بقلم /الدكتور سعيد جعفر

 

ينتمي المغرب فعلا الى الشرق العربي، ورغم موقعه الجغرافي المحاذي لأروبا وإمكانات تأثره بما يقع في أوربا فالمغرب ينتمي الى الشرق أكثر منه إلى الغرب، وتعبر تعبيراته  ولا سيما الفاعلون السياسيون الرئيسيون فيه عن ميل فطري وحتمي الى التقليدانية والقداسة والتسلطية.

ما يؤكد صواب هذه  الطرح هو عدم نجاح الامتياز الجغرافي للمغرب في إحداث تغييرات أو على الاقل تعديلات في تسلطية الدولة و بداوة وقبلية المجتمع، في الوقت الذي استفادت دول أخرى من هذا الامتياز الجغرافي سياسيا ومجتمعيا كتركيا مثلا.

وبعد خمسة عقود من الاستغلال و بناء الدولة الحديثة لا زلنا في نفس الوضعية السياسية تقريبا. تسلطية سياسية وبداوة مجتمعية رغم الحداثة الشكلية التي تطبع المستويين. داخل صدى التسلطية والبداوة أريد دوما للدولة أن تكون يعقوبية وأريد للحكم أن يكون فرديا ومطلقا، وأريد، وهذا هو الأساسي، منع كل اشكال الرفض والمعارضة وتسقيف هوامش الرفض هاته .

وطيلة خمسة عقود دائما كان هناك نفس التمرين ونفس الاجتهاد، تركيز للفردانية وإغلاق للحقل السياسي ونزع الإبداع منه وضبط الإيقاع فيه. إنه تمرين التحكم السياسي الذي ميز السياسة في الشرق العربي وفي الغرب الإسلامي وفي المغرب القصى.

صحيح أن حالة المغرب متميزة نسبيا ولا تصل درجة الاستبداد  لكنها لا تعكس حالة الحداثة والديمقراطية. ولا زالت تجتر عناصر التسلط وتعكسها في سلوكها وممارستها السياسية. داخل هذا السياق يمكن فهم حالة السياسة اليوم، تحكم مطلق في  المجال السياسي من طرف الدولة العميقة بوضع قواعد اللعب وتعيين الفاعلين وتسقيف هوامش المعارضة والرفض، وإبعاد المعارضة الحقيقية.

وداخل هذا السياق بالضبط يمكن فهم مخططين يجريان بالتوازي في الحقل السياسي الراهن، التضييق  على الجمعيات الحقوقية واستهداف المعارضة المنبثقة عن الحركة الوطنية و لاسيما الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية عبر محاولة  تحويله الى حزب مكمل و ليس حركة اجتماعية وسياسية وطنية في دجنير 2011 بعد انتخابات سابقة  لأوانها، وسنة متميزة أثمرت دستورا لم يكن أحد يتصور حجم تقدمه على خلفية أنه لم يقع أي تعديل دستوري منذ 15 سنة وهي مدة طويلة في حقل سياسي وعاش ثلاثة منعطفات كبرى . تتعلق بحكومة التناوب ومشروع الحكم الذاتي ومشروع الجهوية المتقدمة، لم يفهم كثيرون حرص حزب العدالة و التنمية على اضافة المجتمع المدني الى العلاقات مع البرلمان ضمن وزارة واحدة، وإضافة الحريات إلى العدل ضمن وزارة واحدة كانت المهمة واضحة التضييق على المجتمع المدني والتضييق على الحريات والترتيب للتحكم السياسي في تماه مع عقيدة الدولة .

وبعد عامين تبينت الخطة بوضوح, وزير المجتمع المدني يصنف الجمعيات والتنظيمات التي لاتقاسم الاسلاميين طروحاتهم الفكرية والإيديولوجية ويقدمهم كقرابين للدولة العميقة  بتهمة شبهة التمويل الخارجي، ووزير العدل والحريات سيوفر الغطاء الكافي لتمرير المخطط عبر التغطية على سلوكات وإجراءات وزارة الداخلية.

