محمد إنفي عن جريدة الاتحاد الاشتراكي السبت 6ابريل 2013 لقد أصبحت كلمة «إصلاح» لازمة من لوازم الخطاب عند كل من يتحدث عن الحكومة من مسؤولي وأعضاء حزب العدالة والتنمية. وشخصيا، لم يتضح لي، بعد، المدلول الحقيقي الذي يعطيه هذا الحزب لمفهوم الإصلاح، أو على الأقل، لم أر لهذا المدلول، في أرض الواقع، أي تجسيد فعلي يعفيني من التساؤل عما يقصده هؤلاء حين يتحدثون عن حكومة الإصلاح، وهم يفعلون ذلك بنوع من الاستعلاء والعنجهية، قل نظيرهما؛ ويتساوى في ذلك الوزير والبرلماني وعضو الأمانة العامة وغيرهم. أنا (وأعوذ بالله من قول أنا)، كفاعل سياسي وكمواطن مهتم ومعني بما يجري حولي، أتابع، قدر المستطاع، ما تقوم به حكومتنا الموقرة التي منح لها ولرئيسها الدستور الجديد صلاحيات واسعة لم تكن لأحد من قبلهم (لو تمثلتها واشتغلت على أساسها لحققت الشيء الكثير لهذا البلد)، فلم أر، إلى حد الساعة، ما يفيد أنها هي، بالفعل، حكومة إصلاح، بقدر ما أرى أنها هي حكومة «هضرة» على الإصلاح.
وقبل أن أوضح هذا الأمر، وعملا بالقاعدة المعروفة: «الحكم على الشيء فرع من تصوره»، دعنا نقدم تعريفا، ولو سريعا، لمفهوم الإصلاح. لنتفق على أن رفع شعار الإصلاح، هو إقرار بوجود فساد؛ وإلا فلا معنى لكلمة إصلاح. فإصلاح الشيء، يعني تغيير ما فسد فيه ليصبح صالحا؛ بمعنى آخر، الإصلاح يكون بتعويض السيئ بالحسن، والخطأ بالصحيح، والفاسد بالصالح، الخ؛ بل وتغيير الصالح إلى ما هو أصلح، حتى تستقيم الأمور على الوجه الأصح، خصوصا عندما يكون الأمر متعلقا بمصير أمة وبمستقبل شعب وبمكانة الوطن والدولة. وبتعبير آخر، فإن الإصلاح (مصدر فعل أصلح) هو تغيير للأفضل والأحسن، ويهم جميع المجالات (السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإعلامية والرياضية والقانونية والإدارية، الخ) وتنعكس آثاره على دواليب الدولة والمجتمع. لقد سبق لي، في أول مقال كتبته تحت عنوان «ملاحظات أولية حول التشكيلة الحكومية الجديدة» («الاتحاد اشتراكي»، 5 يناير 2012)، بعد أن تم تعيين الحكومة الحالية، تعرضت فيه، آنذاك، إلى بعض المؤشرات والإشارات غير الباعثة على الاطمئنان، ليس فقط فيما يخص الإصلاحات المرتقبة، بل وأيضا فيما يتعلق بالحفاظ على المكتسبات التي حققتها بلادنا في بعض المجالات؛ غير أن ذلك لم يمنعني من الأمل في المستقبل، فعبرت لها عن متمنياتي بالنجاح في مهامها، لأن في نجاحها، في اعتقادي، خير للبلاد كلها، وفي فشلها، ضرر للبلاد كلها. وأعتقد أن هذا الشعور يتقاسمه كل متشبع بالروح الوطنية وبالقيم الديمقراطية. الآن، وبعد مرور (13) شهرا من عمر هذه الحكومة بالتمام والكمال وزيادة، ما هي الحصيلة في مجال الإصلاحات, وما ذا يلوح في الأفق؟ وهل هي، بالفعل، كما تزعم ويزعم الحزب الأغلبي، حكومة إصلاح؟ يبدو أن الشيء الوحيد الذي نجحت فيه، إلى حد الآن، هذه الحكومة، هو تعطيل الدستور الذي صادق عليه المغاربة في فاتح يوليوز 2011، في السياق الذي يعرفه الجميع والذي لا داعي للرجوع إليه. ففي الوقت الذي كنا ننتظر أن تقطع الحكومة المنبثقة عن انتخابات 25 نونبر 2011 مع الطريقة التي كان يدبر بها الشأن العام في المراحل السابقة وتنطلق في تفعيل الدستور الجديد، اعتمادا على التأويل الديمقراطي لفصوله وبنوده – مستنيرة في ذلك بالروح التي سادت بعد خطاب تاسع مارس- من أجل بناء آليات جديدة لتدبير المجالات الحيوية، تسعفنا في الخروج من حالة التردد والتخبط والارتجال الذي ارتمت في أحضانه عند الانطلاق، راحت، بدلا عن ذلك، تبحث عن الوسائل التي تمكنها من الالتفاف على الحقوق التي خولتها الوثيقة الدستورية للمعارضة وللمجتمع المدني وغيرهما من المؤسسات الدستورية؛ وعلى سبيل المثال، فقد ابتدعت الحكومة (بعد بدايتها غير الموفقة في مجال اقتراح القوانين) ما أسمته بالمخطط التشريعي الذي تهدف من ورائه إلى تأجيل النقاش في القوانين المهيكلة إلى نهاية الولاية (وقد لا ترى النور بسبب التأخر الحاصل في مجال القوانين التنظيمية)، من جهة، وحرمان المعارضة من حقها الدستوري في تقديم مشاريع القوانين، من جهة أخرى. ومع ذلك، يتحدثون عن الإصلاح!! وإذا ما استعرضنا الحصيلة التشريعية التي لها صلة بموضوع الإصلاح، نجد أن الحكومة لم تقدم، في مجال القوانين التنظيمية – والتي هي، كما يعلم الجميع، ليست امتدادا للنص الدستوري واستكمالا له فقط، بل وأيضا التفعيل الحقيقي له – إلا قانونا تنظيميا واحدا يتعلق بالتعيين في المناصب السامية؛ و قد أبرزنا، في حينه، من خلال قراءة نقدية لمشروع ذلك القانون («الاتحاد الاشتراكي»، 7 أبريل 2012)، كيف أنه يسير في اتجاه يناقض روح الدستور الجديد. وندرك الآن، من خلال ما تتناوله الصحافة، اليوم، حول التعيينات الجديدة في المناصب السامية، التي يتم الاعتماد فيها على مقولة «المقربين أولى»، السبب الرئيسي الذي كان وراء الإسراع بهذا القانون، ولا شيء آخر غير هذا القانون الذي يسمح بخوصصة الشأن العام، حسب تعبير «مصطفى المتوكل» («الاتحاد الاشتراكي»، الجمعة 29 مارس 2013 ) أو «إحكام الطوق على مفاصل الإدارة ومفاصل الدولة بتثبيت الأقرباء والأتباع والمريدين و»المسبحين» بحزب المصباح»، كما قال «عبد الرحيم أريري» («الوطن الآن»، الخميس 28 مارس 2013). ومع ذلك، فهم يتباهون بحكومة الإصلاح!! أما فيما يتعلق بصندوق المقاصة، فحدث ولا حرج. فقد قالوا بأنهم سيقدمون الدعم المباشر للمحتاجين والمعوزين، فقدموا لهم، ولجميع أصحاب الدخل المحدود، الزيادة المهولة في أسعار المحروقات والتي كان لها تأثير مباشر على أسعار جميع السلع والخدمات؛ مما شكل ضربة موجعة للقدرة الشرائية لكل الفئات الفقيرة والمتوسطة. ومع ذلك، فقد اتفقت قيادات حزب العدالة والتنمية ومناضليه على نعت هذا القرار بالشجاع! إنه، إذن، الإصلاح الذي لن يؤدي فاتورته