الوسيط من اجل الديموقراطية وحقوق الانسان
يأتي تقرير”الوسيط من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان” بخصوص تقييم السياسة العامة ذات الصلة بالشباب، في سياق الرسالة والأهداف التي حددها الوسيط لنفسه منذ تأسيسه في دجنبر 2007، وإذا كان الوسيط يشتغل على ثلاثة أوراش أساسية ضمن مهامه، وهي مراقبة السياسات العمومية، وتقييم مسار العدالة الانتقالية، وتجريب بعض صيغ الوساطة في علاقة بملفات ذات صلة بالحماية، وإذا كان العمل في مختلف هذه الأوراش الثلاثة يتطلب أداء متفاوتا على مستوى طبيعة التدخل والمقاربة والصيغ والأدوات، فإن ورش مراقبة وتقييم السياسات العمومية، يتطلب مجهودا مضاعفا، لكون هذا المجال ما يزال التعاطي معه يؤطر ضمن العمل التأسيسي الذي يتطلب خوضه أولا كتمرين يسهم في إفراز فاعلين مدنيين معنيين بالإشتغال والإنشغال بالسياسات العمومية، نظرا للخصاص الموجود على هذا المستوى، وهو ما يتطلب انخراط جيل شباب الجامعة لدعم وتعزيز قدراتهم في مجال العمل المدني، في مقابل ما يتيح لهم ذلك من فرص لتنزيل حصيلة تعلماتهم، وتغديتها أو تحيينها وملاءمتها على ضوء أسئلة الواقع المتجدد دوما بمشاكله وتحدياته.
كما أن عمل الوسيط في علاقة بهذا الورش لا ينحصر في مراقبته للسياسات العمومية، في علاقة بالجهاز التنفيذي، بل يحاول أن يسائل في ذات الوقت، حسب قدراته وإمكانياته وأولوياته، مختلف الفاعلين لرصد أدائهم في علاقة بهذه السياسات العمومية، لأن مساءلة السياسات العمومية، هي شأن مختلف الفاعلين كل من موقعه، لذلك سيظل الوسيط معنيا أيضا بمواكبة المؤسسة التشريعية وتقييم أدائها في علاقة بالعمل الرقابي والتشريعي، وهو ما شكل موضوع تقريرنا الأول حول “المساءلة البرلمانية للشأن التعليمي”.
إن القيمة المضافة لعملنا على هذا المستوى هو أننا نشتغل على مشاريع من هذا المستوى بهدف مزدوج، وبقدر ما تتضاعف الصعوبات والتحديات في علاقة بمثل هذه المشاريع ، بقدر ما نفكر في إعادة المبادرة مباشرة في علاقة بمجال أو قطاع آخر في مرحلة لاحقة، إن ما نعنيه بمشاريع بهدف مزدوج هو أننا نشتغل على سياسة عمومية ما، وعيننا في الوسيط على أن ننجز التقييم في علاقة بتلك السياسة، بموارد بشرية من شباب الجامعة يتم الاستثمار فيه على مستوى التكوين ذي الصلة، لنكون بصدد تأهيل وتعزيز قدرات الشباب، من خلال تقييم سياسة عمومية ما.
إن المغرب لا تعوزه الخبرات على مستوى تقييم السياسات العمومية،لكن المطلوب هو مأسستها في سياق مشروع علمي أو مدني موازي. لذلك حاولنا في الوسيط رفع تحدي تأهيل مجموعة من الشباب على هذا المستوى، وهو ما يجعل شرط اللجوء إلى الخبرة أساسيا لكن في علاقة بتأطير الشباب الذي يسند إليه إنجاز تقييم السياسات العامة. وفي سفرنا نحو هذا الهدف قد نرتبك أحيانا بخصوص حسم اختيارنا مابين التسريع بإنجاز التقرير حول تقييم سياسية عامة ما بالمواصفات العلمية الصرفة التي تحيل على الخبرة المتعاقد عليها، وبين ما يتطلبه التأهيل والاستثمار في الشباب من تجريب وتأن يستحضر متطلبات مجال تقييم السياسات العامة، وإكراهات العمل التأسيسي المفتوح على فريق عمل.
في هذا السياق يأتي تقرير”تقييم السياسة العامة ذات الصلة بالشباب” وهو تقرير يحاول مساءلة خمس قطاعات حكومية عن سياستها في مجال الشباب، وتتحدد هذه القطاعات في: قطاع التعليم، وقطاع التشغيل والتكوين المهني، وقطاع الصحة، وقطاع التنمية الاجتماعية والتضامن، وقطاع الشباب والرياضة، وذلك خلال الثلاث سنوات التالية: 2007 و2008، و2009. وهي مجالات يتقاطع فيها الاجتماعي بالثقافي والسياسي والتنموي، وبالتالي فمقاربتها ومساءلة مضمونها من زاوية الشباب بشكل أفقي، قد يتيح إمكانية استخلاص مدى وجود سياسة عامة للدولة في مجال الشباب.