كانت خطة ناجحة ومدروسة بكل المقاييس، فالحزب يعرف مسبقا الطابع التحكمي والتسلطي للدولة ولابد أن يستثمر هذا المنفذ والنفاذ عبره من أجل حيازة جزء من هذا التحكم والتقرب أكثر من مربع الحكم.

إذن كانت نية الحزب منذ البداية هي التحكم عبر التماهي مع مخططات وعقيدة الدولة، ولهذا سنجد الحزب الأغلبي، ضمن هذا المخطط، يزاوج بين دورين متكاملين، إرضاء الدولة عبر تنفيذ أجنداتها الدولية ( الاعتراض على إلغاء عقوبة الإعدام، والاعتراض على المادة 108 من العهد الدولي والقاضية بالمناصفة والمساواة في الحقوق السياسية والمدنية بما فيها المساواة في الإرث وفي الولاية، وقبول شروط المؤسسات الدولية المانحة بما يرتبط بالتقويم الهيكلي…) والمحلية من خلال حماية التوازنات الماكرو- اقتصادية عبر رفع الدعم العمومي وتسريع المقايسة ورفع الأسعار والتضريب…

ونهج تقنية واضحة عبر تكثيف خطاب خدمة الملكية والدفاع عنها والتماهي مع فلسفتها وخطواتها. الى حد الآن الخطة ناجحة وتسير كما هو مسطر لها، لكن تفصيل وحيد لم يكتمل في ثنايا الخطة، كان الحزب سليل الحركة الإسلامية، يعرف أن الدولة ستحتفظ بحد معين من الشك والحذر رغم كل التطمينات والولاء الذي سيقدمه الحزب من موقعه في المعارضة وفي الحكم، لكنه مع ذلك سيحقق اختراقا وامتيازا يسمح له بتقاسم الحكم وعبره التحكم السياسي في دواليب الدولة أولا ثم في المجتمع ثانيا عبر أسلمتهما كليهما، لكنه كان يعرف أن هناك جهة واحدة خارج الدولة يمكن أن تعرقل أو ربما تفشل المخطط ،هي الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، لأنها بالقدر الذي تعادي إيديولوجيا الإسلام   السياسي فهي لا تتفق مع الملكية التنفيذية.

لكن لماذا الاتحاد الاشتراكي بالضبط، من يمكن أن يفشل مخطط الحركة الاسلامية في الوصول الى هدف التحكم السياسي؟

الاتحاد امتداد لحركة التحرر الوطني يملك تاريخا في معارضة الحكم والحكومات المنبثقة عنه، وحزب جرب تدبير الشأن العام لمدة 13 عاما ويعرف الملفات بدقة، ويضم خيرة الأطر بالبلاد في كل المجالات( الاقتصاد، القانون، علوم الاجتماع…)، كما أن الحزب يتوفر على أذرع نقابية قوية إما تابعة له مباشرة أو تتقاسم معه تصوراته للمجتمع والدولة، والحزب يتوفر على أذرع نسائية قوية في المجتمع المدني، كما أنه ينتمي الى إطار تاريخي وطني هو الكتلة الوطنية يمكن إحياؤها وتوظيفها في الوقت المناسب، والحزب فوق ذلك يتوفر على جريدة وأذرع إعلامية ستساعده في فضح القرارات الحكومية.

وليس مستبعدا أن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، بكل هذه المقومات وبرمزيته التاريخية وانتماؤه الى اليسار وتقاربه مع أحزاب اليسار والمنظمات الحقوقية،يمكنه أن، يتزعم جبهة موسعة ضد قرارات وأهداف الحركة الاسلامية عبر نافذة الحكومة.

