بداية تجدر الإشارة إلى الأخذ بعين الاعتبار الملاحظات التالية:
1- باستثناء الاستياء والتنديد، أو الوثائق الصادرة عن منظومة الأمم المتحدة، هناك شح أو غياب للمعلومات التي تساعد على التحليل واتخاذ المواقف في وقتها، وإذا ما توفرت يعصب التدقيق من صحتها والتأكد من مصداقيتها؛
2- في ظل هذا الوضع، انطلقنا من تقارير الأمين العام وقرارات الجمعية العامة، أو مجلس الأمن ذات الصلة بالموضوع، في محاولة للوقوف على التحولات التي عرفتها في المدة الأخيرة، وتفكيك المفاهيم الأساسية التي تؤطر هذا الصراع، من قبيل دلالة تقرير المصير، أو مسألة التمثيلية…؛
3- إذا كانت السياسة الخارجية حكراً على مؤسسات وأجهزة الدولة، فقضية الصحراء تتجاوز ذلك إلى فعل دبلوماسي، تساهم فيه إضافة إلى المؤسسات المذكورة، الأحزاب السياسية والنقابات وجمعيات المجتمع المدني بمختلف تلاوينها، والبحث العلمي… والتي لم يكن حضورها إلا متقطعاً ومشتتاً؛
4- ستتضمن المقالة بعض التسطيرات، والتي لا توجد في أصل النصوص الرسمية، وإنما لجأنا إليها لاعتبارها مفصلية في تحليلها.
أولا- أسباب تصلب الموقف المغربي
لمعرفة تشدد الموقف المغربي، دفاعاً عن مصالحه الحيوية في قضية الصحراء، يلزم استحضار أمرين أساسيين، حدثا منذ أبريل 2014، واللذان يتجهان نحو تغيير جدري للتعاطي مع الموضوع.
أولهما، تقرير الأمين العام للأمم المتحدة عن الحالة فيما يتعلق بالصحراء، والمقدم إلى مجلس الأمن بتاريخ 10 أبريل 2014، والذي جاء محتواه وصياغته مخالفاً تماماً لجميع التقارير المماثلة التي قدمها في السابق، حيث عمد منذ أول فقرة فيه إلى إدخال تغييرات اصطلاحية، والتي تؤدي في الحقيقة إلى تحولات في الوقائع، تترجم لاحقاً بأوضاع قانونية جديدة.
يقتضي هذا الوضع، تفكيك التقرير المذكور سواء من حيث التوصيفات التي جاء بها، وانعكاساتها القانونية، أو من حيث استخلاص النتائج التي وردت به.
ثانيهما، إدراج موضوع الصحراء، لأول مرة في جدول أعمال، اللجنة الثالثة للجمعية العامة للأمم المتحدة المخصصة للقضايا الاجتماعية والإنسانية والثقافية، في دورتها التاسعة والستون لسنة 2014، وذلك من خلال تقرير للأمين العام حول “حق الشعوب في تقرير المصير” عملاً بطلب من الجمعية العامة في دورتها السابقة (الدورة 68)، حتى يتسنى لها معرفة الإعمال العالمي لهذا الحق.
كان الأمر سيكون عادياً في عمل المؤسسة الأممية، والتي عادة ما تطلب أجهزتها ?لاسيما الجمعية العامة ومجلس الأمن- تقارير من الأمين العام حول تطور مجال تدخلها. غير أن الأمين العام أقحم عنوة موضوع الصحراء من خلال إدراج فقرات من تقريره إلى مجلس الأمن في 10 أبريل 2014 ضمن التقرير الخاص ب”حق الشعوب في تقرير المصير” ومن ضمنها الفقرة 94 من التقرير المذكور، وبعلاقة بقرار مجلس الأمن رقم 2099 ? الصيغة العربية تشير إلى رقم قرار لا علاقة له بموضوع الصحراء-.
يتجلى المشكل في هذا الإدراج، في كون الفقرات الستة المخصصة لها في نهاية التقرير، جاءت كإسقاط خارج السياق الذي تَحَكَّمَ في صياغة تقرير “حق الشعوب في تقرير مصيرها” والمتمثل في تقديم الاجتهادات ذات الصلة بالموضوع، كما تناولتها اللجن المعنية بالمعاهدات خصوصا لجنة حقوق الإنسان واللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وكذا التطورات التي شهدها الموضوع من منظور مجلس حقوق الإنسان.
أما الفقرات المتعلقة بالصحراء في هذا التقرير، فلا تعدو أن تكون تكراراً لتلخيص، لما قدمه الأمين العام إلى مجلس الأمن في أبريل 2014، مع التأكيد على الخلاصة التي توصل إليها في الفقرة 94، من أن المفاوضات تقوم على ضرورة التوصل إلى حل سياسي وشكل تحقيق تقرير المصير.
كما سلف ، أقحمت الفقرات المخصصة للصحراء في التقرير المقدم إلى اللجنة الثالثة للجمعية العامة، وفق نظرة تجزيئية/اختزالية، وخارج النسق الذي يحكم البحث عن حل سياسي لهذا الصراع منذ 2002، فمثلا لماذا لم تتم الإشارة إلى إفادة المبعوث الشخصي السابق للأمين العام (فالسوم) إلى مجلس الأمن، والذي يعتبر فيه أن ”استقلال الصحراء ليس خيارا واقعيا” لأن ذلك سيكون لا محالة، أساسي في تحديد شكل تقرير المصير.
لذلك ليس هناك من تفسير غير مضي الأمين العام في نفس نهج تقريره المقدم إلى مجلس الأمن في أبريل 2014، والهادف إلى إحداث تحولات اصطلاحية أو مرجعية، تساعد على استنباط تصرفات أو أوضاع قانونية جديدة، وهو ما يناقض تماما الجهود المبذولة لإيجاد حل سياسي مقبول من جميع أطراف النزاع، والذي يعد أساسيا وجوهريا للمساهمة في استقرار وأمن منطقة الساحل أيضا، كما نص عليه قرار مجلس الأمن رقم 2099 لسنة 2013.
تُسَائل التحديات المذكورة، الاستراتيجية المتبعة من طرف المغرب، والتي تميزت طيلة 40 سنة بردة الفعل أكثر من المبادرة إلى الهجوم، لاسيما في الوقت الذي سجلت فيه البلاد تحولات جذرية لقيت ترحابا واسعا من قبل المجتمع الدولي، كما هو حال هيئة الانصاف والمصالحة كلجنة للحقيقة لمعالجة ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، أو تقديمه ل “المبادرة المغربية بشأن التفاوض لتخويل الصحراء حكما ذاتيا” أو دستور 2011 بما أتاحه من تعزيز للمكاسب الديمقراطية ومنها تمكين الجهات بسلطات مهمة من أجل التدبير الذاتي لمجالاتها الترابية…
فبدل استراتيجية استباقية، نجد بلادنا تخضع لمنطق هجومات متتالية في قضية تعد نقطة قوتها، قياسيا بما هو سائد في محيطها الجغرافي، ألا وهي حقوق الإنسان. الأمر الذي يسائل جميع المكونات، حول دورها، وطرق تدخلها. وقد سبق لجلالة الملك أن نبه في خطابه لافتتاح الدورة الأولى للبرلمان ?أكتوبر 2013- إلى المخاطر المحدقة بقضية الصحراء، وفي مقدمتها، الركون إلى ردود الأفعال بدل اتخاذ مواقف هجومية، حيث أكد جلالته “أن أغلب الفاعلين لا يتعبؤون بقوة، إلا إذا كان هناك خطر محدق يهدد وحدتنا الترابية، وكأنهم ينتظرون الإشارة للقيام بأي تحرك”
إن كان هذا موضوع جوهري، فسنقتصر فيه في هذ الورقة، على إثارة نقطتين جديرتين بالدراسة والتحليل العميقين:
* غياب خيط ناظم: فباستثناء الإجماع حول القضية، فتدخلات مختلف الفاعلين تفتقد لخيط ناظم بينها، وتتميز بالتجزيء وعدم التسلح بمعرفة حقيقية، عملية، سياسية، قانونية لمقارعة الخصوم؛
* غياب خطة واضحة: توحد وتنسق ? على الأقل-
* مرافعات ومحاججات مختلف المتدخلين في الموضوع. والتي قد تكون مستقبلا موضوعا للتشاور في إطار المجلس الأعلى للأمن، وفق ما هو محدد له من اختصاصات في الفصل 54 من الدستور.
كما أسلفت في الملاحظات المنهجية، فالقضية تتجاوز الاجراءات التي تتخذها الدولة ضمن ممارستها السيادية للسياسة الخارجية، إلى دبلوماسية يتفاعل فيها، إضافة إلى الدولة بمختلف مؤسساتها، مكونات المجتمع، كل من زاوية اختصاصه، ولكن وفق خط ناظم تحكمه معرفة علمية.
ثانيا: تقرير اختل فيه التوازن
ليست قضية حقوق الإنسان هي نقطة الخلاف الوحيدة مع تقرير الأمين العام للأمم المتحدة، لأن العديد من فقراته جاءت مخالفة للتقارير السابقة، محاولا إدخال تغييرات جوهرية تمس الوضعية القانونية التي تناقش في إطارها قضية الصحراء داخل مجلس الأمن. وذلك باعتماد مصطلحات جديدة، أو إدراج قضايا جديدة، أو التعامل المزدوج مع نفس القضية، أو عدم استخلاص النتائج اللازمة خصوصا عندما يتعلق الأمر بممارسات تقع بتندوف.