إلا الفقراء والمعوزون وأصحاب الدخل المحدود («الحيط القصير») الذين تتبجح الحكومة بالدفاع عنهم! ومع ذلك، فهي حكومة إصلاح!! لقد سبق للحكومة أن واعدتنا، فيما سمي بـ»البرنامج» الحكومي، وقبل ذلك، في البرامج الانتخابية لأحزابها، وبالخصوص الحزب الذي يرأس الحكومة، بمحاربة الفساد، فاستبشر الناس خيرا؛ لكن الواقع يكذب هذا الخطاب ويعري تهافته السياسوي الذي يجعل من التسويق الإعلامي أسبقية الأسبقيات، مع النزوع إلى الاستفراد بالقرارات. وهكذا، سارع الحزب الأغلبي، في بداية عهده بالسلطة، في استفراد ملحوظ بالقرارات التي يفترض فيها أنها تعني الحكومة ككل، إلى التسويق الإعلامي لقضايا ليس لها تأثير يذكر في مجال المحاربة الفعلية لظاهرة الفساد، ما لم تندرج ضمن خطة تهدف إلى القطع مع اقتصاد الريع؛ ونورد، هنا، كنموذج، نشر لائحة المستفيدين من رخص النقل التي قيل عنها وفيها الكثير. ومع ذلك، تم التطبيل والتزمير والتهليل لهذه الخطوة، كما هو الأمر لبعض المبادرات الأخرى، وكأنها الفتح المبين، قبل أن يعلن رئيس الحكومة عن موقفه الجديد في جملته المشهورة: «عفا الله عما سلف». ومع ذلك، فهي، في عيون أصحابها وأتباعها، حكومة إصلاح!! لن أتحدث عن لجان الحوار(العدالة، الأسرة والطفولة، الشباب والمجتمع المدني، الخ) التي استحدثت بموجب فصول الدستور المتعلقة بهذه المجالات؛ لكن، تجدر الإشارة إلى أن ذلك تم، إما في غياب المعنيين بالأمر، وإما في محاولة جعل حضورهم صوريا وهامشيا، مما جعل الكثير من المكونات الأساسية لهذه اللجان يقاطع اجتماعاتها، لكونها تتنافى وروح الدستور الذي أعلى من شأن الديمقراطية التشاركية. ومع ذلك، فالحكومة هي حكومة إصلاح، حتى ولو خرقت الدستور!! أما فيما يخص «الإنجازات» الاقتصادية والاجتماعية لهذه الحكومة، فسأكتفي بما قاله الأمين العام لحزب الاستقلال الذي هو جزء من الأغلبية الحالية، مصداقا لقوله تعالى: «وشهد شاهد من أهلها»؛ ذلك أنه قال، خلال اللقاء المفتوح الذي نظم بالمعهد العالي للصحافة و الإعلام بالدار البيضاء، بأن الحكومة الحالية تعيش أزمة غياب أوراش كبرى، وأنها، إلى حد الساعة، لم تطلق ولا ورشا واحدا، معتبرا أن كل الأوراش الكبرى التي يعرفها المغرب انطلقت في عهد الحكومة السابقة (وأنا أقول: في عهد الحكومات السابقة، وخاصة حكومة «عبد الرحمان اليوسفي» التي راهنت على الأوراش الكبرى لإخراج المغرب من الأزمة التي كان يتخبط فيها آنذاك والتي أوصلته إلى ما سماه الملك الراحل «الأزمة القلبية»)؛ كما انتقد الأمين العام لحزب الميزان البطء الذي يميز أداء الحكومة على جميع الأصعدة. وقد انضم «امحند العنصر»، وزير الداخلية، الأمين العام للحركة الشعبية، إلى منتقدي الحكومة، واصفا الأوضاع الاقتصادية بالصعبة ولن تحل بـ»الهضرة الخاوية». ومع ذلك، لا يجد «عبد الله بوانو»، رئيس فريق العدالة والتنمية، غضاضة في الحديث عن