ولهذا بدأت مهمة استدراج الحزب و”ترقاده” بلغة السياسة منذ زمن بعيد.فقد حاول الأمين العام لحزب العدالة والتنمية السيد عبد الإله بنكيران بدهائه السياسي استدراج الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية للدخول في حكومته حتى يكسب مزيدا من التغطية على مخططه ومخطط الحركة الإسلامية في التحكم السياسي، وهذا ما يفسر اختيار الاتحاد الاشتراكي كأول حزب يتوجه الى مقره بحي الرياض بالرباط لإقناعه بالمشاركة رغم أن الحزب احتل المرتبة الخامسة في تشريعيات 2011 بعد التجمع الوطني للاحرار والاصالة والمعاصرة والاستقلال والعدالة والتنمية المتصدر.

وما يفسر عبارته الشهيرة أن ” وجود الاتحاد الاشتراكي في الحكومة غادي يسخن كتافي” ولم يغفل أعضاء الحزب كل المناسبات ليظهروا للاتحاد الاشتراكي مزيدا من” الصواب” بغية إلهائه عن هدفهم الرئيسي في التحكم السياسي عبر التماهي مع الدولة وإبعاد الاتحاد الاشتراكي من كل الأدوار الحقيقية التي خلق لأن يلعبها ودفعه لأن يكون حزبا مكملا سياسيا ومجتمعيا، والحال أنه نفس مخطط الدولة بتأسيس حزب الاصالة والمعاصرة.

لهذا فواهم من يقول أن هناك عداء بين الاصالة والمعاصرة والعدالة والتنمية، فقط هناك تبادل للأدوار عبر تزعم الحزب الاسلامي للحكومة وحزب الدولة للمعارضة وتكثيفهما بضجيج سياسي يغطي على المطالب السياسية الحقيقية وعلى رأسها الملكية البرلمانية و تنزيل الديمقراطي للدستور بتنظيم صلاحيات كل من السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية وصلاحيات الملك، ويمكن العودة في هذا الصدد لنقط النظام التي كان يرافع فيها السيد عبد الحكيم بنشماس  في الغرفة الثانية للتأكد من فحواها ومضمونها و أفق ما تناقش.

وقد تتبعنا نماذج من مخطط العدالة والتنمية في” ترقاد ” مسؤولي الاتحاد الاشتراكي منذ مدة تنظيم كلها في خيط ناظم هو إبعاد الحزب كليا من مهامه الوطنية والتاريخية والتماهي مع الدولة العميقة في عقيدة التحكم السياسي المميزة لها.

  • 1- ترويج قيادات العدالة والتنمية منذ تأسيس الحزب أنهم تربوا في أحضان الاتحاد الاشتراكي ” الحقيقي” ولا زالوا يؤمنون بها، مما يعني أنهم يشككون في الاتحاد الاشتراكي منذ 1998 تاريخ دخول الحزب للحكومة.

والحال أن هذه الخطة لجأت إليها الدولة مبكرا بغية النيل من الاتحاد الاشتراكي لهذا كلفت رضا كديرة ورضا ملين بتأسيس الحزب الاشتراكي الدستوري الديمقراطي، وكلفت لاحقا المعطي بوعبيد بتأسيس الاتحاد الدستوري لمغالطة الرأي العام مع عبد الرحيم بوعبيد الذي يتزعم الاتحاد الاشتراكي.

