الرباط ـ ‘القدس العربي’: الحوار مع ادريس لشكر الكاتب الاول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، يبقى مستظلا بتاريخ هذا الحزب، الذي قاد المغرب لعقود طويلة من موقع المعارضة او موقع قيادة تدبير الشأن العام، وهي قيادة كانت نتاجا طبيعيا لرؤية الحزب ومقاربته لقضايا البلاد.
يستظل الحوار بالتاريخ، لان واقعه الراهن ومنذ انتخابات 2007 التي احتل فيها المرتبة الخامسة، لا يسر الحزب ولا اصدقاءه، وهو الواقع الذي انعكس بشكل واضح على مؤتمره الوطني التاسع وما افرزه من خلافات واتهامات.
في هذا الاستظلال بالتاريخ ‘القدس العربي’ التقت ادريس لشكر في مقر الحزب بالرباط وكان معه هذا الحوار:
‘ انتهت الخلافات التي عاشها الحزب بعد المؤتمر التاسع؟
‘ ان من يعرف تاريخ الاتحاد الاشتراكي يلمس انه تاريخ الخلافات. لا بد أن نتذكر أن المهدي بن بركة، وهو القائد التاريخي للحزب، مُنع من تلاوة التقرير الإداري. وخلال المؤتمر الاستثنائي قيادات من مثل الفقيه البصري بعثت برسالة صوتية اليّ وحرمت حتى من الاستماع إليها. وفي المؤتمر الثالث خرجت القيادة لتترك المؤتمرين ليتوافقوا مع محمد عابد الجابري عضو من القيادة وفي المؤتمر الخامس توقف المؤتمر لأكثر من 24 ساعة، لأن المؤتمر صوت بالإجماع ضد مقترح تقدم به الزعيم التاريخي للحزب عبد الرحيم بوعبيد.
كما يجب ألا ننسى أنه في المؤتمر السادس ونحن ندبر التناوب، خرج من صلب المؤتمر كل من حزب ‘المؤتمر الاتحادي’ و’الحزب الاشتراكي’ و’الوفاء للديمقراطية’، وفي المؤتمر السابع خرج من صلب النقاش ‘الحزب العمالي’. وفي المؤتمر الثامن عشتم شوطي المؤتمر، ولولا حكمة الذين ترشحوا للمنافسة على الكتابة الأولى كيف دبروا الأمر ديمقراطيا واقتناعهم بوحدة الحزب لوقعت أشياء مشابهة.
المؤتمر التاسع، وبحدة أقل، اتسم بمنافسة حادة في ما يتعلق بالكتابة الأولى. لأول مرة في تاريخ الأحزاب المغربية، يتقرر أن يُنتخب قائد الحزب بالأغلبية المطلقة، وهو ما تطلب دورتين. وهذه المنافسة الحادة اتسمت خلال التحضير لها بالمنافسة في الأرضيات السياسية لكل مرشح قبل المؤتمر وتم تداولها خلال الإعلام السمعي والإعلام المكتوب وكذلك بين المؤتمرين عبر التراب الوطني، فكانت ظاهرة جديدة في المغرب ألا يبقى الحزب شأنا خاصا بالمنتمين إليه، بل يتم إشراك الرأي العام في توجهات الحزب وبرامجه واختيار الأشخاص.
والمؤتمر شهد نقاشات قوية فيما يتعلق بالأرضية التوجيهية، أية معارضة نريد أن نكون في ظل سياقات وطنية وجهوية ودولية هي غير السياقات السابقة. فالمنطقة عرفت ربيعا نخشى عليه أن يتحول إلى خريف، خاصة بعد التفاف قوى محافظة على كل الشعارات والأهداف التي كانت لهذه الدورة في جنوب حوض البحر الأبيض المتوسط. وجرت انتخابات الكتابة الأولى، في الشوط الأول كنا أربعة، لم يمر الأخوان فتح الله ولعلو ولحبيب المالكي إلى الشوط الثاني، ولم يطعن أي منهما في نتائج التصويت، ومررنا أنا والأخ أحمد الزايدي إلى الشوط الثاني، كان ذلك بفارق مئة صوت، ولم يسجل كذلك على أي عضو أنه يطعن في هذه الانتخابات. ومررنا الى الشوط الثاني، حيث كنت مدعوما بأصوات أغلبية الذين صوتوا للأخوين المالكي وولعلو، وكانت النتيجة كما تتبعها الجميع.
