لم تكن زلة وزير التشغيل والشؤون الاجتماعية،وهو يجيب عن سؤال تقدم به برلماني من المعارضة حول أوضاع المعطلين في بلادنا، زلة تعني مفرداتها، بل كاد الوزير الذي نعرف جيدا تاريخه النضالي أن يقول أن “موقعي الحقيقي هو كرسي البرلمان إلى جانب من يجمعني بهم المشترك الإيديولوجي لأستمر في الدفاع عن من آمنت بقضاياهم المشروعة”. هؤلاء الذين كرس الوزير زمنه النضالي في المرافعة من أجل مطالبهم العادلة.
كان ارتباك الوزير مفهوما،وضياعه وسط الموقف الحرج الذي فسرت دلالاته أنه خرقا لكل الأعراف السياسية، يؤشر على أن الرجل ليس في موقف مريح وسط حكومة حاول الوزير المكلف بالعلاقة مع البرلمان أن يلتمس أعذارا لها باسم الوزير الاشتراكي،الذي أشرت ملامح الغضب في وجهه عن المسافة التي تعلقه من أمعائه بين فكرين مختلفين في أغلبية هجينة يطبعها ” الكولاج” والتنافر في غياب الرؤى المشتركة، وازداد امتعاض الوزير الذي اكتفى بإشارات في كلمته التي لم تشكل اعتذارا واضحا للنائب المعارض،بعدما أعطى عضو من الفريق الأغلبي لنفسه الحق في تلقين دروس للوزير والنائب البرلماني معا وذلك هو مربط الفرس الذي يبين الاستعمال الفعلي للأحزاب التي شاركت إلى جانب العدالة والتنمية من أجل استكمال الأغلبية المتصدعة وغير المنسجمة.
لم تكن جلسة الأسئلة الشفوية أول أمس الثلاثاء مختلفة عن مسار يبدو أنه سيؤدي الى منحدر خطير في تاريخ السلطة التشريعية، وهي الجلسة التي غاب فيها الوزراء المعنيين للجواب عن أسئلة تخص القطاعات التي يشرفون عليها، واكتفى الوزراء المعنيين بالهروب الكبير ، علما أن حضور وزير التشغيل نعتبره شجاعة من رجل اعتاد في مساره النضالي المواجهة وقول الحقيقة، وتلك هي المرجعية التي تشد الرجل من قفاه نحو قول هذه الحقيقة التي تدعو الى عمل حكومي منسجم في طرحه العام و بإستراتيجية تعي حجم التنسيق المفروض بين كافة قطاعاته من أجل تدبير حكيم وعقلاني لمعضلة التشغيل في بلادنا.
وهي جلسة جاءت بعد سابقتها تلك التي ظلت أسئلة النواب فيها معلقة، في جو كئيب وحزين توقفت فيه جلستين دستوريتين في الغرفتين الأولى والثانية، حيث سحب فريق العدالة والتنمية أسئلته،وتضامنت فيه الأغلبية كليا، و اكتفت المعارضة بالسؤال الواحد، وهو المخرج الذي تقدم به الفريق الاشتراكي.
أذكر أننا ذهبنا إلى هناك متأبطين أوراقنا وأقلامنا، واضعين في أذهاننا أنه تطبيقا لأحكام الفصل 100 من الدستور و النظام الداخلي لمجلس النواب خاصة المواد من 184 الى 197 منه،سيعقد مجلس النواب جلسة عمومية تخصص للأسئلة الشفهية الأسبوعية،وبعدها جلسة عمومية تخصص للدراسة والتصويت على مشروع قانون رقم 14.88 يتعلق بتجديد اللوائح الانتخابية العامة كما وافق عليه مجلس المستشارين في إطار قراءة ثانية.
لم يكن النواب في البدء يتحدثون عن توقيف الجلسة ، ترحم الكل على الراحل عبد الله باها في اجتماعات الفرق الأسبوعية ليمروا إلى تدارس الأسئلة التي سطرت قطاعاتها قبلا في الأوراق التواصلية للجلسة الدستورية.
لم تساءل الحكومة في كافة ما خط وما سطر وما تداول، وضاع زمن الجلسة،رغم ذلك المخرج الذي تقدم به الفريق الاشتراكي، والذي لم يستطع أن يقدم شيئا لشعب ينتظر مخارج للضيق الأكبر الذي خنقه، وهو ضيق يميته يوميا بالقهر الممارس بالفعل وقوة بالتغييب الممنهج في سياسة حكومية تنتظر لحظات الهروب من مواجهة المآساة الحقيقية التي تلف الحبل على أعناق وطني.
