استأمن الشعب المغربي الحكومة الحالية، لكي تسهر، بما تم الاتفاق عليه في فاتح التصويت على الدستور الجديد، على ترتيب المشهد السياسي الجديد وإعادة الأمل في السياسة عبر آلتها التي أنتجتها البشرية جمعاء، الانتخابات.
واستغرق الجهاز التنفيذي نفسه طويلا في التوازنات الداخلية، وفي التطبيع السياسي وفي تأمين الدخول السريع إلى مربع السلطة،و نسي أن البلاد نصفها قديم ونصفها الجديد ليس جديدا نهائيا.
فالمؤسسات نصفها مازال يستمد مشروعيته من انتخابات سابقة عن الزمن السياسي الجديد، وعشنا «المعجزة» الحكومية، من خلال القدرة على أن تدور البلاد في مكانها، اللهم من الزيادات والتقشف الذي وجدت وصفته جاهزة في المحافظ الجلدية لكريستين لاغارد وموظفيها الذهبيين في البنك الدولي..
وكان من الممكن «التعايش» مع منطق حكومي مهزوز، لولا أن السيد الرئيس حمل الأحزاب- هكذا بالكل وبالمطلق- الرغبة في تأجيل الانتخابات.
لا بد من وضع المنطق في معادلته الصحيحة لكي يستقيم الرد:
أولا، كان جلالة الملك قد أعلن، مع الإعلان عن الثورة الدستورية الجديدة عن تاريخ واضح ولا لبس فيها لكي تدخل البلاد برمتها في لبوس مؤسساتي جديد ، وقد وضع تاريخ نهاية سنة 2012 كأقصى أجل لكي يتم إنهاء البناء المؤسساتي الجديد.
وقد مضت سنتان بالتمام والكمال على هذا التاريخ، و انتظرت الحكومة، على لسان رئيسها الاقتراب من التاريخ الطبيعي، كما لو أننا لم نعرف تغييرا في الدستور ولا تغييرا في الترتيبات السياسية ، الحكومية منها والبرلمانية، لكي تعلن أن 12 يونيو المقبل يحتاج إلى تمديد جديد يضاف إلى السنتين السابقتين، على أن تتحمل الأحزاب، برمتها مصاريف الملف ودفع الصائر .
ثانيا، عندما يقول بنكيران إن التأجيل وارد، « لأن الأحزاب طالبت به»، كانت المسؤولية تقضي أن يحدد أية أحزاب طالبت بذلك.هل هي المعارضة أم الأغلبية.
وحسب علمنا، فإن المعارضة، في اللقاء الذي جمعها بوزيري الداخلية والعدل، كانت قد لفتت الانتباه إلى استحالة تنظيم الانتخابات، حسب الوتيرة التي تتبعها الحكومة، وكان واضحا أن معنى الزمن عند الحكومة ليس هو الزمن لدى الشركاء السياسيين.
وحسب علمنا، أيضا، أن الوزيرين حاولا أن يستصدرا طلبا بتأجيل الانت-خابات من أحزاب المعارضة، وأنه لم يحصل على الوصل بذلك،
وهو ما يعني
ثالثا، أن الأغلبية تتحمل تأجيل الانتخابات مرتين، على الأقل،
الأولى عند فشلها في ضبط الزمن الانتخابي على ساعة الدستور الجديد والالتزام الملكي العلني في خظاب تاريخي، والثانية عندما أصبحت هي المعنية الأولى بكلام السيد رئيس الحكومة عندما تحدث عن «أحزاب طلبت التأجيل.»
رابعا، لا يمكن لرئيس الحكومة أن يهنيء نفسه على دقة الاحترام للموعد الانتخابي والسير نحوه بتأمين مريح، وهو قد ألقى في بركة الإعداد حجرا كبيرا سماه اللجنة المركزية للانتخابات بدون أن يكلف نفسه عناء تسويغها للطبقة السياسية المغربية.
وقد أفردت المعارضة لهذه النقطة ما يجب من الجهد لتبرر أن الأمر يتعلق «باجتهاد» غير سليم، يحمل في جدليته الاستعداد لوضع اليد على تنظيم الانتخابات.
فماذا كان من الممكن أن ننتظر عندما تغير الحكومة من أفق الانتظار سوى أن يتمطط الزمن الانتخابي وأن تضيف إلى الأجندة الوطنية نقاشا وسجالا كبيرين، لا سيما إذا كان الأمر يتعلق بسلامة الانتخابات؟
وعندما ترفض الحكومة أن تؤول العملية الاقتراعية إلى مسطرة البطاقة الوطنية، ربحا للوقت وعملا بما هو قائم وليس بترقيع اللوائح الانتخابية وفتح باب التسجيل مجددا، أليس ذلك، في حد ذاته يعني منطقيا أن الحكومة تريد أن تكون فترة القيد الانتخابي وإعادة التسجيل وتثبيت الانتقالات، فترة إضافية، تعني منطقيا تعطيل الوصول إلى محطة الوصول الافتراضية، 12 يونيو وفتح باب الآجال إلى شتنبر؟
لم يعلن أي حزب من الأغلبية بأنه طلب التأجيل، والمعارضة تعلن بالفم المليان بأنها لم تساير الحكومة في طلبها الضمني بتأجيل الانتخابات، فباسم من يتكلم رئيس الحكومة عن انتخابات تعتبر جوهرية في المسار السياسي المغربي؟
لعلهم العفاريت والأشباح.
* عن جريدة الاتحاد الاشتراكي
الاربعاء 4 يناير 2015