لتبيان ذلك سنتناول بعض من تلك القضايا الواردة في التقرير، محاولين تفكيك دلالاتها وانعكاساتها.
1-على صعيد الصياغة الاصطلاحية
بدءا من الفقرة الثالثة للتقرير، تتضح نية واضعيه، في أن الهدف هو تقديم وضعية مخالفة لما سلف من خلال الاصطلاحات المستعملة والمنتقاة بعناية، وذلك حتى تسهل على أعضاء مجلس الأمن اتخاذ قرارات جديدة، أو إدخال إجراءات جديدة بقراراته. حيث تنص الفقرة المذكورة على أنه:
“ظل الجزء من الصحراء الغربية الخاضع لسيطرة المغرب” في حين أن الاصطلاح المستعمل في التقارير السابقة كان ينص على ” ظل الوضع في الإقليم” كما كانت صياغة الفقرة السادسة من تقرير 2012، أو ” حدث بالإقليم” حسب صياغة الفقرة الثانية من التقرير المقدم إلى مجلس الأمن سنة 2013.
وتجدر الإشارة، إلى أن تقرير 2014 يعود إلى مصطلح “الإقليم” في فقرته الثامنة عشر.
لتكون خلاصة الأمين العام، ولأول مرة في التقارير المرفوعة إلى مجلس الأمن، أن الصحراء توجد في قائمة الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي، وسوف تظل الجهود التي تبدلها الأمم المتحدة ذات صلة وثيقة جدا بهذا الأمر، حتى يتم تحديد وضعها النهائي (الفقرة 93).
وهذه ماهي إلا نتيجة لمنطق نهجه التقرير من أول فقرة فيه إلى خلاصاته.
فإذا لم يتم التصدي في حينه وبحزم لمثل هاته القضايا، فستترسخ في التقارير اللاحقة، وتصبح مع الوقت حقيقة تصعب مواجهتها. وقد بدأت بوادرها تتجسد، ? إضافة إلى ما ذكر ? من خلال إدراج الأمين العام لجزء من تقريره حول الصحراء المقدم إلى مجلس الأمن، ضمن التقرير المعروض على اللجنة الثالثة للجمعية العامة في دورتها التاسعة والستون، كما سبقت الإشارة إلى ذلك في الفقرة الأولى.
2- إدراج قضايا جديدة:
خرج التقرير الذي قدمه الأمين العام إلى مجلس الأمن عن المتداول، بإدراجه لقضايا مستغلة للدعاية في أوساط مؤسساتية أو إعلامية، ولا علاقة لها بحقيقة الواقع المعيش، وللدلالة على ذلك نقدم المثالين التاليين:
أ-موضوع الموارد الطبيعية:
أو الاستفادة من الخيرات المتواجدة بالأقاليم الصحراوية، هنا أيضا استعملت نفس الاستراتيجية المتبعة في مجال حقوق الإنسان، إذ يهاجم المغرب في منطقة هو قوي فيها على أرض الواقع، وهي الاستثمار في البنيات التحتية والمجالات الاجتماعية، كالصحة والتعليم…الأمر الذي انعكس على نوعية وجودة الحياة في الأقاليم الصحراوية بالمقارنة مع فترة الاستعمار الاسباني، حيث سمحت الاستثمارات المخصصة للمنطقة من الولوج الفعلي للساكنة إلى الخدمات الأساسية ومحاربة الفقر.
إضافة إلى أن المغرب لم يتهرب من مناقشة هذا الموضوع في إطار المفاوضات التي تجمع الطرفين، كما أشارت إلى ذلك التقارير السابقة للأمين العام.
كان مألوفا إثارة قضية الثروات، خصوصا داخل البرلمان الأوروبي، من قبيل التعديلات التي قدمها Willy Mayer (اليسار الموحد الاسباني) بمناسبة مناقشة تقرير “شارك تانوك” حول حقوق الإنسان في الساحل (أكتوبر 2013)، أو السؤال الكتابي الموجه من طرف Fiorello Provera (مجموعة الحرية والديمقراطية)، أو اقتراح Panzeri وWolski (اشتراكي / مسيحي ديمقراطي)، أو اقتراح المجموعة البرلمانية البريطانية بتاريخ أبريل 2014…
تجتمع التقارير أو المقترحات المذكورة على أن هناك نهب واستغلال للثروات وحرمان سكان المنطقة، وهو أمر قائم على تمثلات مستنتجة من معطيات معيارية لاستغلال الموارد الطبيعية، دون مراعاة، أو عدم معرفة التغيير الجذري الذي حصل على مستوى عيش الساكنة، وهو على الأقل ما أقرته الفقرة الثالثة من تقرير الأمين العام موضوع الدراسة.
فإن كانت هذه الوضعية مألوفة في الإعلام والمحافل الأوروبية، فإنها حضرت بقوة لأول مرة في تقرير الأمين العام عن الحالة في الصحراء، إذ خصها، بأربع فقرات (11و12و22و97) ليربط الموضوع ومن زاوية خاصة بمقتضيات المادة 73 من ميثاق الأمم المتحدة، والفتوى القانونية التي قدمها هانس كوريل إلى مجلس الأمن في يناير 2002، متجاهلا كل ما يتحقق على أرض الواقع، والاستراتيجية الجديدة التي أقرها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، لتنمية مستدامة بالأقاليم الصحراوية، والتي حددت أسس النموذج التنموي الجديد في:
* التنمية البشرية المندمجة والمستدامة؛
* مشاركة الفاعلين ذوو الصفة التمثيلية والساكنة المحلية في كل مراحل إعداد وتفعيل البرامج التنموية بالجهة؛
* احترام فعلية الحقوق الإنسانية الأساسية للمواطنين.
هذا الوضع يسائلنا عن الكيفية التي نقدم بها كل ما يرتبط بالمنجزات الاقتصادية والاجتماعية وعلاقتها بالانصهار والاندماج الاجتماعي بالمنطقة
علما بأن هاته الاستراتيجية متكاملة الأطراف من التشخيص إلى تحديد الأهداف، مقترنة بوسائل تنزيلها على الواقع.
لذا من واجب المفاوض المغربي، أن يسائل الأمين العام ومبعوثه الشخصي، عن دلالات إصراره على تضمين تقريره قضية استغلال الموارد الطبيعية من زاوية مسطرية صرفة، وبقراءة مجزأة متجاهلا إجراءات عملية على أرض الواقع، والتي تتجاوز ما هو وارد في المقتضيات القانونية التي يرتكز إليها.
علما بأنه في مخيمات تندوف، يُقر بأن الاجتماعات المعقودة هناك مع وكالات الأمم المتحدة، يُحذّر فيها البوليساريو محاوريه، من تنفيذ أي أنشطة إنمائية تكون على حساب برنامج المساعدة الإنسانية (الفقرة 61). فالأمين العام في هذه الحالة يقف عند حدود الإقرار بالواقعة، دون أن يرتب عنها نتائج، عكس التعامل عندما يتعلق الأمر بممارسة منسوبة إلى المغرب.
فما يخفيه الإقرار المذكور، هو أن تمكين ساكنة المخيمات من أنشطة مدرة للدخل، تعد بداية لتفكير في نمط جديد للحياة بعيدا عن الولاء لمن يقدم المساعدات. فمحاربة الأنشطة الإنمائية بتندوف، مرده إلى الخوف من استقلالية الساكنة في اتخاذ مواقفها وقراراتها بعيدا عن أية ضغوطات كانت.
ب-الحفاظ على الهوية الثقافية للسكان الأصليين:
لا يمكن فصل هذه القضية عن المنطق الذي أشرنا إليه سابقا بخصوص التعاطي مع الموارد الطبيعية أو ربطها بالأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي (فقرة 93)، لذا لن أطيل في أسباب نزولها، وسأقتصر على إشارتين تتجهان نحو مزيد من إضعاف الموقف المغربي، وذلك من خلال:
* فتح إطار قانوني جديد للهجوم على المغرب، من خلال العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، وتقديم ساكنة الصحراء كـ”شعوب أصلية مُنتَهكَة الحقوق”. وكذلك ربطها بإعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصلية في تحديد الأولويات والاستراتيجيات المتعلقة بتنمية أو استخدام أراضيها وأقاليمها؛
* انطلاقا من هذا الوضع المعياري، يُفْرَضُ على المغرب مناقشتها في إطار اللجان المعنية بالعهدين المذكورين، وبمنتديات مجلس حقوق الإنسان ذات الصلة بالموضوع على أساس أنها “شعوب أصلية”. وليس فقط مدى إعمال المغرب لمقتضيات العهدين والتزاماته في مجال حقوق الإنسان.
كما أن هذا النهج، سيفتح الباب أمام تدخلات المقرر الخاص المعني بحقوق الشعوب الأصلية، وجعلها من المداخل التي يتم اللجوء إليها لتناول موضوع الصحراء من خلال اللجنة الثالثة للجمعية العامة للأمم المتحدة، وهو عكس ما كان سائداً لحد الآن، أي حصر نقاش القضية أمام اللجنة الرابعة.
