طوال عقود من الزمن خلت، ونحن نردد بلا كلل أو ملل، بأن الشباب هم الركائز الأساسية للأمة، وهم مصدر ثروتها وسر ازدهارها، لامتلاكهم مواهب متنوعة وقدرات عالية على الابتكار، وهم أيضا بناة حضارتها وحماة حدودها… وما من شك في ذلك، حين تستثمر مؤهلاتهم في الاتجاه الصحيح، وتمنح لهم حظوظ وافرة لإثبات الذات. بيد أنهم للأسف الشديد، لا يحظون بالعناية اللازمة من قبل الحكومات المتعاقبة. ترحل حكومة تليها أخرى أسوأ منها، إثر انتخابات غالبا ما تكون نتائجها ملتبسة، بينما يستمرون في انتظار الذي يأتي ولا يأتي !
والشباب عموما، أكثر الفئات العمرية بذلا وعطاء، يشكلون طاقات إنتاجية هائلة بسواعدهم القوية وعقولهم النيرة، لهم مميزات ثقافية واسعة وقابلية كبيرة لمواكبة التطورات التكنولوجية الحديثة، وقد أثبتت التجارب الإنسانية أنهم الأنسب للقيادة الإدارية والسياسية، كلما أتيحت لهم فرص تفجير طاقاتهم الفكرية والإبداعية، ويعتبرون من مكونات النسيج الاجتماعي الأشد اهتماما بالأحداث والوقائع.
وبتتبعنا لفئة من شبابنا في محيطات الشبكة العنكبوتية، تتضح لنا نباهتهم ووعيهم بالتحولات الإقليمية والدولية، ومدى تمكنهم من الإفصاح المباشر عن مشاعرهم وتطلعاتهم، إدانتهم للسياسات العمومية التي لا تخدم مصالحهم، وانتقاداتهم اللاذعة للمسؤولين عن سوء الإدارة والتدبير، الاحتقان الاجتماعي الحاصل وما آلت إليه الأوضاع الاقتصادية من تدهور، وتفشي الرشوة والمحسوبية.
لكن الخيارات السياسية الواهية والأزمات الاقتصادية المتوالية، تجعلهم يعيشون في جنح الإقصاء والتهميش…
تستفزهم حالة البلاد المزرية، ينتابهم القلق على المستقبل، ويرعبهم تزايد أعداد العاطلين المطرد في صفوفهم، وتواصل اتساع دائرة الفقر والأمية. يدركون جيدا أن أصل الأورام الخبيثة التي يتغاضى عن استئصالها «الجراحون»، راجع بالأساس إلى تواضع الخدمات وضعفها بمختلف القطاعات: تعليم، صحة، قضاء، سكن وأمن… جراء استشراء الزبونية في التعيين بمناصب المسؤولية، سوء التدبير وتبذير المال العام، غياب التنافسية والشفافية، ضعف الحكامة الجيدة والرقابة الصارمة، سيما أن غالبية الممسكين بزمام الأمور، احترفوا الانتخابات وخبروا دروب العودة السريعة إلى مقاعدهم الوثيرة، بتحويل فضاء العمليات الانتخابية إلى سوق عشوائية، مفتوحة على الولائم وشراء الذمم واستغلال الفقراء والأميين، ما يؤدي إلى ارتهان مصلحة البلاد ومستقبل الأجيال في أيديهم الملطخة بالمال الحرام. ناهيكم عن تدني مستوى الخطاب السياسي، وتشويه صورة البرلمان بالملاسنات وتصفية الحسابات السياسوية. فكيف لنا القضاء على الممارسات المخزية ؟
إن تصحيح الأوضاع المتردية واستكمال البناء الديمقراطي، يقتضيان القيام برجة قوية وعميقة، حسن استثمار الوقت في الأنشطة الثقافية والرياضية بموازاة مع الاهتمام بالشأن العام، ولا يجوز تحت أي مسوغ تذرع الشباب بالفساد السياسي والإداري والمالي، للإعراض عن المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية، وانتظار نزول الإصلاح ومجابهة الفساد من السماء.
فما يشوب الحياة العامة والمشهد السياسي من نقائص وتمييع، يتحملون فيه جزء من المسؤولية، بسبب تركهم الساحة السياسية فارغة أمام المضاربين والمتطفلين. لذلك يتعين عليهم الخروج من دور المتفرجين السلبيين، التعجيل بتكسير قيود اليأس والشروع في صناعة التغيير المأمول…
وحفاظا على روح المواطنة الصادقة، فإن الواجب الوطني يحتم على الشباب استنهاض هممه وشحذ عزائمه، لخوض معركة الإصلاح الحقيقي، وأن تسهر الأحزاب السياسية على تعميق دورها التأطيري، وألا تتوقف وسائل الإعلام المتنوعة عما تقوم به من تحفيز.