وارتأينا في الوسيط أن نشتغل على السياسات العامة لخمس قطاعات حكومية في علاقة بالشباب، خلال سنوات: 2007 و2008، و2009، لأن تقييم مجموعة من السياسات القطاعية هو ما يمكن من تكوين فكرة بخصوص مدى وجود سياسة عامة في مجال الشباب، كما أن تتبع ذلك على مدى حيز زمني معقول، حددناه في ثلاث سنوات هنا، باعتباره المدى الذي يمكن من إقرار وجود سياسة عامة واستقرارها من خلال استمرارها سنة بعد أخرى.
ثانيا: على مستوى المقاربة:
بالرغم من تحديد موضوع ومضمون هذا التقرير في تقييم السياسة العامة للدولة في مجال الشباب، فإن المقاربة وحصيلة منجز الاشتغال سيرهن هذا العمل في جزء كبير منه في مستوى الرصد والوصف والاستقراء، الذي سيظل يحتاج إلى مكونات إضافية مقارنة بين التعهدات والبرامج من جهة وبين تتبع مدى الوفاء بها وكيفية تفعيلها من جهة أخرى.
ففي مرحلة أولى تم تجميع الأدبيات ذات الصلة بالشباب في المرجعية الدولية، كما تم تواترها في الاتفاقيات والصكوك والمؤتمرات، وكذا في المرجعية الوطنية، كما عكستها الخطب الملكية، والتصاريح الحكومية، ومختلف الاستحقاقات ذات الصلة بمواعيد ومحطات وطنية، وذلك من أجل تصنيفها وتحليها على ضوء أسئلة محددة.
في مرحلة ثانية: تم وصف ما جاء في السياسات القطاعية، موضوع التقرير، من خلال وصف ما جاء في برنامج تعهدات كل قطاع من القطاعات الخمسة، واستقرائه وتقييمه على ضوء الموارد المالية المتاحة لكل قطاع، وفي علاقة بالاختصاصات الموكولة له في سياق المراسيم التطبيقية ذات الصلة؛
و في مرحلة ثالثة: تم العمل على رصد الخلاصات وصياغة التوصيات.
ولإعداد تقرير”تقييم السياسة العمومية ذات الصلة بالشباب”، عقد الوسيط ثلاث ورشات لشباب الوسيط لتأهيلهم للانخراط في مهمة إعداد التقارير، وقد تمحور برنامج الورشات حول مايلي:
تحديدات أساسية بخصوص المفهوم (السياسة العامة)، وتطوره وتنزيله في علاقة بمجال الشباب، مرورا بورشة مراقبة السياسات العامة في مجال الشباب من زاوية الميزانية، وصولا إلى ورشة تؤسس لمنهجية ومقاربة إعداد التقارير لتقييم سياسة الدولة في مجال الشباب، وهي ورشات شكلت منطلقا ومحطة أساسية في إطلاق هذا المشروع والتي أطرها بالتتالي كل من السادة الأساتذة حسن طارق والحسين إهناش، وشوقي أحمد بنيوب.
وليخوض مباشرة بعد ذلك مجموعة من الشباب الباحثين التمرين على إعداد تقرير انطلاقا من موضوع يعتبرون طرفا معنيا به مباشرة وهو مجال الشباب. وقد تطلب ذلك سلسلة متتالية من اللقاءات التي عمل على تأطيرها وتنسيق عملها كل من السادة الأساتذة عبد الرزاق الحنوشي وحسن طارق.
اليوم ونحن نقدم إليكم حصيلة هذا العمل، نطمح أن نقرب منكم بعض انشغالات الوسيط والتي تتحدد في مستوياتها التالية:
– المساهمة في إطلاق النقاش حول السياسات العامة، من خلال راهنية مطلب “السياسة العمومية للشباب” هنا والآن.
– المساهمة في إخراج جزء هام من عمل المؤسسة التشريعية، الذي يتمثل في عمل اللجن والذي يتطلب توثيقه مجهودا موازيا حتيتا، من طرف المشرفين عليه، وهو عمل متاح لكنه لم يستثمر بعد بالشكل المطلوب من طرف مختلف الفاعلين سيما الإعلام والبحث العلمي والمجتمع المدني.
ولأن هذا التقرير ليس هدفا في حد ذاته، بل هو حلقة في مشروع ومحطة في إستراتجية، فإننافي الوسيط سننتقل مباشرة بعد تقديم منجزه إليكم، وتجميع حصيلة الملاحظات والنقاشات المتصلة به، إلى ورشة إعداد المذكرة الترافعية بواسطة ومع نفس فريق العمل من أجل اعتمادها منطلقا في الترافع لدى مختلف الفاعلين، لحثهم على التسريع بالاهتمام بوضع وانشغالات وقضايا الشباب بما ينتظم في سياسة عامة للدولة، تخترق بشكل أفقي كل القطاعات، وتحرص على الانسجام الناظم لها.
إنها مبادرة أخرى نطمح من خلالها انخراط شباب الجامعة والمجتمع المدني والإعلام في ثقافة المساءلة، عبر تقييم السياسات العمومية وتعميم النقاش بخصوصها، بما يتيحه ذلك لنا جميعا من ترابط وامتدادات بين المعرفة العلمية والقرار السياسي والنقاش العمومي.