مما لا شك فيه أن هذا الماراثون الطويل للعمليات الانتخابية، وهذه المنافسة التي اتسمت بشراسة خلفت بعض الأثر، واعتبرناها من القلق الذي يصاحب نتائج كل مؤتمر، وتعاملنا معه بما يتطلب الأمر من مسؤولية، وراهن خصومنا على أن يتطور هذا القلق إلى صراعات داخلية، ولكن ‘الاتحاديات’ و’الاتحاديين’ أكدوا أنهم ما زالوا عند قيمهم ومبادئهم؛ خاصة أنهم يرون اختلال التوازن الموجود في المجتمع، ويشعرون أنهم موكولة إليهم اليوم مهمة تاريخية إعادة التوازن الذي اختل لصالح القوى المحافظة. ولذلك حرصوا جميعا أن يتجاوزوا بشكل إيجابي أخطاء بعضنا، وهو ما تم.
‘ نستطيع القول ان ما اسميته قلقا قد زال؟
‘ نعم يمكنني اليوم أن أقول، بعد أسابيع قليلة، ان القيادة الحزبية التأمت واجتمعت بشكل لم يحصل من قبل مع قيادات حزبية سابقة خلال نفس المدة. والتقت بالمؤسسات الحزبية عبر التراب الوطني، وعمودياً عبر القطاعات والمؤسسات. أنتم رأيتم أننا اجتمعنا (قبل إجراء هذا الحوار) بمستشاري الحزب في الغرفة الثانية للبرلمان، قبله التقينا بالإخوة والأخوات أعضاء المجلس الاقتصادي والاجتماعي، وكنا اجتمعنا سابقا بالإخوة في الفريق النيابي (نواب الحزب في الغرفة الأولى من البرلمان). وفي الأيام القادمة، سنجتمع برؤساء كل الجماعات البلدية والقروية المنتمين للحزب.
وبذلك، يمكنني القول إن ثلاث ولايات من تسيير الشأن العام أرهقتنا وأرهقت آلتنا التنظيمية، لدرجة يمكن القول معها ان بنيتنا عرفت نوعا من الفتور ومن الشيخوخة. ولا شك أن عودتنا للموقع الذي نتقن العمل فيه ـ لأننا مارسنا لعقود المعارضة ـ هي التي تفرض علينا هذه الحركية والدينامية في العمل.
‘ الفرق أن بين ما وقع خلال المؤتمر التاسع والمؤتمرات السابقة (باسثناء المؤتمر السادس) أن الاتحاديين كانوا قادرين على تدبير خلافاتهم وإبقائها داخل البيت الاتحادي، لكن خلافات المؤتمر التاسع أصبحت متداولة لدى الجميع، وكأن هناك أحزابا داخل الاتحاد الاشتراكي وليس حزبا واحدا؟
‘ لسبب بسيط، العالم اليوم تغير، حصلت ثورة تقنية وأصبح الإعلام أحيانا على التضخيم. وها أنتم ترون أحداثا ووقائع تصل بسرعة فائقة خلافا لما كان يقع في السابق. اليوم تصريح واحد لشخص معين كاف أن يملأ المواقع بسرعة كبيرة، ولكن العبرة بالخواتم. فلا أعتقد أن المواقع الإلكترونية وأعمدة الصحافة هي التي ستحدد خط الحزب وبرنامجه. من سيحدده هم ‘الاتحاديات’ و’الاتحاديون’، وها هم قد بعثوا إشارة واضحة لكل هؤلاء. اليوم هناك صمت مطبق، ولا يوجد حتى تنويه ممن كانوا موضوعيين للطريقة التي دبّر بها الاتحاد الاشتراكي خلافاته.
