كسر الخاطر

عن جريدة الاتحاد الاشتراكي 

الخميس 11 ابريل 2013

صار في حكم المؤكد أن أول وأكبر عنصر لخلق البلبلة واللاستقرار في الحياة الوطنية، هو الأغلبية ذاتها. وأغلب من يساهم في ذلك هو الحزب الأول، حزب العدالة والتنمية. الحزب الأول في الحكومة نال قصب السبق في الميدان عندما خرج، على إثر لقاء فريقه النيابي، بالدعوة إلى انتخابات سابقة لأوانها، بل الخروج من الحكومة أصلا.
وهي أول مرة يشهد فيها المغرب حكومة تعلن أنها ستنتحر بمشاركة المغاربة في انتخابات سابقة لأوانها.
وهي المرة الأولى في تاريخ البلاد، التي تعلن فيها الأغلبية أنها أغلبية على بعضها البعض، بل إن اسقاط الحكومة جزء من استمرارها!!!!
في الواقع جاءت التخريجة الإعلامية لإعلان رئيس الحكومة «انتحارا» تنفيذيا على الهواء مباشرة، بعد مناوشات، ربما لم تثر الانتباه، ترجمتها افتتاحية يومية «التجديد» التي كانت صريحة في التلميح والتلويح إلى أن مشكلة الأغلبية هي الأغلبية نفسها.
ماذا نقرأ في الافتتاحية ليوم الثلاثاء؟
تقول افتتاحية اليومية المقربة من الحكومة أن «جيوب مقاومة الإصلاح» تكشف «العديد من الأوراق، بما في ذلك اللعب بالتوازنات الحزبية». وهو ما يعني أن الأغلبية وحدها، لأن التوازن الوحيد الذي يتم اللعب فيه وبه ومعه هو توازن الحكم والسلطة. ومن ذلك الإشارة إلى أن جزءا من الأغلبية هو ورقة في يد لوبيات مقاومة الإصلاح. الأنكى من ذلك هو المطالبة الصريحة بوضوح سياسي «هو بذاته مهمة صعبة» قد «تعمق بؤرة الاختلاف داخل مكونات الأغلبية وترفع سقف الاحتداد السياسي». ومعنى ذلك أن حزب الأغلبية يعرف حلفاءه بأنهم عنصر في فرملة مهامه، ويرد ذلك صراحة، فعلا، عندما يدعو كاتب الافتتاحية « إلى فرملة اللوبيات المقاومة للإصلاحات الكبرى حتى ولو كانت قريبة جدا من التجربة الحكومية نفسها».
وبلغة واضحة، فإن المكونات الحالية، من لوبيات مقاومة الإصلاح.
وهو إعلان صريح وواضح واتهام بأن الأغلبية تقاوم نفسها، وتقاوم الإصلاحات. اتهام موجه من الحزب الأغلبي إلى الآخرين كلهم. مادام التعميم هو الأقرب إلى لغة الافتتاحية.
ما هو المستقبل القريب؟
الواضح أن زعزعة الثقة في التدبير الحالي، والثقة من لدن الفاعلين الاجتماعيين والفاعلين الدوليين، يجد نقطه انطلاقه في الأغلبية التي نحن بصدد الحديث عنها.
وقد كان المكون الأول قد توعدنا بالشارع، وهو اليوم يتوعدنا بالصناديق السابقة لأوانها.
وفي الواقع هناك أول سؤال يطرح نفسه: لماذا الصناديق؟
هل من أجل الوصول إلى الحكومة، فالواقع أنه يقود اليوم، وما عليه سوى أن يفعل الآن ما ينوي أن يفعله في ما بعد الانتخابات القادمة؟
وإذا كان غير ذلك، فهل يهدد أحزاب الأغلبية وهو ضامن بأنه سينتزع الأغلبية الساحقة التي تسمح له بالحكم وحده؟
هل يستطيع أن يحكم وحده فعلا، وهو الذي يحتاج في كل مرة الى التذكير بأنه «نية وجابوه يحكم»؟
هذه الأسئلة، قد تجاور السجال أكثر مما تطرح عمق المشكلة.
فالخوف ليس من الديمقراطية، سواء كانت في موعدها أو سابقة له، الخوف، بالفعل عليها.
ثم إن المماحكاة تكشف عمق الأزمة أكثر مما تكشف عن عمقها، ونقصد بذلك هو أن الحكومة، وحزبها الأغلبي لم تدفعها الأزمة التي باشرتها بنفسها إلى إعادة النظر في الوضع الحالي وابتكار الحلول، بل عادت إلى إرباك الجميع، أغلبية وشركاء اجتماعيين وماليين وباطرونا. وهوماسبق لنا أن نبأنا به.
والحقيقة على كل، تعقيداتها تحمل البساطة ومعناها الآن:
هناك قانون مالية فبرك على عجل ولم يعد صالحا، وكان الأولى، من باب أخلاق المسؤولية، الإقرار بذلك، ثم ربطه بالتقرير الذي يعده صندوق النقد الدولي، والمفترض أن يقدمه في يونيو عن الأداء الاقتصادي للحكومة.
هناك، كذلك، إعادة النظر في الاعتمادات الاجتماعية، وبهذا الخصوص يطرح السؤال التالي نفسه: ألا يعني التقليص من الاعتمادات الاجتماعية ترجمة للخوف السياسي الأصلي، عندما رفض الحزب الأغلبي تحمل المسؤولية في الحقائب الاجتماعية (التعليم، الصحة التشغيل ..)؟
.. ثم نأتي إلى لائحة العفاريت والقراديس..
التهديد بنشر لائحة العفاريت، لا يعفي الحكومة من سياستها الليبرالية المتوحشة التي تقودها النخبة المنبثقة من الحزب الأغلبي (هل ستكون هناك لائحة للوحوش بالمناسبة؟)
لا يكفي، في الواقع الحالي، أن تتصرف الحكومة كما لو أنها تعد كل واحد بكتابه!! أو أنها تعد كل واحد بيوم الحساب واليوم الآخر.
بل لتتحدث اللغة السياسية التي تعني الوضوح والمسؤولية والإقرار بالفشل، إذا كان ذلك عوض البحث عن شماعات.
الواضح الآن، أن الحكومة تتمرن على حكومة الانتحار الجماعي، على البث المباشر، وتريد من المغاربة أن يشركوها انتحارها. والحقيقة هي أن التهديد بانتخابات سابقة لأوانها، تفضي في النهاية إلى العودة إلى الحكومة (في أجمل السيناريوهات) هو منطقيا تهديد .. بالعودة إلى الحكومة!
أنتم فيها، أين وعدكم إن كنتم صادقين؟
التهديد الذي قاله بنكيران، رد عليه شباط بأن الحكومة لم تعد ضرورية في البلاد قطعا. ويمكن أن نستورد النموذج البلجيكي ونعيش هانيين.

4/11/2013

‫شاهد أيضًا‬

الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس يناقض أفكاره الخاصة عندما يتعلق الأمر بأحداث غزة * آصف بيات

(*) المقال منقول عن : مركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية ألقى أحد الفلاسفة الأكثر…