3-إحصاء سكان المخيمات وتمثيلية ساكنة الإقليم.
أ- إحصاء سكان المخيمات.
يشكل هذا الموضوع بالملموس، تنصل الجزائر من إخضاع مخيمات تندوف للقواعد القانونية الناظمة لقضايا اللاجئين، وتهرب الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه الشخصي من إثارة هذه القضية بالحزم اللازم، تجنباً إحراج الجزائر، وجعلها طرفاً أساسياً في النزاع. وحتى قرارات مجلس الأمن المتواترة لا تعدو أن تكون مجرد تكرار لـ »طلب تسجيل اللاجئين في مخيمات تندوف«، لتبقى كصيحة في واد.
ما يؤكـد التهرب من الحرص على الشرعية الدولية في موضوع اللاجئين، الفقرتان 63 و95 من تقرير الأميـن العـام المقدم إلى مجلس الأمن في أبريل 2014، حيث أقرتا بـ:
* »وخلال البعثة الرفيعة المستوى التي أرسلتها (المفوضية العليا للاجئين) في شتنبر 2013، جرت مناقشات مع السلطات المعنية بشأن مسألة لم يُبَتْ فيها بعد، وتتعلق بتسجيل اللاجئين في مخيمات اللاجئين. واتفقت المفوضية مع هذه السلطات على إرسال خبير تسجيل في الربع الثاني من عام 2014 لمناقشة طرق إجراء التسجيل في المخيمات« (الفقرة 63)؛
* »… ويسرني أيضاً أن أشير إلى ما اتخذ من خطوات بشأن مسألة تسجيل اللاجئين التي ما زالت معلقة. وسيتولى مكتب المفوض لشؤون اللاجئين، وفقاً لولايته ومبادئه، مناقشة طرق تنفيذ هذه العملية مع السلطات المعنية، وإنني أشجع على إحراز تقدم مستمر، وعلى التعاون الكامل مع مكتب شؤون اللاجئين، في هذا الصدد« (الفقرة 95).
يتضح من الفقرتان أعلاه، أن التشاور وطرق تنفيذ مسألة تسجيل اللاجئين تتم مع »السلطات المعنية«، دون أن يسميها، وكأن العملية تتم مع نكرة، في وقت أنها تجري مع دولة أو على الأقل فوق تراب خاضع لولاية قانونية لدولة محددة. علماً بأن السيد كريستوفر روس خلال إحاطته المقدمة إلى مجلس الأمن في 22 أبريل 2013، وخلال حديثه مع السيد محمد عبد العزيز، أفاد بأنه »بالنسبة للتسجيل الفردي للاجئين، الموضوع الذي أثرته مرة أخرى، مشدداً على أنه أكثر أهمية من ذي قبل معرفة من يتواجد بالمخيمات؟ كان الجواب كالسابق: »لا حاجة لمثل هذا التسجيل، المفوضية السامية لغوث اللاجئين والمانحون راضون بتقديرات البلد المضيف لأعداد اللاجئين، وأنه لا يستطيع الأجانب التسلل إلى سكان المخيمات.. ».
إفادة جوهرية للدلالة على أن المخيمات ومن يتواجد بها يدبر من قبل البلد المضيف، أي الجزائر، وأن من يقدم التقديرات، ومن يفاوض المانحين هي الجزائر، والتي تعتبر نفسها غير معنية بنزاع الصحراء، ويجاريها في ذلك الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه الشخصي إلى الصحراء. علماً بأنه سبق للأمين العام أن دعا الجزائر في يونيو 2001 إلى أن تشارك في التفاوض بصفتها طرفاً في النزاع (الفقرتان 54 و59 من تقرير الأمين العام الموجه إلى مجلس الأمن بتاريخ 20 يونيو 2001).
لنتجاوز مسألة تسمية »السلطات المعنية« بشؤون اللاجئين بتندوف؛ إلى مساءلة الأمين العام ومجلس الأمن عن:
1- مدى إعمال ما ورد في تقريره من مقتضيات ذات صلة باللاجئين، حيث تم الإقرار في الفقرة 63، أن المفوضية اتفقت مع «السلطات المعنية» على إرسال خبير تسجيل في الربع الثاني من عام 2014 لمناقشة طرق إجراء التسجيل في المخيمات. نحن الآن في نهاية 2014، فمن حقنا معرفة إلى أين وصلت هذه العملية؟
2- مدى ملاءمة وسلامة طرق التسجيل في المخيمات مع مبادئ القانون الدولي، والقانون الدولي الإنساني، والقانون الدولي للاجئين، لاسيما، المبادئ التوجيهية للحفاظ على الطابع المدني والإنساني للجوء، الصادرة بتاريخ شتنبر 2006، عن المفوضية السامية لغوث اللاجئين، وقرار مجلس الأمن رقم 1296 بتاريخ 2000، والذي يعتبر التواجد المسلح بين اللاجئين بمثابة تهديد للسلم والأمن الدوليين.
3- ماهي الضمانات ?في ظل غياب إحصاء وفق المعايير الدولية-بأن ما يمارس في مخيمات تندوف متوافق مع البروتوكول الإضافي الأول لسنة 1977 واتفاقية 1989 المتعلقة بالمرتزقة. وأنه ليس هناك بالمخيمات مرتزقة، الأمر الذي يرهن مصير الحل السياسي السلمي لقضية الصحراء، ويعمل على تقويض وإضعاف السلامة الإقليمية أو الوحدة السياسية لدول المنطقة. ففي غياب الطابع المدني لمخيمات اللاجئين، يستحيل الحديث عن حرية الاختيار، علاوة على اعتبارها انتهاكاً صريحاً لجوهر حقوق الإنسان من خلال التجنيد القسري لاسيما في صفوف الفتيات والأطفال.
ب- تمثيلية سكان الإقليم.
يثير الأمين العام في تقاريره قضية تمثيلية سكان الإقليم، ويؤكد في تقريره موضوع الدراسة بِأَنْ »عبر له الصحراويون من جميع المشارب السياسية من شعورهم بأنهم مستبعدون من المفاوضات التي يفترض أن تقرر مستقبلهم، بل أن بعضهم يذهب إلى حدود أن لا المغرب ولا جبهة البوليساريو يمثلان مصالحهم« (الفقرات 18 و22 و23).
لإِنْ كانت الأمم المتحدة تعتبر أن المغرب وجبهة البوليساريو هما الطرفان الرسميان، فإن ذلك لا يمنع من إعادة خوض معركة التمثيلية التي ترسخت نتيجة ارتخاء ?mollesse – السياسية المغربية في نهاية سبعينات القرن الماضي، وهي من المعارك التي قد يبدو أننا خسرناها دون أن نخوضها فعلاً، ونتج عن ذلك تثبيت جبهة البوليساريو كـ»ممثل وحيد« للصحراويين، وأن الجزائر ليست طرفاً في هذا النزاع، وبالتالي لن تكون طرفاً في مفاوضات البحث عن حل له.
لذا، لن يستقيم أي حل سياسي دائم، إذا لم توضع جبهة البوليساريو في إطارها وحجمها الحقيقي، باعتبارها فصيلاً سياسياً من مكونات الصحراويين، وبالتالي ليست لا ممثلاً شرعياً ولا وحيداً لجميع الصحراويين، مع التشدد في التناقض الذي وقعت فيه بإعلانها »دولة« وفي نفس الوقت تطالب بتقرير مصير، بعيداً عن رغبة الساكنة على أرض الواقع.
فالسلاح الوحيد بيد الجزائر والبوليساريو، هو النهج المتبع حالياً والذي يحصر النقاش في طرفين (المغرب والبوليساريو)، واللذان يعملان على تثبيته بجميع الوسائل وفي شتى المحافل، وذلك ما يتأكد من خلال الإفادة التي قدمها المبعوث الشخصي أمام مجلس الأمن في 22 أبريل 2013، من خلال إصرار الأمين العام للبوليساريو، والوزير الجزائري المنتدب المكلف بالشؤون الإفريقية والمغاربية (السيد أمساهل)، على ضرورة الحفاظ على خيار اللقاءات المباشرة بين المغرب وجبهة البوليساريو.
ويتجلى الهدف من وراء ذلك، في الإبراز، إعلامياً ومؤسساتياً، بأن العملية التفاوضية محصورة في طرفين، ولا حاجة لتدخل طرف ثالث سواء كان دولة مرتبطة بالنزاع، أو ساكنة يهمها مصير الإقليم.
وبالمقابل لا يمكن أن يكون موضوع التمثيلية مدخلاً لإنتاج ريع جديد، من خلال استعمال »مصلحة ساكنة الإقليم« كتقية لتحقيق مكاسب ذاتية ضيقة، ولا تخدم أية قضية. وهي مناسبة لكي يحدث المغرب توازناً بين المجهود الإنمائي الكبير، والمكلف للمالية العمومية، ومعركة كسب ثقة الأجيال الثلاث، والتي عرفت انصهاراً مجتمعياً مهماً، وتقر بالتطور الحاصل على أرض الواقع، دون أن تستطيع الانخراط فيه والدفاع عنه، وذلك نتيجة الانفصام الذي وقع على مدار العقود الفائتة بين المجهود التنموي والمعركة الثقافية-المجتمعية، والذي يُعَدُّ الفشل فيه جماعياً، للدولة ولمكونات المجتمع، والفارق بينهما في مستويات تدخل كل واحد منهم.
