عن صفحة الفيسبوك الخاصة بالاستاذ محمد اديب السلاوي
2 نونبر 2014
الثقافة في محيط العالم العربي وخليجه، عاشت طيلة القرن الماضي والذي قبله، قضايا جوهرية، بعضها يرتبط بدوامة الصراع مع الحداثة، وبعضها الآخر يتصل بالموقف المتحجرة من التراث، والعلاقة مع الآخر، وهو ما جعل فئة واسعة من المثقفين العرب، ترفض ثقافة الآخر، على اعتبار أنها ثقافة غازية، دخيلة، عدوة، تعمل على إبادة التراث العربي / الإسلامي وتشويهه، وفئة أخرى، تنخرط في تبعية مطلقة للغرب وثقافته ولغته، باسم الحداثة، مقلدة ومرتهنة لرؤاها وتصوراتها واختياراتها.
إنها الوضعية الثقافية نفسها، التي كان الغرب الأوروبي / الأمريكي، قد انتهى منها، وأدخلها صناديق التاريخ، بعد سلسلة من الصراعت الاديولوجية المتناحرة، حول المحرمات السياسية والفكرية، التي قادته مؤخرا إلى عصر جديد، مطبوع بالحرية والشفافية والوضوح الفكري.
إن مفهوم الثقافة اليوم عند الغرب الأوروبي، تجاوز المفاهيم التقليدية، والصراعات التقليدية، ولم يعد هو ذلك المفهوم الذي كان يستخدمه الإعلام الغربي خلال القرنين الماضيين في منابره، والذي كان يعني ” الثقافة الرفيعة ” في مختلف صورها، والمتمثلة في الفن والآداب والفلسفة والتاريخ، والتي كانت حكرا على صفوة معينة / برجوازية / ارستقراطية، قليلة العدد.
مفاهيم الثقافة اليوم عند الغرب الأوروبي / الأمريكي، تجاوزت ذلك بمسافات بعيدة، فهي (أي الثقافة) كل فعل رمزي له معنى وموضوع في المجتمع / كل ما يمكن ملاحظته من الأفعال والأحداث والوقائع والخطابات في التفاعل الاجتماعي.
هكذا، نجد أزمة الثقافة العربية، التي مازالت ملتزمة بصراعاتها، متعددة الجوانب، أزمة سياسية / أزمة مفاهيمية / أزمة هوية / وأزمة عقلانية في نفس الآن، وهو ما يعني أن أزماتنا الثقافية لا تعود في الحقيقة إلى الانخراط في التراث أوالى رفضه / إلى لقبول بالحداثة أو رفضها، ولكنها بالأساس تعود إلى عجز القطاع الثقافي عن الإبداع الثقافي / عجزه عن الانتقال من مفاهيم الماضي إلى مفاهيم العصر الحديث / عجزه الانتقال من مفاهيم السلطة الثقافية العتيقة، إلى آفاق أخرى تعددية، يشارك فيها بقوة أصحاب الإنتاج الثقافي، والعاملين على استهلاك هذا الإنتاج. وفي نطاق هذا العجز الصارخ، تبدو العلاقة بين النخبة الثقافية، ومستهلكي / متلقي الثقافة، علاقة تفقد في عمقها روح المسؤولية. وهو ما يشترط التقويم والمراجعة والنقد الحر…خاصة وأن الذين يتلقوا الثقافة في بلادنا، ولربما في كل الأقطار العربية الأخرى، أنصاف أميين / أنصاف متعلمين، يبتلعون كل ما يقدم لهم من دون تردد، أو تساؤل، أو نقد أو حوار.
من هنا، تجدنا وجها لوجه أمام نظرية الأزمة، وهي أولى النظريات التي تشخص وضعنا الثقافي الراهن بشفافية…وبكل وضوح.
أفلا تنظرون…؟