابير التقشف المفروضة على البلاد بضغوط من الدائنين، واستمرار خفض المرتبات والمعاشات وتسريح الموظفين والعمال وزيادة الضرائب، تمكن من تحقيق فوز تاريخي على غريمة أندونيس ساماراس الذي قاد حكومة ائتلافية عمرها عامين ونصف فقط.
قطع ألكسيس تسيبراس، رئيس حزب سيريزا المناهض للتقشف الفائز في الانتخابات التشريعية اليونانية، شوطا كبيرا منذ أيام شبابه الشيوعية، لكنه ما يزال يزدري ربطات العنق ويكن حنينا لتشي غيفارا، وبالإجابة عن سؤال لأحد الصحافيين المقربين له بارتداء رابطة عنق بعد فوزه، قال تسيبراس «بشرط واحد فقط.. إلغاء ديون اليونان».
قد يكون تسيبراس البالغ 40 عاما أصغر رئيس وزراء لليونان منذ 150 عاما، ويشكل أمل اليسار الأوروبي المناهض لليبرالية والذي توجه عدد من ممثليه إلى أثينا مؤخرا للتضامن معه وللمساعدة في نجاحه، ولم يكن هناك أي شك لدى تسيبراس في النصر، حيث بدا في لقائه الانتخابي الأخير في أثينا بصورة رئيس حكومة، معربا عن «الإدراك بالكامل في بداية مهمة شاقة»، ورغم أنه غير منحدر من عائلة سياسية على عكس شخصيات يونانية كثيرة، فقد استهواه النشاط السياسي في مرحلة مبكرة.
وقد اكتشفته اليونان ممثلا لحركة تلاميذ في برنامج تلفزيوني عام 1990، مؤكدا بحزم رغم أعوامه الـ17 «نريد الحق في اختيار متى ندخل الحصة»، وأطلق الرجل الذي يحتفظ بملامح شابة، اسم اروفيوس على أحد أبنائه تعبيرا عن إعجابه بتشي غيفارا، وهو أب لولدين، كما أنه يقيم مع شريكته بالمساكنة، في بلد محافظ من حيث التقاليد الاجتماعية. ولد ألكسيس تسيبراس في أثينا يوم 28 يوليو (تموز) 1974 وتخرج في المدرسة الثانوية في امبيلوكوبي بالقرب من وسط أثينا، وشارك في الاحتجاجات الطلابية عامي 1990 و1991 وانضم لليسار وحصل على الدراسات العليا في التخطيط المدني والإقليمي (هندسة معمارية) وتولي تسيبراس رئاسة الحزب في فبراير (شباط) عام 2008 حيث حصل على نسبة 70 في المائة من الأصوات مقابل منافسة فوتيس كوفيليس (زعيم حزب اليسار الديمقراطي) حاليا.
تأسس حزب تحالف اليسار الراديكالي (سيريزا) (SYRIZA) الذي يترأسه ألكسيس تسيبراس عام 2004. وللحزب حاليا 149 مقعدا في البرلمان اليوناني من إجمالي 300، ويسيطر على نصف أقاليم اليونان تقريبا ويتكون الحزب من مجموعة من التحالفات والمنظمات ذات الاتجاه اليساري.
ويحاول الحزب معالجة عدد من القضايا التي شغلت المجتمع اليونانية مثل الديون السيادية – الأزمة التي تسببت في تجويع وفقر اليونانيين –
القضية القبرصية – الناتو – اسم يوغسلافيا السابقة – الخصخصة -الحقوق الاقتصادية والاجتماعية وكحركة يونانية مناهضة لليبرالية في العالم، وآيديولوجية هذا الحزب الاشتراكية الديمقراطية والايكولوجيا الاشتراكية ومناهضة الرأسمالية.
وقال المحلل السياسي مسعود الغندور، الدبلوماسي الفلسطيني السابق في أثنيا والمطلع بشكل جيد على الوضع السياسي في اليونان بحكم إقامته فيها منذ 1968، إن تسيبراس زعيم جديد استطاع أن يعبر ويستفيد من حالة الإحباط التي هيمنت على حياة المجتمع اليوناني، والمعاناة التي تحملها الشعب من الإجراءات الاقتصادية المجحفة طوال السنوات السابقة. وأضاف الغندور لـ«الشرق الأوسط» «إننا اليوم أمام أصغر رئيس وزراء في تاريخ اليونان، وهو أنهى الثنائية التي كانت تهيمن على حكم البلاد ممثلة في حزبي الديمقراطية الجديدة المحافظ والباسوك الاشتراكي، وكذلك وعد بعلاقات خاصة مع الكنيسة رغم أدائه يمينا دستورية مدنية، وأعطى وعودا سياسية كبيرة لمصلحة المهاجرين والجاليات الأجنبية.