فقضية التمثيلية، هي جوهر الحل السياسي كما أسلفت، ومدخلها الجيد بالنسبة لبلادنا، ينطلق من الإعمال الجيد لخلاصات المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، سواء فيما يتعلق بتشخيص الرهانات الخاصة بتنمية الأقاليم الجنوبية أو مخرجات النموذج التنموي الجديد، لاسيما تلك المرتبطة بإقرار حكـامة مسؤولة تحقيقـاً لمبدأي الثقة والديمراطية.
مقرونة ببسط دلالات مكونات مقترح الحكم الذاتي من قبيل حرية الاختيار والتدبير الذاتي للشؤون المحلية…
إن المسؤولية في هذا الباب جماعية، الدولة ومؤسساتها، ومكونات المجتمع المدني والفرقاء السياسيين والنقابيين، كل من موقعه، من حيث أن يسائل كل واحد ممارسته، وأدوات لمنهجية جديدة للتعاطي مع موضوع الصحراء. ولعل ذلك ما أكد عليه جلالة الملك في خطابه خلال افتتاح الدورة البرلمانية الأولى في أكتوبر 2013.
كما سيشكل هذا النهج، جواباً صريحاً وواقعياً على التشكيك الذي يحاول الأمين العام للأمم المتحدة، تثبيته من خلال تقريره (الفقرة 18)، في الجهود والمقترحات التي يتقدم بها المغرب من أجل إيجاد حل سياسي مقبول من جميع أطراف النزاع.
4-حقوق الإنسان
يشكل موضوع حقوق الإنسان نموذجاً لغياب تفكير استباقي، والتعاطي المتجزئ في شكل ردود أفعال تحاول إيجاد حلول آنية لقضايا مدروسة الخطوات بعناية من الطرف الآخر، ضمن استراتيجية تلعب على الزمن لإنهاك المغرب، وفي محاولة لحجب أو تحجيم كل ما قام به في هذا المجال.
شُرعَ في تنفيذ الاستراتيجية المذكورة مع بداية تسعينات القرن الماضي، من خلال استغلال مساطر لجنة حقوق الإنسان، لاسيما تلك المرتبطة بمجموعة العمل للاختفاء القسري واللاإرادي، أو الشكايات في إطار المسطرة 1503 للجنة الفرعية لحقوق الإنسان، فمع شروع هيئة الإنصاف والمصالحة في أعمالها، والترحاب الدولي الذي لقيته، تم طرح لائحة لمختفين مفترضين مكونة من 250 فردأً على أنظار اللجنة المذكورة، والتي تبين بعد دراستها أنه باستثناء حوالي 30 ادعاء، جميع الحالات الواردة في تلك اللائحة سبق وأن عرضت على هيئات أممية أخرى، واستُجليَ أمرها سواء من خلال العفو الشامل لسنة 1992، أو عمل هيئة التحكيم المستقلة، أو من خلال التعامل الإيجابي للمغرب مع اللوائح المعروضة على مجموعة العمل للاختفاء القسري.
الأساسي في هذا الموضوع، هو أن العملية مدروسة بعناية، وتقف وراءها إمكانية داعمة- logistique- لها دراية بتحريك المساطر الأممية المتاحة لها، فمثلا، هي على علم بأن مساعيها في إطار المسطرة 1503 مآلها الفشل، ولكن قيمتها المضافة بالنسبة لاستراتيجيتها تكمن في الصدى الإعلامي الذي تتركه، لأنه عندما تطرح قضية ما، فإنها تصاحبها بحملة إعلامية قوية، وعلى جميع الحوامل الإعلامية، فباستثناء الباحثين المتخصصين، ما يبقى راسخاً هو هذه اللحظة، ونادراً ما يتم الانتباه إلى النتيجة النهائية، والتي تكون غالباً مخالفة تماما لما تم ادعاؤه.
أمام بخصوص تقارير الأمين العام للأمم المتحدة إلى مجلس الأمن، جدير بالذكر أنه بالعودة إلى أكثر من أربعين تقريرا موجهة إلى مجلس الأمن منذ يناير 1998، لم تظهر مسألة حقوق الإنسان في هذه التقارير إلا في أكتوبر 2006، كما أن البوليساريو لم تجعلها العنصر الأساسي لاستراتيجيتها إلا سنة 2008، حيث دعت إلى توسيع مهمة المينورسو لتشمل رصد حقوق الإنسان، أي سنة بعد تقديم المغرب مقترح الحكم الذاتي في إطار المفاوضات الرامية إلى إيجاد حل سياسي لهذا النزاع.
ركزت البوليساريو منذ سنة 2009، استراتيجيتها على تسويق خطاب معياري ومؤسساتي يستند إلى مبادئ القانون الدولي وحقوق الإنسان، بحثاً عن مزيد من الإشعاع والدعم في الساحة الدولية، وأمام الأحداث المذكورة تكتفي بلادنا باعتماد مواقف دفاعية في مجال يعد نقطة قوتها في المنطقة.
بالمقابل، في مواجهة ردة الفعل المغربية القوية على اقتراح توسيع مهام المينورسو (الفقرة 116 من تقرير الأمين العام الموجه إلى مجلس الأمن في أبريل 2013)، تولت الجزائر، وعلى أعلى مستوى سياسي، الدفاع والترويج لهذا الطرح، من خلال خطاب الرئيس الجزائري السيد عبد العزيز بوتفليقة، في أبوجا بنيجيريا، خلال مؤتمر التضامن مع قضية الصحراء، والذي دعا فيه إلى توسيع مهام المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الإنسان.
كل ذلك، كخطورة إضافية لمزيد من التأثير في قرارات الولايات المتحدة في قضية الصحراء، من خلال حقوق الإنسان، لاسيما وأن هناك لوبي ضاغط داخل الكونغرس (يجمع الديمقراطيين والجمهوريين)، ومسنود من منظمات دولية أمريكية تعمل في الاتجاه المذكور.
ليس من البراءة في شيء، تزامن دعوة الرئيس الجزائري المشار إليها، والزيارة التي كانت مقررة آنذاك، لجلالة الملك إلى الولايات المتحدة، أو الأحداث التي صاحبت حينها زيارة المبعوث الشخصي للأمين العام إلى مناطق الصحراء.
انطلاقاً من الأمثلة السالفة، يتضح بجلاء أن قضية حقوق الإنسان أصبحت أداة للتوظيف في الصراع السياسي من خلال أشكال مختلفة، ولا يسعنى هنا إلا أن أحيل على مذكرة سبق لمركز دراسات حقوق الإنسان والديمقراطية أن رفعها إلى السيد الأمين العام للأمم المتحدة في 20 أبريل 2013.
وكذلك الرسالة التي وجهها السيد كرستوفر روس إلى الأمين العام بتاريخ 18 يونيو 2010، ونشرتها صحيفة «إلباييس» الإسبانية في صيغتها الالكترونية ليوم 20 غشت 2010، والتي أكد فيها بأن موضوع حقوق الإنسان يعد مسألة خلافية في هذا النزاع، ويأتي في سياق اتهامات توجهها البوليساريو إلى المغرب منذ زمن بعيد، وأن عدداً من تقارير منظمة العفو الدولية وهيومان رايت وتش وآخرين، تصب الزيت على النار في هذا الموضوع.
لذا، فالتفكير الرصين، يجب أن يتجه إلى كيفية مواجهة استغلال قيم الدفاع عن حقوق الإنسان إلى تعسف في استعمال الحق، بما لذلك من دلالات في الأوفاق الدولية ذات الصلة.
لا يفوتنا أيضاً في هذا الإطار، إلى التذكير بأن استراتيجية الجزائر والبوليساريو في موضوع حقوق الإنسان، تتغذى في جزء منها من ممارسات لم يعد المغرب في حاجة إليها، ومرافعات غير مضبوطة لا من الزاوية القانونية أو السياسية، وكذا عدم الحزم في تصحيح المغالطات، خصوصاً تلك التي يضمنها الأمين العام في تقاريره، كتلك المتعلقة بأحداث «أكديم الزيك» (تقرير ابريل 2011)، إضافة إلى السكوت أو عدم الرغبة في مواجهة الجزائر، على الأقل في موضوعين ما يزال ضحاياهم يعانون إلى اليوم، وهما:
1- المرحلون قسراً من الجزائر في دجنبر 1975، فعلى الأقل من زاوية القانون الدولي الإنساني يعتبر ما أقدمت عليه الجزائر:
– تصرف محظور تعترف به النظم القانونية الرئيسية في العالم؛
– موجه ضد ضحايا بسبب انتمائهم؛
– الوازع الخاص ? Dol spécial- للترحيل القسري، انحصر في إحداث معاناة شديدة، ومسّاً بالسلامة الجسدية والبدنية وبالصحة العقلية للسكان المرحلين قسراً.
