القلة القليلة من المغاربة تعلم بوجود صندوق مشترك تابع لإدارة الجمارك يمول من عائدات النزاعات الجمركية، البعض منهم يعرف أن مجموع مايتم ضخه في هذا الصندوق يصل إلى ملايير الدراهم سنويا، والقليل القليل من المواطنين على علم بأن هذا الصندوق يتم اللجوء إليه لصرف اعتمادات مالية لكل من أخبر عن عملية غش جمركي أو ساهم في التصدي لعمليات التهريب من وإلى المغرب. كل هذه الملايير، وكل هذه العمليات المالية يلفها الغموض إلى أبعد مدى، بحسب الكثير من المتتبعين.
الصندوق رأى النور في سياق سياسي ارتبط بحالة الاستثناء التي عرفها المغرب في منتصف الستينيات من القرن الماضي وفي الوقت الذي كثر الحديث عن مشروعية استمرار هذا الصندوق ترى إدارة الجمارك أن دواعي إحداث هذا الصندوق مازالت قائمة إلى حد الآن، ذلك أنه يستجيب حتى الساعة لمتطلبات حيوية تتعلق بطبيعة عمل أعوان الجمارك والمتعاونين معهم وكل المتدخلين في التصدي لعمليات التهريب ووجوب تحديد مخصصات مالية لتعويضهم، وأن التطور الذي عرفته عمليات الغش الجمركي والتهريب تفرض استمرارية هذا الصندوق، بهدف دعم شبكة المخبرين لدى إدارة الجمارك وتطوير قاعدة معلوماتها الاستخباراتية!
كلام قد يبدو للبعض منطقيا ومعقولا، لكنه ملتبس في حقيقة الواقع، وإذا كان الشارع المغربي قد تحرك في اتجاه محاربة الفساد، فإنه أيضا يريد محاربة الالتباس، فنهب المال العام والإثراء غير المشروع يأتي في مائة لبوس ولبوس ويتخذ أشكالا وأوجها عديدة قد تكون صناديق أو حسابات لكنها تفتح تحت جنح الظلام ، وقد يكون هذا الصندوق من بين تلك الصناديق السوداء التي ظاهرها دعم الحرب على الغش والتهريب، وباطنها لربما اغتناء غير مشروع ، ذلك أن عمل هذا الصندوق يلفه الغموض ولا أحد يعرف حجم المبالغ المالية التي تضخ فيه وأوجه صرفها.
فالبعض يعتبره صندوقا أسودَ تستفيد منه عدة جهات خارج منطق الشفافية الذي ينبغي أن يحكم صرف المال العمومي، بل الأخطر من ذلك أنه لا يخضع لمراقبة المجلس الأعلى للحسابات ولالمراقبة المفتشية العامة لوزارة المالية ولا لمراقبة البرلمان وكافة أجهزة مراقبة الأموال العمومية! مصادر من إدارة الجمارك تحدد نسبة الصندوق المشترك من عائدات المنازعات الجمركية والمحجوزات في 10 في المائة، فيما تصل نسبة الخزينة العامة من هذه العائدات إلى 54 في المائة، لكن المثير للإستغراب هو تخصيص 15 في المائة منها للجمعيات والأعمال الاجتماعية بدون تحديد هوية هذه الجمعيات وأصحابها، والأكثر من هذا وذاك تخصيص نسبة 10 في المائة من عائدات المنازعات الجمركية إلى المخبر الذي بلغ أو كشف عن وجود حشيش أو عملية تهريب أموال أو سلع، وهذه النسبة يتسلمها سرا ويدا بيد من رئيس قسم المنازعات بإدارة الجمارك حتى لا يكتشف أمره!
وهو أمر يفتح الباب على مصراعيه للتلاعب مادام التعامل بمالية هذا الصندوق يتم تحت جنح الظلام.
فإذا كان الفساد والتلاعب بالمال العام والإغتناء غير المشروع يتم في وضح النهار وفي صفقات وأوراش وميزانيات تخضع للرقابة المالية القبلية والبعدية، فمابالك بملايير الدراهم والتي تحيط السرية التامة بمجالات وطرق صرفها؟

عن جريدة .ا.ش

4 نونبر 2014

‫شاهد أيضًا‬

حضور الخيل وفرسان التبوريدة في غناء فن العيطة المغربية * أحمد فردوس

حين تصهل العاديات في محرك الخيل والخير، تنتصب هامات “الشُّجْعَانْ” على صهواتها…