  • 2- عندما أعلن العدالة والتنمية المساندة النقدية لتجربة التناوب كتبت جريدة الحزب أن وجود الاتحاد في الحكومة يكفينا لأننا من نفس الشجرة.
  • 3- كان دائما هناك قرار على عدم الاحتكاك مع الاتحاد الاشتراكي وإعلان التقية معه لكونه الوحيد القادر على تفكيك وفهم.. خطة الحركة الاسلامية،ويظهر ذلك من خلال بعض المواقف والتصريحات مقابل اختراقه وتشويه صورته لدى الرأي العام من خلال:
  • 1) تصريح السيد عبد العزيز الرباح على هامش توقف اشغال الجولة الأولى من المؤتمر التاسع، بأننا داخل العدالة والتنمية نريد اتحادا اشتراكيا قويا لمنافستنا وأنه لا يليق بحزب وطني مثله أن تطغى عليه الخلافات بهذا الشكل.
  • 2) تصريحات متكررة لأحمد الريسوني بأنه لم يعد هناك رابط أخلاقي داخل الاتحاد الاشتراكي هناك فقط تجمع للمصالح والمنافع.
  • 3) العودة المتكررة لبلال التليدي للحديث عن الاتحاد الاشتراكي وتمييزه بين اتحادين ما في ذلك مغلاته في إبداء الإعجاب بشخصية الأخ أحمد رضا الشامي وتسميته بالقائد في الحلقة الأخيرة من” قضايا وآراء” على القناة الأولى.
  • 4) تجند المواقع الالكترونية للحزب للتدخل في الشأن الداخلي للحزب وتعميق خلافاته عبر فبركة استفتاءات رأي وهمية دائما  ما تذهب إلى اعتبار عضو في صفوف الحزب أفضل الشخصيات المعارضة قبل قيادات أكثر حضورا كإدريس لشكر وحميد شباط  والحبيب المالكي  ومحمد المريني حسناء ابوزيد وعلي لطفي وعبد الحميد فاتحي وغيرهم……..
  • 5) افتعال ما يكفي من الإشاعات حول الأخت حسناء ابو زيد تهم ولاءها للوطن وممتلكاتها ومنصب زوجها في كل مرة ترافع فيها ضد الطابع التحكمي للحزب الأغلبي.
  • 6) تجنيد ما يكفي من الجرائد والمواقع الالكترونية وبدعم إشهاري ملحوظ تتناوب على انتقاد، بل وتشويه الاتحاد الاشتراكي وقد رصدنا في الشهر الأخير فقط حوالي اربعين 40) مقالا موزعا بين جرائد ومواقع الكترونية بمعدل 1،1 مقال في اليوم موجه لسلخ الاتحاد الاشتراكي وقيادته، بل أننا رصدنا الجريدة الواحدة التي تخصص مقالين في نفس العدد لسلخ حزب القوات الشعبية كما هو حال” أخبار اليوم” و”المساء” و”مجلة” برلمان”.
  • 7) في عز لخلاف الداخلي نوعية المعارضة وما تلاها من تقاطب تنظيمي حول رئاسة الفريق، نشر موقع الكتروني محسوب على حزب العدالة والتنمية رسالة استقالة وهمية باسم الكاتب الأول للحزب ادريس لشكر.
  • 8) بعد اسبوع من رسالة الاستقالة الوهمية عممت مواقع إلكتروني خبر تعرض الكاتب الأول لحادثة سير وتفويضه تسيير الحزب لأحد مقربيه مع تناقص معيب في صياغة وتصدير المقال.
  • 9) العودة المتكررة لتداعيات المؤتمر التاسع بغية إرباك الدينامية التنظيمية للحزب.
  • 10) استغلال وفاة فقيد الاتحاد الاشتراكي أحمد الزايدي للمزايدة على الحزب في شأن إنساني من خلال توظيف رحيل الفقيد الكبير في تمثيل المسؤولية المعنوية للقيادة.
  • 11) التقليل من تاريخ الحزب وثقله السياسي وزعمائه في شخص القائد المجاهد السي عبد الرحمان اليوسفي، بقول مسؤول التنظيم والتواصل بحزب العدالة والتنمية في ندوة مركز طارق بن زياد أن التناوب الحقيقي هو الذي يقوده عبد الإله بنكيران وأن التناوب الذي قاده المجاهد عبد الرحمان اليوسفي كان مدبرا ومهندسا مع الراحل الحسن الثاني.
  • 12) تشكيك عبد العالي حامي الدين في صدق طروحات الجابري بقوله أن المفكر عابد الجابري لم ينظر للدولة الوطنية والكتلة التاريخية بل كان ينظر لحماية الدولة المركزية ضمن ندوة نظمتها مؤسسة عابد الجابري بكلية الآداب بنمسيك في العام 2013.
  • 13) التدخل المباشر واللاأخلاقي للسيد عبد العالي حامي الدين في الشأن الداخلي للاتحاد الاشتراكي بدعوة الى عقد مؤتمر استثنائي للحزب لإقالة القيادة الحالية.  والحال أن هذه الدعوة جاءت متزامنة مع دعوات ثلاث الأولى صدرت عن جريدة المساء والثانية عن أخبار اليوم( ملف صوت أحزاب الحركة الوطنية), والثالثة عن بعض أعضاء الحزب من معارضي القيادة الحالية.