تشكل الأفعال المذكورة بعضاً من التصرفات المنشئة للجرائم المرتكبة ضد الإنسانية، ومع الأسف، ما يزال الضحايا ينظرون إلى من ارتكب او ساهم في هذه الجريمة، يمارس السلطة بعيداً عن أية محاسبة.
2- أسرى الحرب، والذين استمر أسر بعضهم لأزيد من 20 سنة، في حين أن مقتضيات اتفاقية جنيف الثالثة لسنة 1949، تفرض إطلاق سراح أسرى الحرب مباشرة بعد وقف إطلاق النار.
فبالرغم من الدعوات المتكررة للأمين العام واللجنة الدولية للصليب الأحمر للإفراج عن أسرى الحرب، بما فيهم أولئك الذين حددت اللجنة معايير إنسانية لإطلاقهم، إضافة إلى مطالبة مجلس الأمن في قراره 1429 لسنة 2002، البوليساريو بضرورة الامتثال للقانون الدولي الإنساني، فجميع هذه المطالبات والمناشدات بقيت بدون مستجيب.
وما هو ما يترتب عنه من زاوية القانون الدولي الإنساني، مسؤولية دولية على جميع الأطراف ذات العلاقة بالإبقاء على أسرى الحرب في تندوف بعد 1991.
تجدر الإشارة في نهاية هذه الفقرة، إلى أن بعثة المينورسو تتفرد بتقديم تقارير حول حقوق الإنسان، أو ذات صلة بها، بالرغم من أنها لا تملك تفويضاً صريحاً لذلك، والتي يعمل الأمين العام للأمم المتحدة على ترسيخها، من خلال الدعوة لتميكن ممثله الخاص من حرية أوسع بالمنطقة (الفقرتان 48 و103 من تقرير 2014)، والتي يستند فيها إلى قرار مجلس الأمن رقم 2009 لسنة 2013، والذي جاء فيه «يهيب بجميع الأطراف إبداء التعاون التام مع عملية البعثة (أي المينورسو)، بما فيها تفاعلها الحر مع كافة المحاورين…».
لم تظهر هذه الدعوة إلا في القرار 1979، لسنة 2011، بصيغة «كفالة الوصول لموظفي الأمم المتحدة والأفراد المرتبطين ببعثة المينورسو إلى مقاصدهم فوراً وبدون عوائق» لتتحول صياغتها في القرارات اللاحقة لسنة 2011، إلى الصيغة المشار إليها في تقرير 2014.
يطرح علينا هذا الأمر أكثر من تساؤل، عن تلاقي إرادات الأمانة العامة للأمم المتحدة مع استراتيجية الجزائر والبوليساريو، في وقت واحد، وفي موضوع محدد. غير أن ذلك لا يعفينا من مساءلة نهجنا في الدفاع عن القضية، من خلال عدم الحزم في أمور تبدو ظواهرها شكلية، ولكنها مع الزمن تتحول إلى واقع يفرض معطيات قانونية جديدة لا تخلو من تأثير على الوقائع الميدانية.
ثالثا: في طريق البحث عن حل سياسي.
لعل النقطة الإيجابية في تقرير الأمين العام، تكمن في تأكيده على أن حل قضية الصحراء، رهين بإيجاد حل سياسي جوهري يقبله الطرفان، وهو النهج الذي أقره مجلس الأمن منذ يوليوز 2002، والذي كان يجب أن يشرع فيه منذ إقرار اتفاق وقف إطلاق النار ضمن إطار جهوي موسع.
نظرا لعدم إحراز تقدم في تسوية النزاع المتعلق بالصحراء، دعا مجلس الأمن الطرفين إلى ضرورة البحث عن حل سياسي منذ القرار 1429 بتاريخ 30 يوليوز 2002، على أساس أن يكون عادلا ومقبولا من الطرفين، ليضع بذلك حدا للمأزق الذي رهن مصير القضية ومستقبل شعوب المنطقة بها، والمتمثل في أن هناك طرف فائز وآخر خاسر من خلال إجراء استفتاء قائم على فرضيتين لا غير، مما أدخل القضية في نفق لا أفق ولا مخرج له.
يعزز تقرير الأمين العام المقدم إلى مجلس الأمن بتاريخ 10 أبريل 2014، هذا التوجه، إذ يخلص في فقرته الرابعة والتسعون، إلى أن الهدف من عملية التفاوض محدد في نقطتين أساسيتين، وهما:
1- الفحوى هي التوصل إلى حل سياسي؛
2- شكل تقرير المصير (الصيغة العربية للتقرير ركيكة).
ويؤكد الأمين العام على ذلك من خلال تقريره الذي رفعه إلى اللجنة الثالثة للجمعية العامة في دورتها التاسعة والستون لسنة 2014 (الفقرة 29)، والذي سبق وأن أوضحه في الفقرات 19 و21 و25 من التقرير المقدم إلى مجلس الأمن في 2014، والتي أركز فيها على:
* تأكيد المبعوث الشخصي للأمين العام السيد كريستوفر روس لجبهة البوليساريو بأن «مجلس الأمن وإن حدد تقرير المصير بوصفه إحدى المسألتين الرئيسيتين اللتين يتعين التطرق لهما، فإنه لم يحدد الشكل الذي يمكن أن يتخذه تقرير المصير»(الفقرة 21)؛
* حث المبعوث الشخصي، أعضاء فريق الأصدقاء (الولايات المتحدة، فرنسا، إسبانيا) على إقناع الطرفين (المغرب والبوليساريو) إلى ضرورة المرونة في البحث عن حل توفيقي، والذين بدورهم أجمعوا على الحاجة إلى معالجة جوهر الحل والوسائل اللازمة لممارسة حق تقرير المصير» (الفقرتان 25 و26).
يتضح من تحليل ما سلف، أن هناك مسألتان جوهريتان، حل سياسي وشكل تقرير المصير، واللتان تتطلبان معركة فكرية-فقهية، وسياسية-دبلوماسية، في الأوساط المؤثرة في القرار الدولي ذو الصلة بقضية الصحراء، وفي مقدمتها فريق الأصدقاء والدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، وفي البرلمان الأوروبي وعن طريق التواجد القوي والشرس في دواليب الأمانة العامة للأمم المتحدة.
وسأقتصر في هذه الفقرة على موقعة المسألتان في الإطار الذي يمكن أن تناقش فيه، تاركا تحليلهما إلى الفقرتان المخصصتان لتفكيك دلالات مفهوم تقرير المصير، ومقترح ‹›المبادرة المغربية بشأن التفاوض لتخويل الصحراء حكما ذاتيا›› كحل سياسي ووسيلة لممارسة حق تقرير المصير.
1. الوسائل اللازمة لممارسة حق تقرير المصير
يلزم العمل على البحث وتطوير الوسائل المتعددة لممارسة حق تقرير المصير، وعدم حصره في الثنائية التي تحكمت فيه قبل 30 يوليوز 2002، والتي أظهرت بالملموس عدم جدواها على أرض الواقع، وذلك انطلاقا مما قدمه المغرب من مقترحات، آخذين بعين الاعتبار المداخل التالية، والتي لا تعد حصرية:
1. حل قائم على الحوار والتفاوض كوسيلة أساسية للتوصل إلى حل توافقي بأبعاد جهوية؛
2. الأخذ بعين الاعتبار الحركية الدولية الراهنة؛
3. التحول المفاهيمي، وفي الواقع، من الدولة الوطنية إلى دولة جهات كنموذج متقدم وأرقى للديمقراطية؛
4. الإنصهار والإندماج الذي حدث بالمنطقة، ليس على حساب الصعيد الاقتصادي فحسب، وإنما على الصعيد الاجتماعي أيضا، وانعكاس ذلك على تطور وتحسين نوعية الحياة لساكنة المناطق الصحراوية، وذلك في إطار رؤية شمولية للإصلاحات التي يشهدها المجتمع المغربي، والتي تشكل تلك المناطق جزءا لا يتجزأ منه؛
5. تعزيـز الديمقراطيـة وسيادة القانون بالمنطقة واللذان يعدان أكبر ضحية لهذا النـزاع.
2. حل سياسي بأبعاد استراتيجية
يستحيل أن يتم تصور حل جوهري لقضية الصحراء، خارج استراتيجية تأخذ بحسبانها التحولات الجوهرية التي تعرفها إفريقيا سواء في شمالها أو منطقة الساحل بامتدادها في العمق الإفريقي، وهو ما سبق للأمين العام للأمم المتحدة أن شدد عليه في تقريره إلى مجلس الأمن بتاريخ 8 أبريل 2013، عندما اعتبر أن «معالجة نزاع الصحراء يشكل جزءا من استراتيجية أوسع لمنطقة الساحل، علاوة على التكامل الإقليمي وفوائده الاقتصادية والتجارية والاجتماعية الهامة» (الفقرة 114).
