أود باديء ذي بدء، وقد أهلّت الذكرى الستين لثورة نونبر المجيدة والتي فتحت صفحة ناصعة في سجل النضال والتحرير، أن أهنئك بهذه المناسبة. إنها صفحة يحق لي أن أفخر بها، انطلاقا من وشائج التاريخ وأواصر الثقافة وإيماني بقيم العدل والكرامة، أسوة بالكثيرين من مواطني المغاربة. لن تعجب لذلك، لأنك تعرف ما قدمه شعبا تونس والمغرب لأخوتهم في الجزائر من أجل فك نير الاستعباد، ثم إنك أسمى من القوالب السياسية الضيقة وأنت تعي أواصر التاريخ، ووشائج الثقافة التي تربطني وإياك وحتمية المصير المشترك. هو هذا الإيمان، أخي، ما يجعلني أفتح إليك صدري و أحدثك حديث الصراحة.

قبل سنة وقع حادث أرعن لم أجد بُدّا من التنديد به حينما أقدم مواطن مغربي بانتهاك حرمة قنصلية الجزائر بالدار البيضاء ونزْع العلم الجزائري. نددت بذلك، وسرّني أن ُصحفا من بلدك تحمل ذات الوعي الذي يضطرب في جوانحي نقلت ذلك وترجمته إذ ذكّرتْ بالوشائج العميقة التي تربط الشعبين.

لا بد أن أصدقك القول، أخي. لا بد أن أقول لك ما يعتمل في صدري. أي نعم، لقد آلمني ما أقدمت عليه قوات بلدك من  إطلاق النار على مواطنين مدنيين مغاربة من بني خالد، وبنو خالد هؤلاء فرع من بني يزناسن، لهم امتداد في التراب الجزائري، ولهم به إخوة وبنو عمومة، فكأنما من أطلق النار، أطلق النار على أهله.

 لقد تغاضيت حين أُحرق العلم المغربي، وتغاضيت حينما أُطلق النار على مركز حدودي على مستوى فكيك، ولكني لا أستطيع أن أصمت حينما يُمس الإنسان، وحين يُمس في أقدس حق له، حق الوجود أو الحياة، لا أستطيع، وكنت أود أن تجهر أنت بذلك، مثلما فعلت أنا حينما نددت بالتصرف الأرعن الذي أقدم عليه مواطن مغربي حينما مس حرمة علم بلدك. لا يشرف سلطات بلدك أن تطلق النار على مواطنين مدنين عُزّل، مهما كانت الذرائع. وهل من الفبركة ما ذهب إليه التأويل الرسمي لمسؤولي بلدك أن يذهب فك الضحية، وينطفيء  نور عينه ؟

لست في موطن مؤاخذتك على فعل لا تحمل جريرته، ولكني أريدك أخي، أن تضع حدا لصمتك، لكي نخرج من وضع سوريالي، و نأمن نُذر عواصف هوجاء.

لست أحدثك من موقف رسمي، لأن ليس لي أية صفة رسمية، ولست أحدثك مما تواتر من خطابات رائجة من لدن السياسيين لأنك تأنف من ذلك، وتَعُده رجع صدى لجهات رسمية. أحدثك انطلاقا مما يمليه ضميري علي، من إيماني بالوشائج التاريخية، والأواصر الإنسانية والمصير المشترك. و أرى أنك أنت المثقف الحر من ينبغي أن يُذكر بذلك و أن يتصدى لهذا الأمر بتذليل العقبات ومد جسور التواصل. أراك القلعة التي تأبت على التدجين والتنميط والافتراء والتضليل، وهو رأسمالك لكي تستثمره في دور تاريخي يكون لنا فيه دور ما تحت الشمس.

أخي، نحن بين خيارين لا ثالث لهما، إما أن نجنح للحكمة والمجادلة بالتي هي أحسن، وإما أن تتغلب الغرائز والأهواء، وتعصف بنا إذاك رياح سموم لن تُبقي أو تذر، ولن تنفع فيها خردة الأسلحة المكدسة في المخازن، ولا الأراجيف التي تملأ الساحة آناء الليل وأطراف النهار.

لا يمكن للأمور أن تستمر على ما هي عليه. لا يمكن لهذا اللغط الأهوج أن يستمر، ولا لسباق التسلح أن يظل ساريا في سياسيات الدولتين في وقت نحن أحوج ما نكون لصرف إمكاناتنا الوجهة الصحيحة للارتقاء بالإنسان، وتحسين أوضاعه، وصون كرامته، والتغلب على الفقر والجهل وشتى الضلالات والجهالات.

إنني لا يضيرني البتة موقف الجزائر الرسمي من قضية الصحراء، ولا دعاوى المباديء  التي تدفع بها. وهل من المباديء قطع الأرحام ؟ هل من الانتصار إلى الحق  الإبقاء على الحالة التي يعيش فيها أهل البيضان في الحمادة (و البيضان هو التعبير الدقيق عوض المصطلح الاستعماري ـ الشعب الصحراوي ـ الذي صاغته أدبيات نظام فرانكو وحسبته قصرا على ما كان يسمى بالصحراء الاسبانية).   أليس من الحكمة أن نذلل الصعاب مهما عظمت بالحوار و الجنوح إلى العقل والحكمة. وهل من الضروري أن نلتقي حول كل شيء في شؤون السياسية لكي تكون لنا علاقات طبيعية ؟

إنني لا أنازع في الحدود ولو أن المجتمعات وُجدت قبل الدول، ولو أن هذه الحدود فصلت الأسرة الواحدة والقبيلة الواحدة. لا أنازع في ذلك ولكن شريطة أن لا تنتصب حواجز بين المواطنين، في بلدينا وغير بلدينا من البلاد المغاربية، تمنع تنقلهم وتدوس كرامتهم.

إنني لا أنازع في شكل أي نظام، لكل بلد أن يكون له النظام الذي يرتضى، وأن يستند على الشرعية التي يريد، ولكن شريطة أن تُحفظ كرامة المواطنين وحقوقهم، أفرادا وجماعات. أحرّم على نفسي الزج في طريقة حكم الإخوة الجزائريين لأنفسهم، مثلما أربأ بك وبغيرك أن يملي علي كيف ينبغي أن أدبر علاقتي مع الحاكمين من بلدي. لكل نظام حرمة، وينبغي أن تُحترم. أحترم نظام بلدك ورموزه، وأريد منك أن تحترم نظام بلدي ورموزه.

لا أود أن يمر الحادث الذي شوه ملامح وجه السيد رزق الله الصالحي مرور الكرام، وشوه معه أواصرنا وشان وشائجنا.  أنت الأمل الباقي في هذا الذي يضطرب في جوانحي من وعي بالمصير المشترك من أجل تجاوز وضع معضل . أنت من يقيم مسافة مع الأحداث والأهواء. أريدك  أن تتحمل مسؤوليتك لكي نخرج سويا من هذا الزيغ، و نأمن غوائل هذا الوضع المريب، و شرور هذا اللغط الذي يطمس البصائر و يُنذر بالشر المستطير.

أنتظر ردك أخي، بلهفة. لا تُخيّب رجائي.

مع محبتي الأخوية

  حسن أوريد

عن الجزائر تايمز

30 اكتوبر 2014

‫شاهد أيضًا‬

عندما توسط الحسن الثاني بين شاه إيران والخميني * عمر لبشيريت

يحكي عبداللطيف الفيلالي رحمه الله، وزير الخارجية والوزير الأول الأسبق، أن اتصالات المغرب ب…