عن ميدل ايست اونلاين
17 نونبر 2014
تونس ـ يبدو حمة الهمامي المترشح للرئاسية في تونس وهو يقود حملته الانتخابية وسط مشهد سياسي يتجاذب أطرافه كل من حزب نداء تونس اللبيرالي وحركة النهضة الإسلامية المحافظة، “صوت” اليسار التونسي الذي نجح خلال الانتخابات البرلمانية في “افتكاك” مساحة هامة ضمن الخارطة السياسية الجديدة بعد أكثر من نصف قرن من النضال “السري”، مدفوعا بفكر راديكالي في مجتمع يميل إلى الفكر الإصلاحي.
وعلى الرغم من تلك الراديكالية التي تعد قاسما مشتركا بين الأحزاب والتيارات اليسارية الشيوعية اخترق الهمامي، الذي يعد من أبرز المعارضين الشرسين لحركة النهضة ولجماعات الإسلام السياسي بصفة عامة، معاقل القوى السياسية ليحشد “قاعدة انتخابية” لها ثقلها ما مكن تحالف أحزاب الجبهة الشعبية الذي يتزعمه من الحصول على 15 مقعدا في البرلمان خلال الانتخابات البرلمانية الماضية الأمر الذي نقل اليسار التونسي من دائرة النضال العقيم المهمش إلى دائرة المعارضة من داخل مؤسسات الدولة.
وبدخول الجبهة الشعبية قبة البرلمان يكون اليسار التونسي قد نجح في بناء قوة سياسية لها ثقلها النسبي يفترض أن تكون تيارا ضاغطا ولاجما لأصوات كتلة حركة النهضة التي لم تكن تتوقع أن تفرز الانتخابات البرلمانية الماضية خارطة سياسية يحتل فيها اليساريون المرتبة الرابعة من بين القوى الممثلة في البرلمان.
استثمر حمة الهمامي المترشح للرئاسية “نصر” الجبهة الشعبية في الانتخابات البرلمانية ليقود حملة انتخابية يصفها المراقبون بـ”البراغماتية”، مستثمرا رصيدا نضاليا عريقا ما جعله يبرز كأحد ابرز المرشحين الدين يحضون بالمصداقية وبالتأييد لدى قطاعات من المثقفين والعمال والفئات الشعبية الفقيرة.
ويقول المتابعون لحملة الانتخابات الرئاسية التي يتنافس فيها 27 مترشحا أن زعيم اليسار التونسي ولسان حاله “فاجأ” منافسيه بـ”خطاب سياسي براغماتي تحرر من “سطوة” الإيديولوجية الشيوعية التي جثمت على نضالات الرفاق لعقود وحالت دون كسب التأييد الشعبي الواسع في مجتمع يتمسك بمقومات هويته العربية الإسلامية و”يتوجس” من الفكر الشيوعي الماركسي.
وعلى خلاف بعض المترشحين، وفي مقدمتهم الرئيس المؤقت منصف المرزوقي الذي أمعن في انتهاج خطاب تحريضي يغذي العنف السياسي، نأى الهمامي بخطابه خلال الحملة عن دغدغة المشاعر الدينية والقبلية والجهوية ليتحسس المشاكل الحقيقية التي يعاني منها غالبية التونسيين مثل غياب التنمية وانتشار الفقر واستفحال البطالة والتهميش الاجتماعي.
غير أن المصداقية التي بات يحظى بها زعيم الجبهة الشعبية لا تستمد روافدها من طبيعة الخطاب السياسي فقط وإنما تستمدها أيضا من “رفض الأفكار الرجعية والظلامية”، ومعارضة مشروع الإسلام السياسي الذي تقوده حركة النهضة وذخيرتها الانتخابية من الجماعات السلفية.
خلال لقاءاته الشعبية في المدن والقرى التي زارها حذر الهمامي من “مغالطة” التونسيين والمتاجرة بالإسلام الذي هو دين الدولة والمجتمع في آن واحد، لافتا إلى أن “الذين يرفعون شعار الإسلام هو الحل” هم أنفسهم الذين جربت تونس حكمهم الفاشل خلال عامي 2012 و2013، في إشارة واضحة إلى حكومة حركة النهضة التي زجت بتونس في أزمة خانقة.