‘ مارستم المعارضة منذ عام 1960 إلى 1997، المعارضة كان لها آنئذ توجه وأرضية واضحة، وكان للحزب إشعاع والمواطن كان لديه ثقة فيكم كحزب معبر عن طموحاته. أما اليوم، فهذا غير متوفر بالاضافة الى ان هناك نوعا من الارتباك والضبابية في المشهد السياسي المغربي ككل. فكيف ستدبرون معارضتكم أنتم في ضوء ذلك؟
‘ المؤتمر الأخير حدد كيفية هذه المعارضة. فسنوات المعارضة التي تتحدث عنها كنا نمارس معارضة ضد النظام، لكن لما اخترنا استراتيجية النضال الديمقراطي التي أوصلتنا إلى دستور 2011 وقبل ذلك إلى حكومة التناوب وإصلاحاتها. اليوم، يمكن القول إن معارضتنا اصبحت تتخذ شكلين: معارضة مؤسساتية ومعارضة مجتمعية مجالها هو الحركة الاجتماعية والحقوقية والثقافية.
وإذا كان التوازن اختل حاليا لصالح قوى محافظة ورجعية موجودة في مراكز القرار الحكومية ذات الصلاحيات والإمكانيات التي يتيحها الإصلاح الدستوري الذي ناضلنا من أجله وكنا مبادرين فيه، فإننا واعون بأن هذا التوازن المختل يتطلب منا أن لا نناضل في الواجهة المؤسساتية فقط، بل يجب أن نعمل أيضا في المجتمع، معنى ذلك أننا سنكون في صلب الحركة المجتمعية. لذلك، لما خرجنا كقيادة من المؤتمر حرصنا على فتح جسور مع الحركة النقابية وسنقيم جسورا مع الحركة الثقافية، بعدما حدث اختلال لصالح الجهات المحافظة وخارج هذه المعارضة المجتمعية، هناك معارضة مؤسساتية.
‘ ألا يطرح لديكم التنسيق مع حزب الأصالة والمعاصرة نوعا من الإرباك؟
‘ هذه مزايدات سقطت، ولم يعد أحد يرددها اليوم، لأنه بالفعل حين كان هذا ‘الوافد الجديد’ (ونحن من اطلق عليه هذا الوصف) يهدد وجود الاتحاد الاشتراكي، شعرت بضرورة اتخاذ الموقف اللازم، وربما كانت لدي خلافات داخل الحزب في ما يتعلق بالموقف منه. حالياً، هذا حزب أفرزته الانتخابات، ولا أتعامل معه بمنطق ظروف الولادة، وإنما ببرنامجه السياسي والسياسة تقتضي أن يتعامل المرء مع الواقع. والواقع يقول إن الآخرين في الحكومة، أما هؤلاء ففي المعارضة.
‘ هل نفهم من ذلك أنكم كاتحاد اشتراكي صرتم جزءا من أحزاب الدولة والسلطة؟
‘ كلنا اليوم أحزاب الدولة. كما قلت سابقا، كنا في يوم ما ضد النظام، أما اليوم فالنظام جزء من الدولة والأحزاب هي الأخرى جزء منها. والدولة بالمفهوم الدستوري نحن جزء منها. فيما يتعلق بالمفهوم السياسي، هناك توجه سائد اليوم في الدولة بوجود حكومة محافظة، ونحن طبعاً نوجد على النقيض منها.
‘ وماذا عن علاقتكم بالقصر، فمن المعلوم أنه حتى عندما دخل الاتحاد الاشتراكي في المسلسل الديمقراطي بقي له موقف نقدي من القصر؟
‘ القصر في السبعينيات والثمانينيات هو غير القصر حالياً. هذه المسألة حسمناها بشكل مسؤول، وليس هناك في قيادة الحزب أو في قواعده اليوم من يعتقد أنه في تناقض مع القصر. بل على العكس، أكدنا في تقاريرنا ووثائقنا ومؤتمراتنا أن المغرب عرف تغييرا كبيرا مع العهد الجديد. الملكية اليوم منخرطة في مشروع حداثي كبير.
