بقلم : بديعة الراضي
لم يكن صاحب العربة المجرورة التي امتطيتها من أجل جولة في المدينة يدري أني صحفية، وأن مدينة كتارودانت تعنيني في الاستطلاع الذي فضلت بدايته بجولة في الفضاء داخل الأسوار السبعة.
تمسك الرجل بالزمام الموضوع بدقة في فم الحصان الذي يفضل بين الحين والأخر الوقوف للرقص على الأنغام المتسربة من الاحتفال الذي نظمته المدينة في ذكرى المسيرة الخضراء ،واستحضار القضية في جو بهيج، يتضح فيه أن الساكنة خرجت من بيوتها مصطفة في الشوارع التي عرفت مئات الأمتار من الاستعراضات التي ساهم فيها بقوة المجتمع مدني والمجلس البلدي وسلطات محلية وإدارية، مع وضع لافتاته في كافة واجهات السير تعبر عن مشاعر المغاربة في التمسك بوحدتهم الترابية والدفاع عنها .
بدا الرجل عنيفا مع حصانه، خاطبه أن يكمل السير، كان الحصان مستمتعا، ودقات رجليه “المصفحة” تسمع في الممرات التي لا تتسع لرغبات الحصان في أخذ حريته.
قلت للرجل أن يرأف بحصانه،أجابني:” أوا راه توحش ليام ديال التراب”، وأضاف:”واش شفتي هاذ مصطفى المتوكل آش دار لينا، دصر علينا البهايم” .
ضحك الرجل حتى أبان عن أنيابه، تحدث عن خصال الرجل في النهوض بالمدينة، وعمله المتواصل من أجل البيئة، و من أجل أزقة بدون حفر، وقف طويلا عند تواصل البلدية في شخص مصطفى المتوكل مع الساكنة، حكى عن اللقاءات التي تمت حول موضوع تحسين أوضاع أصحاب العربات المجرورة في ظل الوضع السياحي في المنطقة وعن الإكراهات، وانتقل الرجل للحديث عن الهجرة وعن مدينة ينبغي أن تتضافر فيها جهود حكومية تشاركية من أجل تنمية كبرى تعود على المنطقة كافة بالخير،وتكون تارودانت بوابتها.
أعطيت الرجل ضعف ما طلب أجابني: “الله يكثر من أمثالك” أضاف أن السياحة ضعيفة وأن هناك لوبيات تريد أن تكون تارودانت مدينة للعبور فقط صوب مدن أخرى كرست فيها تلك اللوبيات مصالحها الكبرى ضمن شبكة منظمة تأصل التهميش لمدينة “سبع سوار”، تابع الرجل، وأنا أهم بالنزول من العربة، ” اللي خاص هو الدولة تلفت لينا ، أما بنكيران فلم يعد يعنينا، والمثل كيقول اللي عرفنا كساتو ما يهمنا عراه”.
قلت للرجل ما هو مستواك التعليمي قال لي ” الإجازة” ولكن الله يخلف على اللي دار لينا الجامعة قريبة، باش على الأقل نفهمو ما نبقاوش جاهلين …
تركت الرجل وحصانه المنتشي بالأرض الإسمنتية التي يتضح فيها أن مكنسة عمال البلدية لا تغادرها، قارنتها ببعض مدننا الغارقة في القمامة أمام مرأى السياح الوافدين بكثرة من كل مكان، قلت مع نفسي ما العمل لإخراج تارودانت من الحصار الإعلامي والسياحي المضروب عليها ، وهل الأمر يتعلق بقصدية، أم أن فضاء المدينة الجميل سقط سهوا من قائمة العارفين بالخرائط التوجيهية لحافلات السياح صوب الأمكنة المعلومة، تم تداركت القول: ألم يقرأ السياح الباحثين عن جمال الطبيعة المتوج بالتاريخ أن إقليم تارودانت يحتضن عدة مآثر لها تاريخ مجيد مثل المآثر الموجودة بمدينة تارودانت، كتيوت، وفريجة، و تالكجونت وتالوين بالإضافة إلى مناظر طبيعية متباينة ومتنوعة مثل فج تزي نتاست وبحيرة إفني بجماعة توبقال وغيرها من المناظر الخلابة.ألم يعرفو من ماهو مدون في الصفحات الإلكترونية أن تارودانت مدينة عريقة تتوفر على أمكنة هادئة بعيدة عن ضجيج المدن الكبرى، ألم يصل إلى مسامعهم أن تارودانت بها فنادق توفر خدمات مميزة و بأثمنة جيدة منها المصنفة وغير المصنفة…
بدأت الأسئلة تتقاطر على ذهني، ورجلاي تجراني من حيت مر الحصان، لم يتسرب التعب إلى قدمي، سألت امرأة في الطريق عن مستشفى المدينة، لا أدري لماذا فكرت في ذلك ربما لأن الصحة تعنيني كما التعليم، وأعرف أن هناك تراجعا كبيرا ضخ في المنظومتين في الوقت الذي كنا ننتظر فيه استكمال الأوراش المفتوحة فيهما، تابعت القول وأنا أتوجه صوب المستشفى الوحيد في المدينة هل يمكن لمستشفى واحد أن يتسع لآلاف الساكنة، أكيد أنهم يعانون في صمت.
في باب المستشفى قدمت نفسي لبعض المواطنين بصفتي صحفية في الاتحاد الاشتراكي، وما كدت أنتهي من تقديم نفسي حتى تجمهر حولي العشرات يشكون ضيق الحال وغياب العناية بهم، وأن هناك نساء اضطررن للولادة على “بطانية” أتوا بها من منازلهم المتواضعة، وبعضهن سردن معاناتهن مع غلاء المعيشة وضيق الحال في إقليم تواق في أراضيه البورية إلى السماء، وهي الاراضي المنتظرة لقطرات الغيث التي تدخل الفرح إلى بيوتها إن هي انتظمت في تواريخ سقوط المطر فيها، وتلك مشيئة الله التي يقول فيها ساكنة تارودانت ممن التقيت بهم” أعقلها وتوكل على الله” في إشارة واضحة وبوعي كبير بالضرورة الملحة في البحث عن حلول أخرى لإخراج المدينة إلى الحياة التي تستحقها رغم أن طريق المطار الجديدة شكلت متنفسا كبيرا للوصول إلى تارودانت في أمان.وهو الأمان الذي تختاره في انضباطك لقانون السير في طريق يعدك بالسلامة، ويوصلك إلى مدينة تلامس فيها سمة الوفاء لقضايا الوطن الكبرى والدفاع عن القيم بمختلف اللغات حماية للإنسان التواق فيها إلى مستقبل أفضل يعي فيه جيدا حجم الإكراهات كما يعي فيه الطرق الكفيلة بمواجهة ذلك في خرائط تقول عنها الساكنة أن التدبير الأعوج في حكومة الربيع ضيع كل الأقلام التي كانت جاهزة لتسطير ما تبقى من استكمال في الأوراش الكبرى على مستوى جهات المملكة. فاللهم اعتق رقابنا وكسر السلاسل الموضوعة في أيادينا كي نشمر على سواعدنا من أجل إنقاذ هذا الهامش المنتظر خلف الأسوار التي وضعت لتؤثث جماله وبهائه لا أن تساهم في نسيانه.