عندما يمر أي بلد بأزمة على أي مستوى كان، فإن ذلك يستلزم جملة من الإجراءات المرحلية والاستراتيجية، في مقدمتها أن تستنفر كل الطاقات والإمكانات، سواء كانت مادية أم بشرية لمواجهة آثارها وتداعياتها، وهذا يعني إطلاق العنان للمبادرات الفردية والجماعية، والخروج عن النمطية في عمل المؤسسات، لسبب بسيط، وهو أن الزمن في الأزمات ثروة كبرى يجب استثماره في حدوده القصوى، وهذا يستدعي الجرأة في اتخاذ القرارات، وتحمل المسؤولية بدرجة عالية، وهو ما يرتبط بشكل أساسي في القدرة على تقدير الموقف وما يستلزمه من استجابة ذكية ومدروسة وقدرة عالية على اتخاذ الإجراء الصائب أو المناسب على الأقل.
إن ظرفاً استثنائياً كالفيضانات التي عرفها المغرب، يستلزم بالضرورة أداء استثنائياً، وأشخاصاً استثنائيين، فالمسؤول الذي يتربع على قمة الهرم الإداري، وتتبع له مؤسسات وازنة وفاعلة ومؤثرة، عليه أن يطلق العنان لكل جهد قادر على تحقيق إنجاز ما يساهم في مواجهة الأزمة والحد من تأثيراتها الاجتماعية والاقتصادية والنفسية، أما أن يتصرف مَن يُفترض أن يكون قائداً إدارياً في هذا الظرف الاستثنائي، بعقلية الموظف الإداري الكلاسيكي، فإنه بسلوكه هذا، يعطل أداء المؤسسات، ويحد من قدرات ومبادرات القائمين عليها وبالتالي يخرجها من دائرة الفعل.
إن القرارات التي تُتخذ على أي مستوى كان، تحكمها عقليتان، إن لم نقل مدرستان: مدرسة تغليب المخاطر على الإيجابيات، أو تغليب الإيجابيات على المخاطر، ولا شك في أن أي قرار يُتخذ له إيجابياته وسلبياته، وقد تبدو المخاطر عند من لا يمتلكون الثقة العالية بالنفس، والقدرة على تحمل المسؤولية، هي الأبرز والأقوى، بينما نجد أن الجوانب الإيجابية والثقة بالقدرة على الدفع بها، وتجاوز السلبيات والمعترضات، هي السمة التي يتحلى بها أولئك الواثقون من خياراتهم الصحيحة، وقناعاتهم الراسخة، بإمكانيات مؤسساتهم والعاملين فيها، عبر تحريض طاقاتهم واستنفار وقودهم الوطني والأخلاقي والمهني على إنجاح أي خيار مهما بدا صعباً وقاسياً ويحمل درجة من المجازفة والمخاطرة.
إن أخطر ما تواجهه إداراتنا المغربية، هو الاعتقاد أن تغيير الأداء في هذه الوزارة أو تلك، مرتبط بتغيير هذا الوزير أو ذاك، ولكن من الواضح أن هذا غير كاف، فالتطوير والتغيير، يجب أن يطول الأداء الإداري في الوزارة كاملاً، وأقصد بذلك النمط السائد في العمل، والذهنية التي تحكمه، إضافة إلى تفكيك الشبكة العنكبوتية، التي تحكم قبضتها على مفاصل العمل في الوزارة، وقدرتها الهائلة على عرقلة أي حالة تطويرية تعيد بناء الأداء الوزاري على حوامل جديدة.
إن الحديث عن إصلاح إداري مغربي حقيقي وبنيوي، يستدعي العمل بشروط الإدارة الحديثة، بحيث تتحول الوزارة إلى ورشة عمل وإنجاز حقيقيين، تُمكن جميع العاملين فيها، وعلى مختلف المستويات، من القيام بدورهم كاملاً، وفق خطط واضحة ومدروسة وقابلة للقياس والتقويم المرحلي، أما الحديث عن إدارات جديدة بعقليات وذهنيات قديمة ونمطية فهو نوع من العبث الذي لا جدوى منه.
1 دجنبر 2014