لذلك، أؤكد أنه ليس لدي أي تناقض مع القصر. بالعكس، المؤسسة الملكية اليوم تقوم بدورها المنوط بها دستورياً. أطراف العملية السياسية في المغرب ـ اليوم ـ واضحة ومعروفة، فلا يختبئن أحد وراء العفاريت والتماسيح.
هناك حكومة تتوفر على حق التعيين في المناصب، وعلى حق التشريع في كافة القوانين. وهناك مؤسسة تشريعية تقوّت بالدستور. فمن يقف وراء تفعيل الإصلاحات المطلوبة؟ إنها هذه الحكومة المحافظة التي تختبئ وراء تلك المبررات الواهية، مع أنها تتوفر على كافة الصلاحيات. فلتمارس صلاحياتها ولتتركنا نمارس صلاحياتنا نحن أيضا كمعارضة.
نلاحظ أن هذه الحكومة، بعد 15 شهرا من تعيينها، عجزت عن إخراج القانون الذي ينظم عمل أفرادها. فكيف ننتظر منها أن تفعل باقي الإصلاحات؟ وهذه الحكومة المطالبة بإخراج النص المتعلق بحقوق المعارضة، لم تعمل ذلك لحد الآن، بل أخرجت نصا واحدا هو التنصيب في الوظائف السامية (العليا)، وكان ذلك بمثابة كعكة يجب توزيعها بسرعة.
‘ الاتحاد الاشتراكي كان يمارس المعارضة بأدوات قوية ومؤسسات قوية ومعارضين أقوياء، لكن تدبير الحزب للشأن العام لثلاث ولايات انعكس سلبا على الآلة الحزبية؟
‘ لقد حددت خلاصات المؤتمر الوطني التاسع في مقرره التنظيمي الرؤية لاعادة البناء التنظيمي وهي مهمة أساسية، ولكي لا تكون هذه العملية شكلية اخترنا أن تنطلق من الحركة الاجتماعية، وعقدنا لقاءات مع مختلف النقابات، واستطعنا أن نجالس إخوتنا في الاتحاد المغربي للشغل ـ وهي النقابة الأولى والمؤسسة للعمل النقابي في المغرب ـ وعقدنا معهم اتفاقيات وقررنا دعمهم في الحملة المتعلقة بالمطالبة بإلغاء الفصل 288 من القانون الجنائي (الذي يمس الحق في الإضراب عن العمل والحرية النقابية عموما)، الذي اتفق على الغائه مع الحكومة السابقة، لكن الحكومة الحالية متمسكة به لترون أنه لا يوجد وراء هذا التوجه الحكومي لا العفاريت ولا التماسيح ولا الحيتان، وإنما وراءه إرادة لضرب الحرية النقابية والحريات العامة.
ونحن مدعوون إلى العمل مع الحركة الاجتماعية، مع المواطنين عندما يحتجون على غلاء فواتير الماء والكهرباء، وأيضا عندما يحتجون على منتخبيهم حينما لا تصلهم أعمدة الإنارة أو حينما لا تقوم إدارة البلديات بإصلاح الطرق والمسالك. مدعوون أيضا إلى الوقوف بجانب نضالات المعطلين والعمال والحركة النسائية في الدفاع عن مطالبها ومكتسباتها والحركة الشبابية في المطالبة بحماية الحرية الشخصية والدليل على انطلاق حركية جديدة هو الانتخابات الأخيرة التي جرت على مستوى النقابة الوطنية للتعليم العالي.
انظر إلى موقع الحركة الأصولية ونتائجها في الانتخابات التشريعية السابقة ونتائج الاتحاد الاشتراكي. هناك الان حركية للقطاعات الحزبية التي نعتقد أنها ستعمل على إعادة الوهج الذي كان موجودا في السابق لدى تنظيمات الحزب.