لكن وهذا هو المهم، فهي تأتي ضمن مخطط كبير ومفتوح عمودي وأفقي، أول تقوده جهة معلومة في الدولة والثاني يقوده حزب العدالة والتنمية، ووراءه الحركة الاسلامية، لفائدة نفس الجهة المعلومة في الدولة بغية التقرب أكثر من مركز القرار ونيل قسط من بركة التحكم السياسي عبر إبعاد الاتحاد الاشتراكي ونسخ أدواره التاريخية والمجتمعية.

ليس ثمت من شك أن الحركة الاسلامية شكلت جزء من مخطط الدولة لإضعاف وتطويع اليسار وخصوصا الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ويمكن هذا التدليل بالدعم والسخاء الكبير الذي استفادت منه الحركة بتزامن مع الصراع الضاري بين القصر والاتحاد الاشتراكي إذ في الوقت الذي منعت الفلسفة والسوسيو لوجيا تم إغراق كليات الآداب بشعبة الدراسات الاسلامية، وكان الهدف تجفيف منابع الفكر النقدي والحر والرافض لصالح فكر قدري وغيبي ولاهوتي ينسجم مع عقيدة الدولة.والحال أن الخدمات التي ستقدمها الحركة الإسلامية لفائدة الدولة في حربها ضد الفكر اليساري الذي يعمل من أجل الديمقراطية والحداثة، حداثة الدولة وحداثة المجتمع، لابد أن يكون لها مقابل ما، في زمن ما وفي ظروف ما.

ستستفيد الحركة عندما ستكون الدولة في حاجة ماسة لتزكية سلوكها وقراراتها المغرقة في القداسة والتقليدانية أو لتعريف أزمات مرحلة ما، أو لتعتمد كمصة  لإمتصاص ضربات معينة في مرحلة معينة وزمن معين.

والحال أنه ليس هناك من مرحلة أكثر ملاءمة لتوظيف للحركة الاسلامية ورد الجميل لها من طرف عرابيها خصوصا وأن المحضون اشتد عودة بعد ثلاث عقود من الرعاية ومن المقويات، من الحراك الشعبي الذي” انبعث” في المملكة، وهو توظيف سيفيد الطرفين، الدولة ستستفيد من متغيرات الوضع الاقليمي حيث انتصاب الاسلاميين كبديل مفترض يملك ما يكفي من السند الشعبي الذي عززته الدعاية الاعلامية المكثفة لإعلام” الجزيرة” خصوصا، وستستفيد الدولة من التوجه الدولي الجديد الذي وجد في الاسلاميين غطاء لتسريع وتيرة ليبراليته المتوحشة مقابل تسهيل وترتيب الحكم لهم في مناطق تواجدهم.

وبالمقابل فالإسلاميون في المغرب سيستثمرون الوضع الاقليمي والدولي لتذكير الدولة بالتفاهمات السابقة مع تقديم مزيد من الولاء والتعهد بتمرير كل ما يطلب تمريره وإنجازه، وهنا بالضبط يجب فهم موقف حزب العدالة والتنمية من حراك 20 فبراير وتوصيف أمينه العام السيد عبد الإله بنكيران لحركة 20 فبراير” لفعل دراري” ومنعه لشبيبة الحزب وحركة” كفاية” التابعة للحزب من الاحتجاج مقابل احتضان اليسار لاحتجاجات الحركة ودعمها بل وتمويلها، ولابد من التذكير بموقف الاتحاد الاشتراكي الذي دعا الى الخروج في المسيرات الاحتجاجية وزكى خروج قيادات الحزب في عدد من مسيرات الحركة بالرباط والبيضاء وأكادير…..