ولا يتردد الزعيم اليساري الذي بات معروفا لدى التونسيين في مهاجمة رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، في اتهامه بأنه “انتهك” إحدى أهم الخصوصيات الاجتماعية والثقافية للمجتمع، وهي الوحدة الوطنية، حين “قسم التونسيين إلى كفار ومؤمنين”، مشددا على أن الغنوشي “لا هو بالسياسي ولا هو بالفقيه”.
وفي وقت يهادن فيه المترشحون الإسلاميين إما خوفا منهم أو تزلفا إليهم يبدو الهمامي بالنسبة لغالبية التونسيين “مترشحا شجاعا”، قادرا على أن يقود وحيدا مواجهة النهضة التي تعد القوة السياسية الثانية بعد نداء تونس.
وعززت تلك المواجهة لمشاريع الحركات الإسلامية صورة “اليساري النزيه الذي يدافع عن قيم الحداثة” بخلاف عدد من اليساريين الانتهازيين مثل الرئيس المؤقت منصف المرزوقي ورئيس المجلس التأسيسي مصطفى بن جعفر اللذين تنكرا لتاريخهما النضالي وارتموا في أحضان حركة النهضة.
ويشدد الهمامي على أن الشعب التونسي الذي أنجز ثورة من أجل الحرية والكرامة عانى من تبعات نظام النهضة الفاشل أدى به إلى الفقر والإرهاب، في إشارة واضحة إلى أن الجماعات الإرهابية نشأت وفرخت بتواطؤ من حكومة النهضة وحلفائها.
لذلك فهو يعتبر أن من أخطر التحديات التي تواجهها تونس “هي مكافحة الإرهاب إن كان على الصعيد الفكري أو على صعيد الممارسة” بعدما “تحولت البلاد إلى بؤرة مصدرة للعناصر الإرهابية في سوريا وفي العراق وفي عدد من البلدان الأخرى”.
ووفاء لمساره النضالي ورؤيته للتعاطي مع الأزمة التي تعيشها تونس منذ حوالي أربع سنوات، يرفض حمة الهمامي “توزيع الوعود الزائفة” على التونسيين لغايات انتخابية، ويؤكد أن “الخروج من الأزمة” لا يمكن أن يتم إلا “إذا وضعت برامج اقتصادية واجتماعية واضحة ودقيقة مبنية على تشخيص موضوعي وعلمي للواقع”.
ولعل هذا ما يفسر أن مرشح الجبهة الشعبية ركز في حملته الانتخابية على القيام بزيارات ميدانية للمناطق الأشد فقرا وتهميشا مثل قرى وأرياف المحافظات الداخلية التي تشهد احتقانا اجتماعيا جراء الشعور بالحرمان والافتقار لأبسط مقومات العيش الكريم.
وخلال زيارته لمحافظة قفصة التي تعد من أكثر الجهات تهميشا ما جعلها معقلا من معاقل النشاط النقابي، حظي الهمامي باستقبال شعبي كبير فاجأ منافسيه حتى أنهم انتقدوه قائلين “إنه مناضل صادق لكنه لا يصلح أن يكون رئيسا” فرد عليهم ” قائلا “وكأنّ الرئيس لا يكون إلّا كاذبا”.
ويعتبر حمة الهمامي أن “الاستقطاب بين نداء تونس وحركة النهضة له تداعيات كارثية” وهو يدعو التونسيين إلى “تجنب حشرهم وسط حسابات سياسية وانتخابية ضيقة”. ويشدد الهمامي على أن ما تحتاجه تونس اليوم هو”الوحدة الوطنية على أساس صيانة الحقوق والحريات وكرامة المواطن”.
ويرى السياسيون أن حظوظ حمة الهمامي في الفوز “ضئيلة” لكن مشاركته في الانتخابات الرئاسية أعادت الروح لليسار التونسي الذي أصبح قوة سياسية حداثية من شأنها أن تعزز القوى الوطنية والديمقراطية في مواجهة حركة النهضة التي تهدد مكاسب التونسيين.