ان وضعية الحزب الان هي سنة الحياة. ففي مصر ـ مثلا ـ كانت الحركة الطلابية لعقود محافظة وأصولية، لكن الانتخابات التي جرت فيها مؤخرا شهدت فشلا لحركة الإخوان المسلمين، وهم لم يمض على تدبيرهم ومسؤوليتهم إلا شهور، فما بالك بحزب أرهقته 13 سنة من المساهمة في تدبير الشأن العام.
سوف نفاجئ خصومنا، وهم يعلمون ذلك ويدركونه في محاربتهم واستهدافهم لنا عبر وسائل الإعلام. مع العلم أننا لم نكن نأخذ نفس الحيز الذي يأخذونه اليوم في الإعلام السمعي البصري، كما تؤكد ذلك تقارير الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري ونعتقد ان الظروف مهيأة لكي يستعيد الاتحاد الاشتراكي مكانته في الحقل الحزبي المغربي.
‘ تاريخياً، ومنذ 1992 كانت الكتلة الديمقراطية شكلا من أشكال التنسيق بين القوى الديمقراطية المغربية (الاتحاد الاشتراكي، حزب الاستقلال، التقدم والاشتراكية)، وأصبحت اليوم مجرد شعار بعد الانتخابات الأخيرة التي أفرزت دخول حزبي الاستقلال والتقدم والاشتراكية إلى التشكيلة الحكومية. فهل ما زلتم تفكرون بالكتلة؟
‘ نتائج الانتخابات فرضت التغيير، وقد تعاملنا مع الواقع بمسؤولية، حيث احترمنا إرادة التغيير، وقررنا أن نكون في المعارضة، فعاب علينا البعض موقفنا. لقد استفدنا من دروس الماضي؛ لنتأمل ما وصل إليه التحالف الذي جمع المعارضة اليسارية والليبرالية في إيران مع القوى الأصولية. المقصلة والرؤوس قطعت. فالذين ساهموا في الثورة الإيرانية وأطروها وقادوها انتهوا إلى مآلات مأساوية. لنتأمل أيضا تركيا، فالأحزاب الليبرالية واليسارية التي انخرطت مع ‘العدالة والتنمية’ خرجت بخفي حنين، وأصبحت ‘العدالة والتنمية’ هي القوة الأولى.
لذلك، فنحن نأمل من كل الديمقراطيين أن يستفيدوا من دروس التاريخ، وأن يعلموا أن تعارض المرجعيات يتطلب منهم ألا يساهموا في الخلط والتضليل، لأن الرأي العام يحار في اختيار ما يجب اختياره.
إننا اليوم، لا نستعجل، فالعالم ـ خاصة في جنوب البحر الأبيض المتوسط ـ شهد تحولات كبرى، والسياقات الوطنية والجهوية والدولية لا تجعل المسؤول السياسي ماسكا بقواعد وآليات العمل السياسي.
وأنتم ترون إخوتنا في حزب الاستقلال اليوم يؤكدون أن علاقتهم مع العمود الفقري للأغلبية الحكومية (العدالة والتنمية) تشوبها اختلالات كبرى، لكننا لا نتمنى أن تنفجر هذه الاختلالات في القريب العاجل، لأننا نرأف ببلادنا، وفي الوقت نفسه نحترم إرادة التغيير التي عبرت عنها صناديق الاقتراع، ولكننا نطلب من هذه الأغلبية أن تمارس دورها كحكومة، وأن تتركنا نمارس دورنا كمعارضة.
