نزل الخبر صباح أمس الخميس صاعقا من باريس، عبد الوهاب المؤدب فارق الحياة، بعد معاناة غير طويلة مع مرض طارئ. كان قد نقل إلى أحد مستشفيات باريس لإجراء تحاليل وللعلاج، لكن حكم الموت كان أسبق. برحيله، وتونس تعيش واحدة من أنضج لحظات تحولها الديمقراطي المؤسساتي، هو الذي دافع بقوة عن مشروع التحول ذلك، وأصدر حوله كتابا مهما منذ سنتين تحت عنوان “ربيع تونس، مسوخ التاريخ وتبدلاته” (أهداني نسخة منه ونصحني بقراءته الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي) وأتبعه بكتاب آخر مشترك مع 3 كتاب آخرين منذ سنة تحت عنوان “ارحل. ثورة”.. برحيله، إذن تفقد تونس واحدا من أنضج أصواتها الفكرية خلال الثلاثين سنة الأخيرة. هو الذي كان مناهضا للاستبداد وحكم بنعلي، مثلما كان مناهضا شرسا للتيارات الإسلامية المتطرفة، التي كان يناقشها من داخل منظومتها الفكرية، كونه أستاذا متخصصا في دراسة التصوف والمدارس الفقهية الإسلامية، إلى جانب كونه أديبا وأستاذا للأدب المقارن بجامعة باريس العاشرة، والمشرف على برنامج ثقافات الإسلام بقناة فرنسا الثقافية.
عبد الوهاب المؤدب، المزداد سنة 1946، بالعاصمة تونس، هو سليل عائلية موريسكية أندلسية من جهة والده، ومن عائلة من أصول يمنية من جهة والدته، ما جعله يدخل كتاتيب جامع الزيتونة باكرا منذ صغره، كون والده وأجداده من فقهاء وخريجي ذلك الجامع العتيق بتونس. حفظ القرآن باكرا، واكتشف الأدب الفرنسي والعالمي في فترة شبابه الأول، فانتصر دوما لأمرين، تاريخ الصوفية (كان مغرما معرفيا بسيرة ابن عربي)، وأيضا فلسفة الأنوار، التي اعتبرها قدرا معرفيا عربيا آتيا. الأمر الذي جعله يعتبر ما حدث في تونس، بداية التدشين لأول حركية الأنوار عربيا وإسلاميا، بكل العنف الرمزي والمادي المصاحب لذلك. وفي كل زياراته المتعددة إلى المغرب، خلال العشرين سنة الماضية، كان يعتبر الفضاء المغاربي والمغربي أفقا لإنضاج سؤال التحول التاريخي ذاك. من هنا ألم رحيله المفاجئ، لأن مشروعه الفكري كان يعد بالكثير من الإصدارات، اليوم أكثر من البارحة. وداعا عبد الوهاب مؤدب.
(*) مقالتي القصيرة اليوم بيومية “الإتحاد الإشتراكي” المغربية