وفي الوقت الذي رفع الحزب مطلب الملكية البرلمانية، وطالبت أحزاب اليسار بجمعية تأسيسية للدستور بتزامن مع تنصيب لجنة تعديل الدستور والآلية السياسية، كان حزب العدالة والتنمية وأمنيه العامين يناديان بملكية تنفيذية وبتقوية أدوار إمارة المؤمنين  يتماهيان مع أكثر الجهات أصولية ومحافظة المجلس  العلمي الأعلى الذي سيهاجم مطلب الملكية البرلمانية ومطلب حذف الفصل التاسع عشر من دستور 1996.

داخل هذه الظروف الملتهبة والتي لا أحد كان يتوقع آنذاك الى أي مدى يمكن أن تمضي يمكن للدولة توظيف الدولة للحركة الاسلامية ممثلة في العدالة والتنمية لتصريف مخاطر المرحلة مستفيدة من الامتياز الاقليمي والدولي والمحلي الذي تعكسه. وكان من الطبيعي أن تتماهى الانتخابات السابقة لأوانها مع توجه الرأي العام الداخلي بما يخدم الاستقرار، وهي الانتخابات التي نصبت الحزب حكاما وأغلبيا، ووفرت له فرصة تاريخية لتفريغ حلمه الأزلي في التحكم السياسي عبر التماهي مع عقيدة الدولة التقليدانية والتحكمية.

 

والحال أن شيئا أضيف وأصبح يهدد مشروع التحكم هذا، فمنظرو الحركة الاسلامية درسوا وضعية الاتحاد الاشتراكي جيدا وتأكدوا من أنهاكه وانتعاش الصراعات داخلة وتفكك هويته الممانعة نتيجة تأثيرات المشاركة الحكومية ، ورأوا أن الحزب دخل في صفقات مع الدولة لا يمكن أن يحيد عنها، كما أخطأوا إمكانات الانبعاث الممكنة داخل الحزب، لهذا راهنوا مبكرا على جزء من الاتحاد الاشتراكي يحلم، واركز على عبارة ” يحلم” بكتلة تاريخية دون أن يتبين هذا الجزء درجة الالغام التي تكتنف هذا الحلم البريء للاسف، ومن هنا يمكننا أن نفهم سر الغزل المستمر في شخصية الأخ أحمد رضا الشامي، إذ أن صدق طوية الرجل وبكارته السياسية لا تساعده على فهم فلسفة وطريقة تفكير الاسلاميين.

لم يتوقع منظرو العدالة والتنمية إمكانيات الانبعاث داخل حزب حي وتاريخي ومتجدر في المجتمع كالاتحاد الاشتراكي، حتى تفاجئوا بدينامية جديدة وبوجوه وأصوات وخطاطة جديدة تفضح خطاطاتهم وخططهم وتكتيكاتهم. والحال أن رئيس الحكومة ووزراءه كثيرا ما أحرجوا تماما أمام الفهم الاستباقي لنوايا خططهم وأهدافها من قبل المعارضة الاتحادية وسرعة رد الفعل ودقة التدخلات والتعقيبات. وفعلا تفاجأ الاسلاميون كثيرا أمام قدرة المعارضة الاتحادية في البرلمان على تفسير القوانين الداخلية للمجلس واللجان ودقة ملاحظات وردود و تعليقات أعضائها.

كما سيتفاجأ الاسلاميون من حجم تأثير الجبهة الاجتماعية النقابية التي قادها الاتحاد الاشتراكي على نسبة نجاح مخططاتهم في التحكم السياسي.

وفي الوقت الذي نجحت خطة الدولة في تعويم النقاش السياسي عبر احتكار العدالة والتنمية عن الحكومة والاصالة والمعاصرة عن المعارضة للخطاب السياسي الذي يتم تعريفه إعلاميا سيتدخل طرف ثالث ممثلا في الاتحاد الاشتراكي والاستقلال، للتأثير على المعادلة.