أوراش الإصلاح الحقيقي التي انطلقت مع الحكومة التي يقودها حزبه، وذلك خلال المهرجان الافتتاحي لـ»قافلة المصباح» السادسة بالبيضاء، مؤكدا أنه لا مجال للعودة إلى الوراء، مع أننا لا نرى أمامنا إلا ما يخيف سياسيا (ضرب المكتسبات الديمقراطية) واقتصاديا (استفحال الأزمة) واجتماعيا (تدهور القدرة الشرائية وتنامي عدد الفقراء والمحتاجين)، الخ. هي، إذن، حكومة إصلاح، بعقلية «ولو طارت، معزة»!! وإذا ما حدث وتجرأت، فانتقدت هذه الحكومة، فتأكد من التهمة الجاهزة: إنك ضد الإصلاح وأنك تسعى إلى إفشال المشروع الحكومي الإصلاحي. وفي أحسن الأحوال، سينعتك «عبد الله بوانو»(الذي تعلم السياسة في سبعة أيام وبدون معلم) بالمشوش أو بالمعرقل أو بالمعادي للإصلاح. وقد يصل الأمر إلى أن تصنف في جنس العفاريت أو التماسيح أو الفلول أو غير ذلك من الكائنات التي تترصد»بنكيران» وحكومته. والسبب، هو أن «بنكيران» لا يحب المعارضة، أو على الأصح، يريد، كما قال «عبد الحميد جماهري»، في عموده اليومي بجريدة «الاتحاد الاشتراكي» (28 مارس 2013)، «أن تكون الحكومة والمعارضة في جملة واحدة. السيد بنكيران رئيس الحكومة، السيد بنكيران رئيس المعارضة». وإذا ما سألته عما يعارض، فجوابه هو أنه يعارض الفساد؛ لكن، وكما قال «جماهري»، فـ»إلى حد الساعة، ليس منصوصا على الفساد كمؤسسة دستورية»؛ أضف إلى ذلك أن الفساد يجب أن يحارب وليس أن يعارض؛ لكن ما دام «بنكيران» قد أصدر عفوه العام عن الفساد بقوله: «عفا الله عما سلف»، فيستحسن إعادة طرح السؤال بالصيغة التالية، تجنبا لكل لبس: «بنكيران» يعارض من؟ يجيبنا «عبد الحميد جماهري»، بأنه يعارض المعارضة ويعارض الشعب؛ وهو في هذا يتوخى الإصلاح (أو التغيير)؛ ويرى أنه لتحقيق ذلك، فهو يحتاج إلى قبعة المعارضة لكي يثبت لنفسه بأنه في .. الحكومة؛ ولن يجد «بنكيران» أفضل من المطالبة بالإصلاح باستمرار كوسيلة للهروب منه !! لهذا، نعتقد أن تسميتها بـ»حكومة إنما الإصلاح بالنيات»، هو الأنسب في حق الحكومة نصف الملتحية التي تحدثنا عن الإصلاح دون أن نرى منه شيئا. ونشير إلى أننا لم نستحضر، إطلاقا، الحديث النبوي الشريف، سواء في التسمية أو في المضمون الذي أعطيناه هنا لمفهوم النية. لكننا نستحضر الآن، وبقوة، قول الرسول الكريم (ص): «إذا أسندت الأمور إلى غير أهلها فانتظر الساعة»، دون أن نعطي، بالطبع، للفظ «الساعة» مفهومه الديني. فالساعة، هنا، نراها في الكارثة الاقتصادية والاجتماعية التي، لا قدر الله، قد تغرق فيها البلاد بسبب التدبير الذي، بدل أن يحتكم إلى المنطق وإلى العقل، يركب صهوة العاطفة التي لن تبني اقتصادا ولن تطعم جائعا ولن تعلم جاهلا، ولن، ولن، ولن… |
||
5/4/2013 |
باب ما جاء في أن بوحمارة كان عميلا لفرنسا الإستعمارية..* لحسن العسبي
يحتاج التاريخ دوما لإعادة تحيين، كونه مادة لإنتاج المعنى انطلاقا من “الواقعة التاريخ…