يذكر أن اندلاع أزمة الديون في 2010 وسنوات التدهور الاقتصادي التي رافقتها، أدى إلى إعلاء صوت اليسار المتشدد وزعيمه الذي ندد «بالأزمة الإنسانية» الناجمة عن إجراءات التقشف القاسية التي فرضها الدائنون، أي البنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي والمفوضية الأوروبية.
في غضون 3 سنوات تضاعفت حصيلة سيريزا الانتخابية
5 أضعاف، ففي انتخابات 2012 التشريعية حل ثانيا خلف «الديمقراطية الجديدة» برئاسة إندونيس ساماراس، وتصدر الانتخابات البرلمانية الأوروبية في الربيع الماضي، ومنذ هذه الانتخابات بدأ تسيبراس يصقل صورته دوليا، وبعد تحسن كبير في إتقانه اللغة الإنجليزية كما كثف رحلاته إلى الخارج، وزار رئيس البنك المركزي الأوروبي ماريو دراغي ووزير المالية الألماني وولفغانغ شاوبله المدافع عن سياسة التقشف التي يرفضها، وكذلك البابا فرنسيس.
وأعلن تسيبراس خلال خطاب الفوز أن «الشعب اليوناني سطر التاريخ» وهو «يترك التقشف وراءه»، معلنا فوز حزبه اليساري في الانتخابات التشريعية، وقال أمام الآلاف من أنصاره الذين تجمعوا في ميدان جامعة أثينا بعدما رفض الذهاب إلى مقر قصر زابيو الذي دوما يعلن من داخلة الفائزين في الانتخابات منذ عشرات السنين «إنها إشارة مهمة لأوروبا التي تتغير والفوز هو أن الشعب اليوناني يعني نهاية الترويكا».
وبعد أكثر من 6 سنوات تذوق خلالها اليونانيون مرارة التقشف وخفض الرواتب وزيادة الضرائب، لم يجدوا سبيلا سوى تسيبراس وحزبه، الذي طالما هاجم خطط التقشف التي لجأت لها الحكومات السابقة من أجل تصحيح الوضع المالي، وإعلانه مرارا وتكرارا من خلال خطاباته الرنانة وظهوره في وسائل الإعلام مدى تعاطفه مع المواطن اليوناني الذي أرهقته خطط التقشف، كما أن انتقاده الدائم لارتفاع نسبة البطالة بين المواطنين بصفة عامة وبين الشباب بصفة خاصة، والتي جعلت عددا كبيرا منهم يلوذ بالفرار خارج البلاد، ومطالباته في البرلمان بزيادة المرتبات ورفع معاشات التقاعد، جعل اليونانيين يشعرون بأن تسيبراس هو الوحيد الذي يشعر بمأساتهم.
وقال تسيبراس إنه يعي جيدا بأن اليونانيين لم يعطوه شيكا على بياض، موضحا أنه أمام فرصة مهمة من أجل اليونان وأوروبا، وعلى صعيد المفاوضات الحاسمة مع دائني البلاد، قال إن الحكومة اليونانية الجديدة مستعدة للقيام بحوار جدي ووضع خطة وطنية وخطة حول الديون، حيث إن من بين النقاط الرئيسية للبرنامج الاقتصادي وضع نهاية للإجراءات التقشفية والتفاوض مجددا حول الديون الضخمة.
وأوضح ألكسيس تسيبراس أنه لا يوجد فائزون ومهزومون في الانتخابات، فالأولوية هي مواجهة جروح الأزمة وتحقيق العدالة ومحاربة الفساد، وطرد الخوف والعيش بكرامة للشعب اليوناني كله، مشيرا إلى هؤلاء الشباب وأساتذة الجامعات والأطباء الذي غادروا البلاد كمهاجرين إلى دول العالم الأخرى بحثا عن حياة أفضل. وأكد تسيبراس أن أولويته تكمن في إعادة التفاوض مع الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي على جزء كبير من دين بلاده العام (175 في المائة من إجمالي الناتج الداخلي) من أجل الانتعاش ووضع حد للتقشف، الأمر الذي يقلق الدائنين والأسواق.
أصبح أليكسيس تسبيراس حديث الساعة على الساحتين اليونانية والدولية بعد فوز حزبه اليساري المتطرف في الانتخابات التشريعية اليونانية الأخيرة معتمدا على أجندة سياسية موضوعها الرئيسي هو مكافحة التقشف وعدم الخضوع لشروط الجهات الدائنة الدولية.