وفي الوقت الذي اقتربت الدولة من إنجاح وصفتها في خلق قطبين ذيلين يتناوبان على التعريف التقني لشؤون الحكومة دون أفق سياسي، هدد الاتحاد الاشتراكي والاستقلال بمقاطعة الانتخابات وتقدما بمقترح قانون بتشكيل هيئة مستقلة لمراقبة الانتخابات مباشرة بعد تكليف رئيس الحكومة بالإشراف السياسي على الانتخابات ووزارة الداخلية بالإشراف التقني.

والحال أن الدولة فهمت أنه لا يمكن للمخطط الكبير أن يمر وأن الكتلة الوطنية بحزبيها الكبيرين الاستقلال والاتحاد الاشتركي للقوات الشعبية لا زالت تعمل وتؤثر داخل هذا السياق، إذن ستمر الحركة الاسلامية عن طريق الحزب الحاكم الى الخطوة الثانية في مخطط التحكم عبر إضعاف الاتحاد الاشتراكي، وهي خطوة الاختراق والتدخل في الشأن الداخلي وتغذية الخلافات تيسيرا لخلق الانشقاق داخله وتعطيل ديناميته، ومن هنا يمكن أن نفهم سر مباركة العدالة والتنمية لالتحاق أعضاء من الحزب بإطارات اخرى وسر مطالبة السيد عبد العالي حامي الدين بمؤتمر استثنائي لإقالة الكاتب الاول ادريس لشكر والقيادة الحالية.

ولكن سيغيب كثيرا عن بال هؤلاء حجم المصيدة التي وقعوا فيها وأن تداعيات المؤتمر السادس لم تفد لا المنشقين ولا الاتحاد الاشتراكي، فتيار الأخ نوبير الاموي الذي اقتص النقابة واقتص تنظيمات جهوية واقليمية من حزب بوعبيد لم يجد له مكانا تحت الشمس، وتيار الأخ محمد الساسي لاحقا لم يجد له  هو الآخر متنفسا تحت الشمس. وسيغيب بالضرورة عن الاسلاميين أن الاتحاد الاشتراكي حزب حي وولاد للأطر والقيادات والافكار والمعارك. ففي لجنة الاطر الداعمة للفريق الاشتراكي قدمنا مقترحات وتعديلات على قانون المالية لسنة 2015 رفقة نواب الفريق، وكنا كجيل جديد من الأطر الشابة والواعدة نمارس تمرينا بيداغوجيا ناجحا داخل مدرسة معطاءة، وكنا مسرورين أن نتبين حجم الإحراج الذي اكتنف ردود فعل رئيس الحكومة ووزير المالية ومسؤولي القطاعات الحكومية معترفين بدقة التعديلات والمقترحات التي قدمناها وببعدها الوطني وهذا هو الأهم.

ولكن سوف لن نغيب عن الدولة أن مطلب الملكية البرلمانية سيبقى قائما وأن الحزب لن يزكي الاستبداد والتحكم السياسي، رغم كل المخططات والصراعات بالوكالة التي تسخرها لقتل الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بما في ذلك ورقة الحركة الاسلامية والعدالة والتنمية.

إذ المعلوم في هذا الصدد أن تجارب الفديك وأحزاب الادارة نجحت في تبديد الزمن السياسي لصالح الدولة وعطلت مشروع الحركة الاتحادية في تحديث الدولة والمجتمع لكنها لم تقضي عن على الاتحاد الاشتراكي  رغم كل العنف المادي، والأمر سينطبق على وصفة العدالة والتنمية التي لم تمد ولن تغطي مهما فعلت عن مطالب الحزب في ملكية برلمانية ودستور ديمقراطي وفصل حقيقي للسلط و عدالة اجتماعية حقيقية.

121 دجنبر 2014

‫شاهد أيضًا‬

اليسار بين الممكن العالمي والحاجة المغربية * لحسن العسبي

أعادت نتائج الانتخابات البرلمانية الإنجليزية والفرنسية هذه الأيام (التي سجلت عودة قوية للت…