وهي الجلسة ما قبل الأخيرة التي تصفحت فيها أوراقي وانا أجلس في ركن في الشرفة كما كلفني بذلك مديري في الجريدة، أبحث عن رقم الأسئلة الكتابية التي بعثها الفريق الاشتراكي الى الحكومة، كان الرقم يشير الى 1063، تذكرت أن الأعضاء يشتكون من عدم التوصل بالأجوبة من الحكومة التي فضلت الصمت، وعدم التشارك، حتى في قول الحقيقة المرة ، بأنها عاجزة عن تدبير ملفات وطننا الحبيب.
قلت مع نفسي إن هذه الحكومة لا تكره أن يموت في كل جلسة للمساءلة “باها جديد” لتتملص من مسؤوليتها وتذهب إلى كراسيها المثبتة في المكاتب الفاخرة بمدفئة تزين جوانب الفضاء وتطرد البرد القارص منه، ذلك الذي يضع قسمات مؤلمة على وجوه أطفالنا في الأكواخ الجبلية المفتقرة إلى أبسط الشروط في ليالي ثلجية قارصة.
وبالحزن الذي يصيبنا كلما فقدنا عزيزا في حياء عابرة، لم يكن مستحبا ولا معقولا أن نوقف مصالح وطن ينتظر دقائقنا وساعاتنا وأيامنا،أمام الزمن الذي ضيعته حكومتنا في تفعيل الدستور بالقوانين المصاحبة، وفي إقصاء البرلمان من ذلك، وفي توظيف الأغلبية للقيام بهذا الفعل الذي يعتبر ضربا للدستور ولدور التشريع في بلادنا.
إن الموت حقيقة والحزن على أي فقيد من وطننا يدعونا اليوم الى الإنصات لآلام شعبنا وأنين المهملين من البطالة وشدة الجوع والعطش في أكواخ العراء. هؤلاء اللذين لم توقف من أجلهم الجلسات الدستورية ولم تذرف دموع الوزراء على فقدانهم، ولم يذهب إلى مقابرهم رموز الدولة والمجتمع. وهؤلاء اللذين لا تعرف الحكومة أسماؤهم، وتجهلهم مواقع الأخبار والشاشات الكبرى، هم ضحايا” بالكرجة” حسب المصطلح الجديد الذي أضافه رئيس حكومتنا الى قائمة المصطلحات الغريبة التي دخلت الى قبة البرلمان في الجلسات الشهرية الدستورية. وهم الضحايا الذين بح صوت أخينا عبد الوهاب بلفقيه من قلب كلميم وهو يدير هواتف المسؤولين طالبا النجدة دون مجيب، وكأن الأمر يتعلق بموت قطط في مجاري مهملة. في الوقت الذي اتهم فيه أخونا بلفقيه بتوظيف السياسة، وكأن توظيف السياسة جريمة في الأهداف الحقيقية المنوطة بها. لم توقف الجلسات الدستورية حزنا على من ماتوا شهداء في فيضانات الحزن والألم، بل استعملت الجلسات الدستورية لإدانتهم وهم جثتا معلقة في الأوحال.ولهذا أقول لك الله يا وطني، في حكومة لا تتقي الله في شعبنا ويلتفت اليوم حزبها الأغلبي إلى استعمال حصانة برلمانييه لتوزيع الاتهامات دون سند قانوني وهو الأسلوب الذي يتوجه له فريق العدالة والتنمية لتنويم العقول أمام الفشل الذريع الذي سجل في دفتر رئيس حكومة يملك السلطة والمال و الإدارة ومن فوق ذلك دستور يعطيه الصلاحيات الكبرى، لكنها صلاحيات تستعمل في كل ما يصب في فضائه الحزبي والدعوي.
فعلا إننا نرفع اليوم درجة قلقنا اتجاه هذا الوضع الخريفي جدا الذي أفقد مؤسستين إستراتيجيتين، التشريعية والتنفيذية في بلادنا دورهما الذي تفاءلنا خيرا بتقويتهما بعد دستور 2011، لكن الظاهر أن منحدرا يهدد مغربا أصبحنا نخاف فيه عن وطننا، وهي درجة القلق الفعلي التي عبر عنها الأخ إدريس لشكر في مرافعته في التعقيب الإضافي من أن “تتحول الحصانة البرلمانية إلى امتياز” لممارسات تصب في غير الدور المنوط بها في مؤسسة تشريعية تتسرب إليها اليوم منظومات منفتحة على المجهول.
18 دجنبر 2014