يجب على الأقل، أن يُأْخَذَ بعين الاعتبار، في ظل الأوضاع الراهنة بالمنطقة المشار إليها، عاملان اثنان:
أ- عدم القدرة على التنبؤ
Imprévisibilité بالوضع السياسي في الجزائر:
وضع يتميز بجمود تجاوز نصف قرن، نتج عنه غياب تام لمؤسسات دولة تقوم على أساس القانون وتحتكم إليه، وعزوف تام عن الانخراط السياسي وتملك أدوات تدبير الشأن العمومي وفق المعايير والمساطر الديموقراطية، وحتى إذا ما أتيحت فرصة المشاركة لجميع المشارب السياسية والفكرية، مع توفير هامش من حرية الإختيار، فالخوف كل الخوف في ظل هذه الأوضاع، أن تؤول النتيجة للحركات الأكثر غلوا وتطرفاً.
وانطلاقا مما شهدته المنطقة في السنين الأخيرة من حراك اجتماعي، يبقى التساؤل حول استقرار المنطقة مشروعا، مخافة أي تغيير فجائي في المنظومة السياسية للجزائر، والقائمة على مزاوجة بين ممارسة سياسة شمولية، وربط المصالح بالولاء الشديد للمنظومة، مما ينتج عنه فراغ سياسي ومؤسساتي لن يكون إلا مرتعا للتطرف، علما بأن البلد مخترق في الأصل من قبل الحركات الإرهابية، وما أحداث تكنطورين بالقرب من عين أميناس، إلا نموذجا ودليلا، لأنها ليست عملاً إرهابياً «روتينياً» كما تعودت عليه الجزائر، وإنما تعلق الأمر بضرب موقع بترولي بالغ الحساسية، لأن المنطقة تعتبر استثنائية من خلال إجراءات الحراسة والمراقبة التي تخضع لها. وتتموقع ضمن الشريط الذي تنشط فيه الحركات الإرهابية انطلاقا من ليبيا إلى منطقة الساحل وصولا إلى العمق الإفريقي.
فعلى الفاعلين الدوليين أن يأخذوا الموعظة مما وقع/يقع في ليبيا، والتي أدخلت المنطقة والسلم العالمي عموما، متاهة مخاطر لا أحد الآن يستطيع الجزم في كيفية الخروج منها.
فمن الزاوية السياسية والعقائدية، هناك تشابه كبير بين نظام القذافي والنظام السياسي في الجزائر، ويساهم ارتباطهما الجغرافي، راهنا في تحويل منطقة شاسعة من صحرائها إلى سرير للحركات الإرهابية الأكثر تطرفاً.
كما أن سياسة الجزائر لمواجهة الإرهاب، تشوبها عدة شوائب، نذكر منها قصورها في تجفيف منابع تمويل الإرهاب والجريمة المنظمة، وهو ما يدل على غياب إرادة سياسية، لأن الحزم في هذا الباب تمتد إجراءاته إلى تبييض الأموال ومساطر اليقظة فيما يخص زبناء البنوك، حيث تؤكد مجموعة العمل المالية (GAFI) في إعلانها العمومي بتاريخ 27 يونيو 2014، بأن هناك اختلالات في الممارسة المالية للجزائر، والتي يجب عليها أن تتلاءم مع المعايير الدولية، لا سيما فيما يتعلق بـ:
* تجريم تمويل الإرهاب؛
* وضع وإعمال إطار قانوني ملائم لتحديد ?Identification- وكشف وتجميد الأصول المالية للإرهابيين؛
* تحسين إجراءات اليقظة المرتبطة بزبناء الأبناك.
ب- شساعة دائرة عدم الاستقرار
تتميز منطقة عدم الاستقرار بثلاث خاصيات:
1- شساعة المنطقة.
خرائطياً، تعد الرقعة الجغرافية لمنطقة عدم الاستقرار شاسعة جداً، إذ يجمع خط عدم الاستقرار بين ثلاث قارات (إفريقيا، أوروبا، آسيا)، ويمتد من المحيط الأطلسي إلى المحيط الهندي، ويربط البحر الأبيض المتوسط بالبحر الأحمر.
وتبقى منطقته الساخنة هي الممتدة بين صحراء ليبيا مروراً بالصحراء الجزائرية ومالي بامتدادها لمنطقة الساحل، وصولاً إلى نيجيريا والصومال.
2- تعدد الفاعلين غير الدوليين:
مثمثلين في حركات مؤثرة في مصير المنطقة والمصنفين ضمن الحركات الإرهابية الأكثر تطرفاً من قبيل:
القاعدة في المغرب الإسلامي، أنصار الدين، أنصار الشريعة، حركة الوحدة والجهاد في غرب إفريقيا، حركة المرابطين، حركة الشباب، بوكوحرام.
ينضاف إلى هذه الحركات الإرهابية، الحركة الوطنية لتحرير أزواد، والتي قد تلتقي في مصالحها مع أهداف الحركات المذكورة أو حركات التهريب والجريمة المنظمة.
3- انتشار السلاح:
تعرف هذه المنطقة، انتشاراً واسعاً للأسلحة الهجومية التي تم تهريبها من ليبيا عبر الصحراء الجزائرية إلى دول الساحل خصوصاً مالي، والتي تشكل الداعم المادي لشن الهجمات الإرهابية بالمنطقة.
ينضاف إلى المخاطر الإرهابية، تنامي الجريمة المنظمة عبر الوطنية والاتجار غير المشروع بالمخدرات والأسلحة بالمنطقة، مما يزيد في إذكاء النزاعات المسلحة وعدم الاستقرار.
غير أن ما يثير الانتباه مرة أخرى هو عدم التناسق بين مواقف الأمين العام للأمم المتحدة، فمن جهة، خلال تناوله لنزاع الصحراء يعتبره يشكل جزءً من استراتيجية شاملة تمتد إلى منطقة الساحل، لكن من جهة أخرى، خلال تقريره حول التقدم المحرز نحو تنفيذ استراتيجية الأمم المتحدة المتكاملة لمنطقة الساحل المقدم لمجلس الأمن بتاريخ 6 يونيو 2014، يقر في بدايته بأن أية استراتيجية يجب أن تشمل دول غرب إفريقيا، ووسط إفريقيا، وإفريقيا الشمالية، لكنه في خلاصاته، يستبعد تماماً شمال إفريقيا، وبالتالي نزاع الصحراء، الذي يؤكد على أن حله، يلزم أن يتم في إطار سياسية شمولية بالمنطقة، وفي ذلك أيضاً خدمة مسكوت عنها للجزائر، لأن أكبر تهديد لاستقرار منطقة الساحل وامتدادها الجغرافي ينطلق من الجزائر وليبيا. الأمر الذي يُبْقِى التساؤل حول ازدواجية التعامل او النظرة التجزيئية، قائماً ومشروعاً.
إشكالية الصحراء: مقاربة من أجل فعل استباقي
رابعاً: دلالة مفهوم تقرير المصير
لن ندخل كثيرا في النقاش الفقهي،لأنه كتب فيه الكثير،فما يهم هو تقعيد مقترح المغرب على ضوء التطورات التي عرفها المفهوم،ومنها اعتبار الأمين العام في تقريره الأخير أن “تقرير المصير”هو شكل يجب تحديد الوسائل اللازمة لممارسته في إطار حل سياسي مقبول من الطرفين”.
فمفهوم تقرير المصير،انتقل من الإديولوجيا (الثورة الفرنسية،استقلال الولايات المتحدة، ظهور الأقليات…) ليختلط فيه السياسي بالقانوني.ويمكن إيجاز مرتكزاته القانونية في:
* ?قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، لا سيما القرار 1514 المتخذ في 20 دجنبر 1960 تحت عنوان “إعلان منح الاستقلال للدول والشعوب المستعمرة”، والقرار 1541 من نفس السنة، وكذا القرار 2625 المتخذ بتاريخ 24 أكتوبر 1970؛
* المادة الأولى من العهد الدولي المتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعي والثقافية، وكذا العهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية؛
* آراء محكمة العدل الدولية في قضية ناميبيا سنة 1971، وقضية الصحراء سنة 1975.
* وجميع ما ورد في قرارات الجمعية العامة والاتفاقيات الدولية والأحكام القضائية الدولية لا يتجاوز ما نص عليه ميثاق الأمم المتحدة في مادتيه الأولى (فقرة ثانية) والخامسة والخمسين.
فالوثائق السالفة الذكر أقرت بمبدإ حق تقرير المصير، ولكنها لم تضع مضمونا محددا له، ولا صيغة وحيدة أو موحدة لتطبيقه، وتركت للمنتظم الدولي قضية ملاءمة الحق مع الواقع حسب ما تقتضيه خصوصية كل حالة، وبالتالي فالتشبث فقط بحق تقرير المصير كما ورد في القرار 1514 ودون إعطاء المفهوم مضمونا واضحا يعد بمثابة رُكُون إلى الجانب المسطري من المفهوم وإفراغه من محتواه وبصورة ممنهجة، والقفز أو تجاهل بأن هناك حقوقا فعلية لساكنة المنطقة يستحيل تقليصها/حصرها فقط في مجرد إجراءات مسطرية للمنتظم الدولي.
لا يجب أن يفهم من هذا النهج، على أنه تهرب من الوضعية القانونية لقرارات المنتظم الدولي، أو التقليل منها، وإنما المسألة ترتبط بتحديد مضمون الحق الذي يقوم بدوره على كيفية تفسير ذلك الحق، وعدم الاقتصار على طرح إيديولوجي بلباس قانوني.