‘ بين الفينة والأخرى تطفو على السطح مبادرات لتوحيد اليسار ثم تغيب مرات أخرى؟
‘ الوحدة التي تتم في الصالونات والمنصات وأمام الكاميرات هي وحدة غير منتجة وأثبتت فشلها، والتشرذم الذي يعيشه اليسار المغربي خير معبر عن ذلك. اليوم، أصبحت لدينا وجوه هاجسها الأساس أن تتصدر واجهات الإعلام، وعلى مستوى الفعل لا امتدادات لها. ولذلك، نؤمن اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، أن الوحدة الحقيقية لليسار ستكون عما قريب. واختيارنا العمل داخل الحركة الاجتماعية هو الذي سيدعم هذا التوجه. فاليسار موجود ليس في الإطارت، ولكن في النساء الحاملات للمشروع الحداثي وقيم المساواة والإنصاف، وأيضا في الحركة الحقوقية المؤمنة بالقيم الكونية، إنه موجود كذلك في الحركة الاجتماعية. ولذلك، فنحن كحزب، سنتوجه إلى هذا اليسار، لنمد أيدينا لنشتغل ويكون شعارنا الوحدة والتضامن في الميدان.
‘ بما في ذلك، حركة ’20 فبراير’؟
‘ نعم، بما ذلك ’20 فبراير’.
‘ لكن موقفكم متذبذب من هذه الحركة؟
‘ ’20 فبراير’ هي نحن في الأصل، هي مذكرة الإصلاحات الدستورية التي رفعناها (إلى الملك في 08 مايو 2009)، وكانت تلك الحركة صدى للمطالب الموجودة في تلك المذكرة. وكان من بينها شبابنا.
اليوم، ’20 فبراير’ رمز وحركة اجتماعية وليست برنامجا يقودها هذا أو ذلك. من هنا، أقول إن ’20 فبراير’ ستكون هي كل المجتمع المغربي الموجود اليوم في الحركة الاجتماعية والحركة الحقوقية والحركة الثقافية. هذه هي ’20 فبراير’ التي نسعى إليها اليوم.
‘ ’20 فبراير’ وحزب العدالة والتنمية يلتقيان في شعار واحد هو محاربة الفساد. والمتتبع قد يستخلص أن هذا الهم لا يعنيكم أو ليس معركتكم الأساس؟
‘ العبرة بالفعل وبالنتائج، أما الكلمات والشعارات فلا تكفي. لقد كان لي الشرف، حين كنت في الأغلبية النيابية، أن أترأس اللجنة النيابية لتقصي الحقائق حول مؤسسة القرض العقاري والسياحي. ولي الشرف، وأنا اليوم في المعارضة، أن محاربة الفساد قدمت بشأنها مقترح قانون لإحداث هيئة قضايا الدولة. لكن هذه الحكومة، وبعد 15 شهرا، لم تقدم إلى اليوم ولا إجراء واحدا، مع امتلاكها للأدوات. محاربة الفساد ليست شعارات ولا خطبا رنانة، بل هي إجراءات وقائية أولا، هي قوانين زجرية ثانيا.
‘ لماذا انسحبتم من لجان الحوار الاجتماعية للإصلاح؟
‘ هذه اللجان الحوارية أكبر مؤامرة على مكسب الإصلاحات السياسية الواردة في الدستور الجديد، فعوض أن تعمل على تفعيل الدستور وتنفيذ المقترحات التي ينص عليها كمشاريع قوانين، دخلت الحكومة في متاهة لا تنتهي. فبعد 15 شهرا، لا يمكن أن نتحدث حالياً عن أي إصلاح سياسي في المغرب.
أن هذه الحكومة، إلى اليوم، لم تستدعنا كمعارضة للتداول في أي مشروع؟ لكنها مصرة على إدخالنا في حوارات فارغة، تذكرنا بالمناظرات الوطنية التي كان يقودها المرحوم إدريس البصري (وزير الداخلية المغربي الأسبق) وذلك بنوع من البهرجة.
لذلك، فليس هذا هو الحوار الذي يمكن أن يشارك فيه الاتحاد الاشتراكي، لأنه إن فعل ذلك يكون قد شارك في مؤامرة. فإما أن يكون الحوار مؤسساتيا بمحاورة المعارضة وإما أن يكون حوارا مجتمعيا مختصا بالمجتمع المدني ولا محل للحكومة فيه.
5/