ذلك أنه فضلا عما حبا الله به بلدنا الطيب من طبيعة خلابة، فقد رزقه أيضا ثروة بشرية هائلة، تشكل فئة الشباب الجزء الأكبر، ومنهم أولئك الذين عجلوا بالإصلاحات الدستورية والسياسية، ذات ربيع عربي ملتهب تحت قيادة «حركة 20 فبراير» المباركة.
ومن هذا المنطلق، عليهم أن يعيدوا الكرة بهدوء تام ويهبوا بكثافة من مختلف أرجاء الوطن، للانخراط الفوري في الحياة السياسية عبر القنوات المؤسساتية، مرجحين المصلحة العامة، تعزيز الانتقال الديمقراطي والإسهام الفعال في بناء دولة الحق والقانون، وتحقيق الإقلاع الاقتصادي.
فالضرورة تقتضي ألا يخلف شبابنا الموعد من جديد، مع ما تنتظره البلاد من انتخابات حرة ونزيهة في ظل دستور متطور، واغتنام هذه الفرصة الذهبية لإيقاف مسلسل الفضائح المتوالية: « النجاة، الشوكولاتة، هشاشة البنيات التحتية، الكراطات وانهيار البيوت» وسحب البساط من تحت أقدام الفاسدين، الذين يتمترسون خلف مراكز القرار ويتحكمون في رقاب العباد ومصير البلاد، بأن يتجه غير المسجلين في اللوائح الانتخابية، البالغين من العمر سن الثامنة عشرة عند متم شهر مارس 2015 فما فوق، إلى الاتصال المباشر بمكاتب التسجيل أو الموقع الإلكتروني: www.listeselectorales.com، قصد مباشرة عملية التسجيل المستمرة إلى غاية: 19 فبراير 2015، كخطوة تمهيدية للمشاركة في انتخابات صيف 2015، الكفيلة بتحديد ملامح المرحلة القادمة، وليتمكن المواطنون من تطعيم مختلف المجالس، بمنتخبين شرفاء وأكفاء، قادرين على إدارة الشؤون العامة بإخلاص وإتقان…
ولإعادة الاعتبار إلى الفعل السياسي، فإن الأمر لا يتوقف عند حدود التسجيل في اللوائح الانتخابية وامتلاك بطاقة الناخب، بل يتعداها إلى مراقبة سير العمليات الانتخابية بمساعدة السلطات المعنية، بدءا بالحملات الانتخابية إلى غاية يوم الاقتراع، للحيلولة دون أي انحراف أو تدليس، والتصدي للمفسدين وأعداء التغيير.
ولن يتأتى ذلك إلا بالحضور الفعلي إلى مكاتب التصويت والإدلاء الحر بالصوت مهما كانت الاختيارات والمواقف، باعتبار المشاركة هي السبيل الأمثل لتحقيق المواطنة الكاملة، والتنزيل الديمقراطي للدستور، القطع مع الإفلات من العقاب ووضع حد للتسيب القائم…
فالتحدي الأكبر الذي يواجه شبابنا اليوم، هو تحرير البلاد من الطغمة الفاسدة وسلاسل التخلف. لقد حان وقت مكاشفة الذات، التشمير على سواعد الجد والانضمام إلى القوى الحية في البلاد، للنهوض بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، معالجة القضايا الشائكة وتجاوز الاختلالات القائمة، تحصين المكتسبات الديمقراطية وصيانة الحقوق وحماية الحريات، وزرع الأمل في النفوس المغتمة…
إن شبابنا ورد متفتح باستمرار، يملأ البيوت روعة وأريجا، يناهض الفكر الاستئصالي المتطرف، كما الفساد والاستبداد. يمتلك من الإمكانات ما يؤهله لخلق المعجزات، وما عليه سوى دحر شبح الإحباط والاستجابة إلى نداء الوطن، فلم يعد مقبولا السكوت عن قلب الحقائق، الترتيبات الدولية المتدنية في سلم التنمية، استنزاف خيرات البلاد، نهب وتهريب أموال الشعب، علاوة على سوء التسيير والتلاعب بالصفقات العمومية… وصار من العبث تصور مغرب قوي دون إشراك الشباب في بنائه، إنهم الأجدر بحمل المشعل وإحداث الطفرة النوعية المرجوة. ومن المؤكد أنهم لن يسمحوا مجددا باغتيال أحلامهم، وسيسارعون لا محالة إلى التسجيل في اللوائح الانتخابية، والتصالح مع صناديق الاقتراع التي تحن إلى أصواتهم الثمينة.