فليس هناك صيغة وحيدة لتقرير المصير، وإنما تتحدد صوره بحسب خصوصية كل حالة، والمرتبطة أساسا بالوضعية المعيشة على أرض الواقع، ويستخلص من التجارب أن مجرد الاعتماد على حلول قانونية تتجاهل الواقع المعيش يشكل مدخلا لمشاكل مستقبلية لا حلول لها.
ولعل هذا ما حدا بمحكمة العدل الدولية في رأيها الاستشاري حول الصحراء لسنة 1975 أن تقر في فقرتها الحادية والسبعون أن “حق تقرير المصير يترك للجمعية العامة أَمْرَ تحديد الأنماط والمساطر التي بموجبها يتم إعمال هذا الحق”.
وهذا هو النهج الذي يسلكه مجلس الأمن راهنا، بتأكيده على ضرورة إيجاد حل سياسي لقضية الصحراءمنذ 2002 .
ويتعزز هذا التوجه، بالتحول الذي حصل في صياغة قرارات مجلس الأمن ذات الصلة بالصحراء ،حيث أضيفت فقرة جديدة،وهكذا نصت الفقرة الثالثة من القرار 1783 (أكتوبر 2007)، إذ أنه يربط تقرير المصير بـ “سياق ترتيبات تتلاءم مع مبادئ ميثاق الأمم المتحدة ومقاصده، وملاحظة دور ومسؤوليات الطرفين في هذا الصدد”
هذا المقطع من الفقرة الثالثة من القرار 1783 لم يكن موجود بالفقرة الثانية من القرار 1754، ودلالة ذلك أن ليس هناك نموذج واحد لتقرير المصير وإنما ترتيبات يجب على المفاوضات أن تتوصل إليها.
وتفسير مضمون تقرير المصير انطلاقا من التطور الحاصل سواء في القانون والعرف الدوليين أو في واقع الحالة المراد تطبيقه عليها، ليس وليد اليوم أو قضية الصحراء، وإنما هو نهج أقرته محكمة العدل الدولية منذ رأيها الإستشاري في قضية ناميبيا في 21 يونيو 1971 .
كما أن قرار الجمعية العامة 1514 أو 1541 لسنة 1960 وكافة القرارات اللاحقة للجمعية، تركت الحرية لتحديد النظام السياسي لكل حالة على حدى، الأمر الذي يؤكد بالملموس أن حق تقرير المصير لم يكن في يوم من الأيام مرادفا للإستقلال السياسي.
بل أكثر من ذلك، حتى وإن أردنا الإقتصار والتشبث فقط بقرار الجمعية العامة 1514، فتفسيره وتطبيقه يجب أن يكون شاملا، فتقرير المصير مرتبط بإقرار الحقوق الأساسية للإنسان وضمان احترامها والمساواة بين الرجال والنساء وتوفير تقدم اجتماعي وكذا أفضل شروط للحياة وفي ظل حرية أكبر (الفقرتان الأولى والثانية من ديباجة القرار)، إضافة إلى عدم المس بالوحدة الوطنية والوحدة الترابية للبلدان، وحرص الدول على احترام إلتزاماتها الدولية بموجب ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان (الفقرتان السادسة والسابعة من القرار(.
خامسا: مبادرة الحكم الذاتي وتقرير المصير والشرعية الدولية
تستوجب دراسة موضوعية للمبادرة المغربية بشأن التفاوض لتخويل الصحراء حكما ذاتيا، استحضار ثلاث معطيات أساسية، وهي:
* التطور الذي حصل في الموقف المغربي لاسيما منذ 1985 ولقاءات هيوستن سنة 1997، ولقاءات لندن، جنيف وبرلين سنة 2000، والصيغة الأولى لمقترح الذاتي لسنة 2003، فبمجرد مقارنة بسيطة بين هذه الصيغة والمقترح المقدم إلى الأمين العام للأمم المتحدة في 11 أبريل 2007، يتضح بجلاء رغبة المغرب وسعيه إلى إيجاد مخرج سياسي يضمن لجميع أهل المنطقة كرامتهم، ويمكن من إدارة شؤونهم المحلية بما يضمن تحقيق رُقِي وتقدم المنطقة .علاوة على أخذه بعين الإعتباربتجارب متقدمة أخذت بنماذج للحكم الذاتي أواالجهوية كمجال موسع لممارسة الديمقراطية المحلية.
* علاقة المبادرة المغربية بشأن التفاوض لتخويل الصحراء حكما ذاتيا بالشرعية الدولية، لاسيما المرتبطة بإعمال مواثيق حقوق الإنسان، وتوصيات الجمعية العامة للأمم المتحدة ذات الصلة بتقرير المصير.
وستقتصر هذه الورقة على تناول جوانب الشرعية الدولية لمبادرة الحكم الذاتي.
1 التفاوض مدخل أساسي لحرية الاختيار.
لعل نقطة القوة الأساسية للمبادرة المغربية هو دعوتها إلى التفاوض بشأن تمكين سكان الصحراء حكما ذاتيا، فهي ليست دعوة شكلية وإنما تعتبر جوهر المشروع، فلم يكن بِنِيَّة المقترح المغربي فرض نموذج معين للحكم الذاتي على الأقاليم الصحراوية، وإنما دعا أطرافها << بشأن التفـاوض>> وإلا كانت تَسْمِيَتُه << المبادرة المغربية بشأن الحكم الذاتي بالصحراء >>.
ويُصِّرُّ المقترح على التفاوض، انطلاقا من عنوان المبادرة والفقرات السابعة والثامنة والتاسعة والسابعة والعشرون والرابعة والثلاثون منه.
نستخلص من ذلك:
* تتفق الدعوة إلى التفاوض، مع توصيات الأمين العام للأمم المتحدة ، والتي يطلب فيها من مجلس الأمن مناشدة الطرفين بالدخول في مرحلة من المفاوضات تكون أكثر تكثيفا وموضوعية ودون شروط مسبقة، ومنذ 2008 أكد مجلس الأمن على أن الحفاظ على المفاوضات لن يكون إلا بإيجاد مخرج للمأزق السياسي الراهن من خلال التحلي بالواقعية والرغبة في التسوية، لأن الإبقاء على الوضع القائم لا يشكل نتيجة مقبولة لعملية المفاوضات الجارية.
* التفاوض يسمح بالتحديد الحر للمركز السياسي، وبوابة أساسية لضمان الحماية والنهوض بالحقوق الفردية والجماعية كما حددتها المادة الأولى من العهد الدولي المتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
فالمشرع المغربي حدد إمكانية تقرير المصير بواسطة حكم ذاتي متفاوض عليه بكل حرية، مع تحديد لمعالم السيرورة السياسية والمؤسسات التي سيخول لها تقرير المركز السياسي وتحقيق النماء الاقتصادي والاجتماعي والثقافي. وهي العناصر التي تعتبرها من اللجنة المعنية بحقوق الإنسان،في تفسيرها للمادة الأولى العهد، أساسية لتحقيق تقريرالمصير.
* أحيط المشروع المغربي بضمانات الشرعية الدولية المتأتية من المبادئ التي حددت تقرير المصير وأحكام ميثاق الأمم المتحدة، وهي بذلك تستوفي الشروط المحددة في المبدإ التاسع من توصية الجمعية العامة 1541 لسنة 1960 والتي حددت مضمون تقرير المصير الذي أقرته التوصية 1514 من نفس السنة، إذ شرطت الاندماج كصورة من صور تقرير المصير بحرية اختيار ساكنة الإقليم لمركزهم عن طريق استشارة ديمقراطية، وهو ما سيتأكد أيضا في توصية الجمعية العامة 2625 سنة 1970 والمعروفة باسم << إعلان متعلق بمبادئ القانون الدولي المرتبطة بالعلاقات الحبية والتعاون بين الدول طبقا لميثاق الأمم المتحدة>>.
2 مكونات المبادرة المغربية بشأن التفاوض لتخويل الصحراء حكما ذاتيا.
تهدف المبادرة إلى توفير الوسائل الضرورية (قانونية، سياسية، مؤسساتية، اقتصادية وثقافية) من أجل الحفاظ وتطوير هوية وشخصية ساكنة المناطق الصحراوية مع الحفاظ على الوحدة الترابية للمملكة، ولتسهيل استعابها وتحديد مطابقتها للشرعية الدولية، سنعمل منهجيا على تقسيمها إلى ثلاثة أقسام:
* ضمانات الحكم الذاتي؛
* تنظيم الحكم الذاتي؛
* توزيع الاختصاصات.
أ ضمانات الحكم الذاتي.
تحدد في ضمانات معيارية ومؤسساتية، وضمانات للحقوق الأساسية.
أ-1 – ضمانات معيارية ومؤسساتية.
تسمح القوانين والمؤسسات التشريعية والتنفيذية للحكم الذاتي، لساكنة المنطقة من مساهمة كاملة في تدبير الحياة العامة وذلك عن طريق تمثيليتها في المؤسسات المذكورة وإدارتها، وبالتالي تسمح لها بالحفاظ على هويتها الثقافية والوطنية وتطوير ممارسة تشريعية وتنفيذية وقضائية مطابقة لخصوصيات المنطقة.
يعد الإطار القانوني ? المؤسساتي للحكم الذاتي، اعتراف بوجود شخصية قانونية جديدة للمنطقة، مستمدة من الشرعية الدولية وما أفرزته التجارب الدولية في مجال الحكم الذاتي وذلك في إطار سيادة المملكة ووحدتها الوطنية والترابية.
وبالعودة إلى نص المبادرة المغربية، يتضح أن نظام الحكم الذاتي مرهون بشرطين، أولهما انبثاقه عن مفاوضات ? كما سبق ذكره – ، وثانيهما استفتاء السكان المعنيين طبقا لمبدإ تقرير المصير وأحكام ميثاق الأمم المتحدة(الفقرة الثامنة من المبادرة).
كما أن مكانته في الهرم القانوني المغربي، وضمان استقراره مكفولة من خلال إدماجه في صلب الدستور المغربي، وبالتالي ستكون للحكم الذاتي نفس المكانة الدستورية لباقي مؤسسات المملكة، وبذلك قطعت المبادرة المغربية الطريق على الجدل الفقهي بشأن مدى سمو نظام الحكم الذاتي، حيث تنص الفقرة 29 من المبادرة على <<كما تتم مراجعة الدستور المغربي وإدراج نظام الحكم الذاتي فيه، ضمانا لاستقرار هذا النظام وإحلاله المكانة الخاصة اللائقة به داخل المنظومة القانونية للمملكة>>.
وسبق للجنة المعنية بحقوق الإنسان أَنْ اعتبرت أَنَّ أهم ضمانة لتحقيق حق تقرير المصير هو التنصيص عليها في القانون، هكذا لم يكتف المشروع المغربي بإدخالِها عن طريـق نـص تشريعـي عادي، وإنما بواسطة إدماج الحكـم الذاتـي – كصورة لتقرير المصير وفق قرارات الجمعية العامة 1541 و 2625 وتفسير اللجنة المعنية بحقوق الإنسان للمادة الأولى من العهد – في دستوره, أي في أسمى قانون للمملكة.
علاوة على ضمان نجاعة واستقرار الحكم الذاتي، فإنه ذلك الشرط الخاص يضمن حرية التعبير عن الهوية والانتماء إلى المنطقة وإدارتها وفق خصوصياتها ،و في ظل علاقة واضحة بمؤسسات المملكة واحترام سيادتها ووحدتها الترابية.
أـ2 ضمان الحقوق الأساسية.
حضيت قضية النهوض وحماية الحقوق الفردية والجماعية بمكانة خاصة في المبادرة، وبمنظور شمولي يجمع مابين الحقوق السياسية والمدنية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، في إطار مجتمع ديمقراطي لا سيادة فيه إلا لدولة لقانون.
ويمكن تلخيص نقاط قوة المبادرة في:
* اعتبار الديمقراطية عماد المجتمع الحداثي، أي أنها قيمة مشتركة بين جميع مكونات الإقليم من جهة، وباقي أقاليم المملكة من جهة أخرى، ويعول عليها في بناء مستقبل المنطقة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، فهذا الخيار يجعل من الديمقراطية أحد أهم قيم الاندماج بين مختلف مكونات الشعب المغربي؛
* يقوم بناء المجتمع الديمقراطي الحداثي ودولة القانون وحماية الحقوق والحريات على آليتين أساسيتين، وهما تحقيق المصالحة ونبذ جميع صور التمييز أو الإقصاء، مما يشكل جوهر العدالة الانتقالية؛
* إعطاء المرأة مكانة خاصة من خلال ضمان تمثيلية ملائمة في مؤسسات الجهة؛
* تمتع سكان الجهة بكافة الضمانات التي يكفلها الدستور المغربي في مجال حقوق الإنسان، كما هي متعارف عليها دوليا، مع إصدار عفو شامل، وإدماج الأشخاص العائدين إلى الوطن بما يكفل الحفاظ على كرامتهم وسلامتهم وحماية ممتلكاتهم. ويجب قراءة هذه الضمانات على ضوء مستجدات دستور 2011، الذي وسع من مجال الحقوق والحريات وأحاطها بضمانات أوسع، ومنها ما أقره الفصل 59.
يبدو جليا من خلال النقاط السالفة، أن المبادرة المغربية عززت شرعيتها بإعطاء أولوية لاحترام كرامة الإنسان كقيمة تقوم على أساسها جميع حقوقه السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية، وغلبت جانب الصفح والمصالحة على المحاسبة.
وبذلك، تقترح المبادرة المغربية، العناصر الأساسية المشكل لمنظومة حكامة ديمقراطية، تتوفر فيها جميع الشروط، المدنية والسياسية والاقتصادية، المنصوص عليها في الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان لممارسة تقرير المصير (المادة 1 و25 من عهد الحقوق المدنية والسياسية، المادة 1 من عهد الحقوق الاقتصادية، المادة 5 من اتفاقية مناهضة التمييز العنصري…).
وسنكون حينها أمام تقرير مصير عن طريق تعزيز الديمقراطية، الأمر الذي ستكون له انعكاسات إيجابية على جميع دول المنطقة بامتداداتها الإفريقية.
ب تنظيم الحكم الذاتي.
يقصد بتنظيم الحكم الذاتي، المؤسسات التي سيعهد إليها بإدارة مختلفة نواحي هذا الحكم، والمتكونة من هيئة تشريعية وسلطة تنفيذية ومحاكم للبث في المنازعات الناشئة عن تطبيق الضوابط التي تضعها الهيئات المختصة لجهة الحكم الذاتي للصحراء، وحددت بدقة اختصاصات المؤسسات السالفة الذكر، بما يسمح بضمان تطبيق المبادئ الديمقراطية لمشاركة سكان الصحراء في الحياة العامة، وآخذا بعين الاعتبار حاجيات وخصوصيات تلك الساكنة.
ج توزيع الاختصاصات.
حددت اختصاصات متعددة بالنسبة للبنيات الإدارية بمختلف أنواعها، والتنمية الاقتصادية والاستثمارية والبُنَى التحتية والمرافق الاجتماعية و الثقافية و الميزانية والنظام الجبائي لجهة الحكم الذاتي …، غير أن ما يميز هذه الاختصاصات هو:
* توفير الموارد المالية الضرورية لهيئات الحكم الذاتي بهدف تحقيق تنميتها المنشودة؛
* استقلال جبائي، فلم تحصر اختصاصات جهة الحكم الذاتي في سلطة تنظيمية كما هو شأن اللامركزية الإدارية، وإنما فوضت لها اختصاصات تشريعية تسمح لها بفرض ضرائب ورسوم ومساهمات محلية؛ هو ما سيمكن منطقة الحكم الذاتي، من موارد مالية، والمشاركة الحرة في رسم السياسات العامة والخطط التنموية المرتبطة بحياتها، وذلك ما تنص عليه المادة الأولى من العهد الدولي، المتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
* نظرا لشساعة المجال التنظيمي، أخد بمبدإ التفريع (Subsidiarité) الذي يعني أنه كلما أظهرت سلطة الحكم الذاتي مَقْدُرَة على نجاعة تدبيرها في المجالات التنظيمية التي لم ينص عليها في نظام الحكم الذاتي، فيُتْرَكُ لها ذلك، الأمر الذي يعتبر قيمة مضافة لتوسيع اختصاصات الحكم الذاتي.
* هناك حضور لجهة الحكم الذاتي حتى في المجالات الحكر على الدولة، كما هو حال العلاقات الخارجية، إذ هناك تشاور متبادل بين الطرفين، فيما يتعلق بالقضايا ذات الصلة المباشرة باختصاصات الجهة، أو إذا ما أرادت هذه الأخيرة إقامة علاقات تعاون مع جهات أجنبية بهدف تطوير الحوار والتعاون بين الجهات فإنها ملزمة بالتشاور مع الحكومة المركزية.
بالمقابل احتفظت الدولة باختصاصات حصرية لاسيما ما يتعلق بمقومات السيادة، والمقومات المرتبطة بالاختصاصات الدستورية والدينية للملك، والأمن الوطني والدفاع الخارجي والوحدة الترابية، والعلاقات الخارجية، والنظام القضائي للمملكة.
يظهر مما سلف، أن المبادرة مطروحة للتفاوض وأحيطت بضمانات مهة للشرعية الدولية في مختلف مجالاتها وبالمقابل تطرح تحديا إضافيا على الدولة المغربية، لأن نجاح المبادرة تستلزم تحولا جدريا في البناء الدستوري للمملكة، وفي العلاقة بين السلط، ودور هيئات التنظيم ? Organes de régulation – … والتي بإمكانها إعطاء زخم جديد للبناء الديمقراطي الذي يشهده المغرب.
من جهة أخرى، نجاح المبادرة المغربية بشأن التفاوض لتخويل الصحراء حكما ذاتيا، رهين بشراسة الدبلوماسية والمفاوض المغربي، لأن القانون والواقع بجانبه في هذه القضية، لاسيما فيما يرتبط بموضوع حقوق الأنسان، فمن غير المقبول ولا المستساغ أن تبقى ردود المغرب محتشمة في مواجهة إدعاءات جبهة البوليساريو والجزائر.
|
||